ظهر تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» واجتاح مناطق واسعة فى البلدين، وحصل على دعم هائل من دول عربية لاعتبارات سياسية وطائفية، فهناك نظم حكم عربية لم تغفر للرئيس السورى بشار الأسد تطاوله على رموزها إبان الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، ورأت فى سقوط نظام الأسد مصلحة ودرسا له ولغيره. أيضا لعب البُعد الطائفى دورا كبيرا فى دعم دول عربية للتنظيم، فدول عربية سُنية خشيت من اكتمال «الهلال الشيعى» الإيرانى، العراقى، السورى، وصولا إلى جنوبلبنان، ومن السيطرة على منطقة ممتدة وتهديد الوجود السُّنى فى هذه المنطقة، إضافة إلى التطلع إلى ضم مناطق ذات غالبية شيعية فى دول أخرى مثل شرق المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، إضافة إلى شمال اليمن، من هنا قدمت دول عربية عديدة الدعم للتنظيم باعتباره الأقدر على مواجهة التمدد الشيعى. ثم توالت الأنباء عن انتصارات سريعة حققها التنظيم فى سورياوالعراق، لا سيما بعد انضمام عشائر سُنية إلى التنظيم فى العراق تحديدا، للتخلص من حكم المالكى الطائفى، وتميز التنظيم عن «القاعدة» بأنه فتح أبوابه أمام المسلمين من مختلف أنحاء العالم، بصرف النظر عن الجنسية والخلفية الدينية أو العقائدية، فجذب آلاف الأوروبيين والأمريكيين والأسيويين. تواترت الأنباء عن انتصارات التنظيم السريعة والخاطفة وعن البشاعة التى يقتل بها التنظيم مَن يعتبرهم خصومه من أفراد الجيشين السورى والعراقى، ثم أعمال القتل بحق المسيحيين والإيزيديين، وتصريحات قادة التنظيم باستهداف المنطقة ككل بما فى ذلك المملكة العربية السعودية، ثم توجيه التهديد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد قيام طائرات أمريكية باستهداف مواقع للتنظيم. هنا بدأت الدول التى كانت تمول التنظيم تشعر بالخطر الشديد من تمدده، وقدرت أن الدول التى يعمل فيها تنظيم وتخضع لنظم حكم شيعية «أرحم» كثيرا من التنظيم، ويمكن التفاهم معها والتوصل إلى تفاهمات على النحو الذى حدث فى العراق بإخراج المالكى وصيغته الطائفية. المعادلة العراقية والتحرك لوضع أساس نظام أقل طائفية، نفس الأمر ينطبق على الحالة السورية، فمهما كان فساد واستبداد نظام الأسد فهو نظام مسؤول يمكن توقُّع سياساته وتحركاته، كما يمكن التوصل إلى تفاهمات معه. من هنا تسارعت التحركات، فعقد حلف شمالى الأطلنطى (الناتو) اجتماعا لمناقشة الخطوات المطلوبة ضد التنظيم، وبادر الرئيس الأمريكى أوباما بتأكيد أن العمل ضد «داعش» لا يتطلب قرارا من الحلف، بل اتفاق عدد من الدول الأعضاء على عمل مع الولاياتالمتحدة عبر توجيه ضربات جوية مكثفة إلى مفاصل التنظيم بهدف إضعافه وتسهيل مهمة القوات العراقية والسورية فى مواجهته، ويرجع تمسك أوباما بعدم الحصول على تفويض من الحلف لإدراكه أن التفويض يتطلب صدور القرار بالإجماع فى وقت يعلم فيه تماما أن تركيا (عضو الحلف) هى مصدر تمويل التنظيم وتجنيد الشباب للعمل فى صفوفه، فعلى الأراضى التركية توجد معسكرات التنظيم، ومنها يدخل السلاح الممول قطريا إلى سورياوالعراق. لم تتعلم أى من الدول التى أسهمت فى ظهور ودعم التنظيم من تجارب الآخرين، بل من تجاربها الذاتية مع المتشددين، فسبق للسعودية والولاياتالمتحدة ومعهما مصر وباكستان أن شكَّلت بنية تنظيم القاعدة لمحاربة القوات السوفييتية فى أفغانستان، فكانت التفجيرات فى هذه البلدان بما فيها الولاياتالمتحدة فى الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، وسبق للسادات أن دفع حياته ثمنا للعب على نفس الأرضية وتشكيل تنظيم الجماعة الإسلامية.