وزارة التموين: احتياطي القمح يكفي 6 أشهر والسكر 20 شهراً    بنك مصر يتعاون مع «راية» لدعم برنامج «تقدر» لتسريع نمو الشركات الناشئة    عاجل| أسعار البنزين والسولار الجديدة.. الزيادة المحتملة وموعد التطبيق    بوليفيا.. إصابة 9 أشخاص في محاولة الانقلاب العسكري    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    محافظ الغربية يتابع ملف التصالح على مخالفات البناء ويوجه بتبسيط الإجراءات على المواطنين    تنسيق الجامعات 2024.. إلغاء اختبارات القدرات في هذه الكليات العام الجديد    للمرة الثالثة منذ بدء الحرب، جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية في الشجاعية    تشكيل مودرن فيوتشر أمام الجونة بالدوري    لجنة القيادات بجامعة بنها الأهلية تعقد اجتماعاتها لاختيار المرشحين لمديري البرامج بالكليات    مصرع شخص في حادث مروري بطريق القاهرة - أسيوط الغربي    رئيس هيئة الرعاية الصحية يكرم المتميزين في تطبيق أنشطة اليقظة الدوائية    توقيع الكشف على 1080 حالة خلال قافلة طبية بمركز مغاغة بالمنيا    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    «إعلام القليوبية» تنظم احتفالية بمناسبة 30 يونيو    بيراميدز يتخذ قرارًا جديدًا بشأن يورتشيتش (خاص)    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    غرامة 100 ألف جنيه على الزمالك وخصم 3 نقاط من رصيده    برلماني: ثورة 30 يونيو تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر    الزراعة: مناخ مصر حار ولم يتغير منذ 1000 سنة    من سينتصر أولًا الطاعة أم الخلع ؟ زوجان يختصمان بعضهما أمام محكمة الأسرة: القانون هو اللي هيفصل بينا    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان أحمد بدير خلال دورته ال 17    30 يونيو| إرادة شعب ومسيرة وطن.. الحفاظ على الهوية وصون المقدرات الحضارية إنجازات الثقافة في 10 سنوات    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    الجمال ‬‬بأيدينا    داعية الباحثين للمشاركة.. دار الكتب تعلن موعد مؤتمرها السنوي لتحقيق التراث (تفاصيل)    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    "التعليم" تعتمد مدربين "TOT" في تخصصي STEM والتربية الخاصة    فرع جديد للشهر العقاري والتوثيق داخل مجمع النيابات الإدارية بالقاهرة الجديدة    إصابة 8 أشخاص بضربات شمس إثر ارتفاع درجة الحرارة في أسوان    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    أستاذ علوم سياسية: الشعب الأمريكي يختار دائمًا بين رئيس سيء وأخر اسوأ    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    مذكرة تفاهم بين المعهد القومي لعلوم البحار والهيئة العربية للتصنيع    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    تجديد حبس عاطل 15 يوما لاتهامه بسرقة المساكن فى السلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    مصرع شاب في انقلاب دراجة نارية بمركز طامية بالفيوم    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفيق حبيب يكتب: المسيحيون في البلاد الإسلامية: رؤية كاثوليكية
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 06 - 2010

في مجمع الأساقفة الكاثوليك المنعقد حول الشرق الأوسط في يونيو 2010 في قبرص، قدمت ورقة عمل من الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، اشتملت علي إجابات الكنائس عن عدة أسئلة، ثم وضعت خلاصة تلك الأسئلة في ورقة العمل. ودارت الورقة حول وضع المسيحيين في البلاد العربية والإسلامية (في الشرق الأوسط) مركزة علي البلاد العربية وتركيا وإيران. وفي تلك الورقة العديد من الهموم والهواجس التي تعيشها الكنيسة أو المسيحيون في منطقة تشهد العديد من التقلبات والاضطرابات. وقد حاولت الورقة وضع صياغة للتحديات الكبري التي تواجه المسيحيين، وحددت أهم تلك التحديات، وفي الورقة العديد من القضايا المهمة، والتي تكشف عن حالة التوتر داخل أقلية عددية، لها جذور تاريخية عميقة في المنطقة.
وأول ما يواجه القارئ في تلك الورقة، الخوف المسكون من الرؤية السياسية الإسلامية، بما فيه التخوفات الواضحة من شعار الإسلام هو الحل، وأيضا المخاوف من الأسلمة، وما يتبعه من خوف واضح من عدم تمييز المسلمين بين الدين والسياسة، فالإسلام في العادة هو دين ودولة، كما تقول الورقة. وتنظر الورقة إلي الدول في البلاد العربية والإسلامية، علي أنها دول إسلامية بدرجة أو أخري، وتستثني تركيا التي تبدو دولة علمانية، رغم أن الورقة تري أن الحرية الدينية في تركيا غير كاملة أيضا.
وتصوغ الورقة وضع المسيحيين في البلاد العربية والإسلامية، بوصفهم يواجهون تحديًا رئيسيا، وهو الحركات السياسية الإسلامية، وأيضا الدول التي بنيت علي أسس إسلامية، وهي كل الدول التي تنص علي أن دين الدولة الإسلام، وعلي أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويبدو من الورقة أن النظر إلي غالب الدول العربية والإسلامية بوصفها دولاً إسلامية، يخالف الواقع المعاش، حيث إن أغلب تلك الدول علمانية، ولكن موقف ورقة العمل يكشف عن مخاوف من كل شكل إسلامي أو عنوان إسلامي للنظام السياسي، حتي وإن كان مجرد عنوان.
ولا يمكن أن نفهم مما تقدم، غير أن هناك تأييدًا كنسيًا كاثوليكيًا للعلمانية. ولكن الورقة تفاجئ القارئ بالحديث عن العلمانية الإيجابية، وهي العلمانية التي تحترم الدين وتحترم دوره، حتي في المجال العام، ولكنها تفصل بين النظام الديني والنظام الزمني، وتلك العلمانية في نظر الكنيسة الكاثوليكية، لا تمنع من قيام الدين بدور في الحياة العامة، ولا تمنع الكنيسة الكاثوليكية من تأكيدها علي دورها في حياة المجتمعات العربية والإسلامية، وأيضا تأكيدها علي دور المسيحي في الحياة العامة، وفي العمل السياسي، والورقة تري أن علي المسيحي ليس الالتزام السياسي فقط، فهو غير كاف، ولكن عليه القيام بالتزامه السياسي من خلال القيم الإنجيلية. فهي تري أن للمسيحي دورًا عامًا في المجتمع، من خلال شهادته في وسط العالم، للقيم الإنجيلية التي يؤمن بها. ومن خلال الشهادة المسيحية في البلاد العربية والإسلامية، تحقق الجماعة المسيحية دورها كشاهد علي القيم الإنجيلية، وتقدم النموذج الإنجيلي في المسئولية الوطنية والسياسية. وبهذا نجد أنفسنا أمام صورة للحضور المسيحي في المجال العام، وهي صورة تري الورقة أنها أساسية لتحقيق دور الجماعة المسيحية، وتحقيق المسئولية الإنجيلية للمسيحي المؤمن.
وفي الوقت نفسه، تؤكد الورقة أن بعض الدول الغربية تتبني علمانية تحارب الدين، كما تؤكد الورقة أن الحداثة تحتوي علي جانب إيجابي وجانب سلبي، ومن ذلك الجانب السلبي ما تؤدي له الحداثة من إلحاد ومحاربة للدين، مما يعني أن الرؤية التي تتبناها الورقة لا تنفي المشكلة التي تواجه المسيحية بسبب العلمانية، وبسبب الحداثة، ولكن الورقة تؤكد مرارا علي العلمانية الإيجابية، التي لا تنفي وجود الدين ولا تنفي دور الدين، ولكنها تفصل بين النظام الديني والنظام الزمني، أي السياسي.
والغريب أن الورقة مسكونة بهاجس الخوف من الحركة الإسلامية، وفي الوقت نفسه تقدم توصيات حياتية للجماعة المسيحية، تتشابه لحد كبير مع التوصيات والفروض التي تنادي بها الحركات الإسلامية، والتي تربط المواطنة الصالحة بالإيمان، وتربط بين الواجب السياسي والوصية الدينية، وأكثر من هذا، تؤكد الورقة القيم الاجتماعية والثقافية المشتركة بين المسيحي والمسلم، والتي تمثل مجالا للتوافق في الحياة العامة، نابعًَا من الإيمان بالله الواحد، وهنا يظهر جليًا الجانب التطبيقي للإيمان، بوصفه موجها للسلوك العام، هو ما يؤسس للقيم الدينية والثقافية التقليدية، والتي تظهر واضحة في توجهات الورقة والكنيسة الكاثوليكية، كما تظهر في المجتمعات المتدينة، مثل المجتمعات العربية والإسلامية. نقصد من هذا، أن الدور الاجتماعي والسياسي للإنسان المؤمن، كما توضحه الورقة بالنسبة للمسيحي والجماعة المسيحية، يثير الاستغراب عندما يقارن بالخوف من كل فعل إسلامي حركي في المجال العام.
وبهذا تقدم لنا الورقة إشكالية الجماعة المسيحية، ليس الكاثوليكية فقط، بل كل الجماعة المسيحية في البلاد العربية والإسلامية، فهي جماعة محافظة متدينة، وهي جماعة تبني حياتها الفردية والجماعية والأسرية علي القيم والقواعد الدينية، وهي جماعة تحافظ علي قداسة الدين، وقدسية العلاقة الأسرية المبنية علي القواعد الدينية. وهي لهذا جماعة مسيحية تعلي من قيمة الدين، وتحمي قداسة الدين في المجال العام، كما تعلي من دور الدين في المجتمع، وتحمل رؤي عن الالتزام الديني، تجعل «دور المؤمن المواطن» غير «المواطن غير المؤمن» وبهذا نجد أن الجماعة المسيحية تحمل رؤية تتجانس مع رؤية الحركة الإسلامية الإصلاحية، ولكنها في الوقت نفسه تحمل هواجس من الحركة الإسلامية الإصلاحية، لا تتناسب مع حجم التجانس بينهما، وتلك هي المشكلة، فالجماعة المسيحية تطالب أحيانا بالعلمانية، وهي ليست بالعلمانية، ظنا منها أن المشروع الإسلامي يؤدي إلي فقدانها لتميزها، أو إلي التقليل من شأنها، أو إلي أسلمتها، ولكن الجماعة المسيحية تتصرف في حياتها بشكل يناقض العلمانية ويتعارض معها، مما يجعل سلوك الجماعة المسيحية والكنيسة، من أجل الحفاظ علي قدسية الدين، وحمايته من حرية الرأي والتعبير، يتناقض مع الدعوة للعلمانية، ونجد أيضا أن اهتمام الكنيسة والجماعة المسيحية بتطبيق الشريعة المسيحية في قضايا الزواج والطلاق، يجعل الدين مرجعية عليا للقانون والدستور، وهو ما يتحقق من خلال مرجعية الشريعة الإسلامية، ولا يتحقق من خلال المرجعية العلمانية، ومن هنا تظهر تلك العلمانية الإيجابية، والتي تبدو كأنها علمانية ناقصة، علمانية تحترم الدين، ولا تقيد حركته، وعلمانية تفصل بين الدين والسياسة، ولكنها لا تفصل بين الدين والمجال العام، والحقيقة أنها علمانية ملتبسة، تعبر عن مشكلة المسيحية في الغرب، والتي تعاني زحف العلمانية علي كل ما هو مقدس، وفي الوقت نفسه لم تبلغ بعد درجة تحدي العلمانية، والتي وصلت لها بعض التيارات المسيحية في أمريكا، ولكن تصدير تلك المشكلة التي تواجه الغرب كما هي إلي البلاد العربية والإسلامية، يؤدي إلي تعقيد المشهد. ففي البلاد العربية والإسلامية، نجد للدين حضورًا واسعًا، بين الجماعة المسلمة كما بين الجماعة المسيحية، ولا يمكن الحد من دور الدين، دون تعريض الجماعة المسلمة والجماعة المسيحية للخطر.
وتظهر مشكلة رؤية ورقة العمل الكاثوليكية، عندما تتحدث عن الحكم باسم الله، وهنا تظهر إشكالية السلطة الدينية والحكم بالحق الإلهي المطلق، وهي ليست مشكلة شرقية، وليست مشكلة إسلامية، ومع ذلك يتم نقل المشكلة والبحث عن حل لها علي النمط الغربي، فلا توجد مشكلة في العلاقة بين الدين والدولة، مادامت لا توجد سلطة دينية سياسية مطلقة، أي لا يوجد نموذج الحكم بالحق الإلهي، الذي أسس علي يد الكنيسة الكاثوليكية في الغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.