الشاعر إما عظيم أو جريمة في حق الإنسانية. لا يوجد شيء اسمه: شاعر متوسط. الشاعر المتوسط ما هو إلا مجرم حرب مثل شارون ويجب تقديمه للمحاكمة الدولية. الشعر هبة إلهية، يصرفها الخالق لأفراد من بني الإنسان، جوهرة تدفس في القلب والعقل، لا تخطئ العين بريقها. أنت لا تعقب علي الشعر بالكلام، لا تقول للشاعر ماذا يقصد، الشاعر هو الذي يغوص، رغما عنه، في خلق الله، ثم تنساب القصيدة منه، فتجد نفسك تردد: «آه.. أيوه والنبي.. يابن الذين.. عرفت منين؟».. الشعر لا يستعجم علي أحد مهما ارتقت لغته، ولا يعلم أحد - بمن فيهم الشاعر نفسه - من أين يأتي بصوره. تميم البرغوثي شاعر عظيم، كذا خلقه الله. تعبت والدته الروائية الكبيرة د.رضوي عاشور في تربيته، وبذل والده مريد البرغوثي - شاعر عظيم - كل ما بوسعه ليعوضه عن قصر المدة التي يقضيها معه. كل هذه المجهودات تنشئ شابا ذكيا، مهذبا، مجتهدا، متفوقا، لكنها لا تخلق شاعرا. الله وحده هو الذي يخلق الشعراء. أرادت العناية الإلهية أن تهب تميم البرغوثي قرص العسل، وأراد الله أن يهدي نقابة الصحفيين فتعقد أمسية شعرية له. كانت القاعة تعج بالشباب الذين حضروا من المحافظات ليستمعوا إلي تميم وهو يقول: «أنا هنا هو لازمتي إيه يعني؟/ مش عارف أساعد إخواتي/ ولا همه قدروا يساعدوني/ حتي شعري شعر ذواتي/ أبياته بالفصحي يجوني/ يعني أنا بغير أبياتي/ وباحضر منظر رحلاتي/ ومكانتي في الزمن الآتي/ وضعي هنا وضع أبو الطيب/ هو شتم لكن أنا طيب/ قاعد ولا قوة ولا حولة/ ومحاولة تودي لمحاولة/ تاني اطردني يا أمن الدولة/ إنت كسبت يا عم الجولة/ إنت القفل تملي معاك/ خلينا لك مصر هدية/ بس ابقي ادعي ربي يعينك/ مصر يا بيه هاتطلع عينك». الحضور بدوا للوهلة الأولي وكأنهم جمهور تامر حسني، شباب مصري يرتدي البنطال الجينز المضروب وش بويا، وفتيات مصريات يشبهن الجالسات علي الكورنيش، سمعوا شعرا بالغ الفصاحة: «نفسي الفداء لكل منتصر حزين»، «القدس»، «إلي السيد حسن نصر الله». تفاعلوا، تأوهوا، ضحكوا، بكوا، صفقوا في المقاطع الصحيحة تماما. ربكم والحق أنا اتلخبطت، كلنا يعلم حال التعليم المصري الذي لا يؤهل المرء لفهم أي جملة مفيدة نثرا أو شعرا أو حتي رسالة موبايل، هل يبذل هذا الجيل من الشباب جهدا مضاعفا ليرقي بنفسه؟ أم أن تميم البرغوثي تمكن من بناء سلم ليصعد بمحبوبته التي يقول عنها: مَاْ فْضِلْشِ مِنْ مَصْر إلا لَمْعَةْ في عنِيهَا/ وِدَقَّةْ عَ الدَّقْنِ، مِشْ بَاْيْنَة، نُجُومْ وِهلالْ/ كِبْرِتْ وِأَعْصَابْهَا بَاظِتْ قَاعْدَة عَ النَّاصْيَة/ تِحْدِفْ عَلَي الخَلْقِ طُوبْ عَمَّالْ عَلَي بَطَّالْ/ لكِنْ أَهُو، تِعْمِل إيه يعْنِي، هَاتِكْرَهْهَا؟/ خُدْهَا كِدَه وْرَبِّنَاْ يعِينَكْ عَلَي الأَهْوَالْ/ العِشْقِ زَيّ هَوَا مَلْيَانْ عَوَادِمْ بَسّ/ لَوْ يُومْ قَفَشْتِ عَلِيه رَاحْ تِتخِنِقْ في الحَالْ/ يا مَصْر قُومِي هَانِتْمَشَّي عَلَي الكُوْرْنِيشْ/ حِبِّي النَّهَارْدَة وِبُكْرَة يحِلَّها الحلاَّلْ. تميم غير مسموح له بالعمل في مصر.. لأنه ليس مصريا! أحمد عز بس هو اللي مصري.