أخيراً.. صدر قرار النيابة العامة بإحالة الجناة في واقعة قتل «خالد سعيد» لمحكمة جنايات الإسكندرية بعد صدور أول قرار بحبسهما أربعة أيام احتياطياً علي ذمة التحقيقات بعد إخلاء سبيلهما عدة مرات!! .. قرار الإحالة استند إلي ثلاث مواد في قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937، الأولي: هي المادة رقم 126 والتي تنص علي: «كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله علي الاعتراف يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلي عشر سنوات.. وإذا مات المجني عليه يُحكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد». .. المادة الثانية التي استند إليها قرار النائب العام هي: المادة رقم 280 من ذات القانون، والتي تتحدث عن إلقاء القبض دون وجه حق علي ذوي الشبهة، وتعاقب علي الجريمة بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه(!!) .. أما المادة الأخيرة الواردة في قرار الإحالة هي: 282 عقوبات، والتي تنص علي: «إذا حصل القبض في الحالة المبينة بالمادة 280 من شخص اتصف بصفة كاذبة أو أبرز أمراً مزوراً مدعياً صدوره من طرف الحكومة يعاقب بالحبس ويُحكم بالسجن المشدد علي من قبض علي شخص دون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبه بدنياً. .. والآن نستطيع أن نقول إن النيابة العامة أدت دورها كمدافع عن المجتمع، وردت الأمور إلي نصابها بعد أن كاد الأمل يتبدد في الحد الأدني من العقل والعدل في هذا الوطن!! .. هل آن لجسد خالد سعيد المتمدد في مقابر المنارة بباب شرق الإسكندرية أن ينام هادئاً بعد كل ما تعرض له من الألم حياً وميتاً؟! هل آن لهذا الجسد أن يستريح إلي جوار ربه بعد أن مزقته أيادي الجناة ومباضع التشريح وأقلام صحف البانجو ووجع التستر علي الجريمة!! .. هل آن الأوان لأم «خالد» أن تبكي بحرارة علي نجلها، وكذلك إخوته وأصدقائه بعد أن حرمهم البعض من هذا الحق المشروع، عندما تحول نجلهم الفقيد من شهيد إلي مجرم عتيد، وتاجر بانجو، وهارب من التجنيد، ومغتصب، وسارق تليفونات، وقاطع طريق!! .. عندما زرت قبر الشهيد «خالد سعيد» شعرت بأن «خالد» الذي انتزع من قبره بعد أيام من وضعه إلي جوار والده يصرخ وسط سكون المقابر يتألم من ظلم البشر وقسوة الناس والنظام والإعلام. .. القضية لم تنته بعد، بل هي بدأت الآن فقط وعلينا ألا نفرح بقرار الإحالة كما سبق أن فرحنا بقرار إحالة 44 ضابطاً من ضباط أمن الدولة والسجون للمحكمة الجنائية انتهت بالحكم ببراءة ال44 متهماً وغسل يد النظام. .. علينا أن نطالب بإصلاحات حقيقية لمواجهة ظاهرة التعذيب منهجياً وتشريعياً من خلال تعديل نصوص قديمة وبالية تصف التعذيب بأنه عمل مرتبط فقط بالرغبة في الحصول علي اعتراف، وهو الباب الذي يفلت منه معظم الجناة!! .. لابد أن تلتزم مصر تشريعياً بتوصيف التعذيب الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 39/46 المؤرخ في 10 ديسمبر 1984 والتي تقول إن التعذيب يُقصد به أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب جسدي أو عقلي لأي سبب من الأسباب أياً كان نوعه طالما كان من مارسه أو وافق عليه شخص يتصرف بصفة رسمية. .. علينا قبل أن نفرح بقرار الإحالة أن نبذل جهداً قانونياً حقيقياً لتقديم كبار الجناة في الواقعة وليس فقط صغارهم كل من أمر، أو تستر علي الجريمة لابد من محاكمته!! فمحاكمة الأدوات والذيول.. بداية لمحاكمة الرؤوس!!