هو كلمة من ربنا سبحانه وتعالي ونفخ الله فيه من روحه، أفلا نحبه؟! بلي، نحب المسيح حبًا يليق به، المسيح الذي قال عنه محمد - صلي الله عليه وسلم - «عيسي أخي».. أفلا نحب أخا نبينا؟! المسيح مَسَحَهُ اللَّه فَطَهَّرَهُ مِنْ الذُّنُوب (كما يقول الطبري في تفسيره) وقال آخرون: إنه المسيح لأنه مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ، وَسُمِّي الْمَسِيح كما جاء في تفسير ابن كثير لِكَثْرَةِ سِياحَته في الأرض، وَقِيلَ: لأنَّهُ كَانَ مَسِيح الْقَدَمَينِ لا أَخْمَص لَهُمَا، وَقِيلَ: لأَنَّهُ كَانَ إِذَا مَسَحَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي الْعَاهَات بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَي، وهو المسيح الوجيه في الدنيا والآخرة، أَي كما جاء في التفاسير كلها لَهُ وَجَاهَة وَمَكَانَة عِنْد اللَّه فِي الدُّنْيا بِمَا يوحِيه اللَّه إِلَيهِ مِنْ الشَّرِيعَة وَينْزِلهُ عَلَيهِ مِنْ الْكِتَاب وَغَير ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ اللَّه بِهِ، وَفِي الدَّار الْآخِرَة يشْفَع عِنْد اللَّه فِيمَنْ يأْذَن لَهُ فِيهِ فَيقْبَل مِنْهُ. أشعر بهذا الحب العميق، للمسيح عليه السلام، هل لأنه وقف وحده أمام الجميع؟.. أليست هذه سمة النبوة، الشجاعة والجسارة؟!.. هل لأنه كان أعزل بلا سيف ولا نصل ولا عصا؟.. ولكنه كان يملك معجزات ليست لأحد بعده من العالمين.. هل لأنه كان فقيرًا مضطهدًا ووحيدًا؟.. ولكنه ضم وضمن أنصارًا وحواريين وضعوه في حجرات قلوبهم.. هل لأنه تعرض لخيانة الأصدقاء، باعه الصديق اللصيق؟ ربما لأجل حوارييه وصحبته الذين أخلصوا له إخلاصًا لا وصف له.. ربما لأن غيابه كان رسالة كما حضوره تمامًا.. ربما لأنه واجه الظلم والتعذيب والاستبداد وحده تمامًا مفتديًا نفوس مؤمنيه.. وإذا كان المشهد الجلل والجليل في حياة المسيح هو مشهد النهاية، حيث قاد اليهود في أورشليم عيسي إلي بيلاطس الحاكم الروماني مطالبين بصلب المسيح فسألهم (ماذا فعل يسوع الذي يدعي المسيح؟) فأجاب اليهود ورؤساء الكهنة: (إنه يفسد الأمة) فقال بيلاطس: إنني لا أجد علة في هذا الإنسان، قالوا إنه يهيِّج الشعب ويمنع أن تُعطي جزية لقيصر وإذا لم تصلبه فلن تكون محبًا لقيصر، فخضع لهم وأمر بصلبه (نحن نؤمن بأن المسيح رُفع للسماء قبل الصلب، والمسيحيون يؤمنون بأن القيامة والرفع تَمَّا بعد الصلب).. لقد نجَّي الله عيسي من الصلب وإبراهيم من الحرق وموسي من الغرق ونوحًا من الطوفان ومحمدًا من القتل ليلة الهجرة، نجي الله أنبياءه كي ننجو نحن، أنقذ الله رسله كي ينقذوا العالم... ومع ذلك حضرتك تري العالم بنفسك وتعيش بين البشر، نحن نصلب رسالة الرحمة والسماحة التي جاء بها عيسي - عليه السلام - ونرفع السيف علي رسالة الحرية والعدل التي جاء بها محمد - صلي الله عليه وسلم - نجَّي الله أنبياءه من كل شيء إلا من المؤمنين بهم!