كنا فى مؤتمر فى العاصمة اللبنانية بيروت قبل نحو خمس سنوات، وكان موضوع المؤتمر عن مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى، أعددت ورقة بحثية عن نقاط القوة ونقاط ضعف فى الموقف الإسرائيلى، وكان السؤال التحدى هو: كيف يمكن التعامل مع نقاط القوة فى الموقف الإسرائيلى واستغلال نقاط الضعف للضغط من أجل تحرير التراب الوطنى الفلسطينى؟تعاملت مع السؤال بجدية وموضوعية، وما إن انتهيت من عرض الورقة حتى بدأ سيل من الاتهامات لمصر والهجوم على السياسة المصرية، وتلميح بأن مصر قد خانت القضية الفلسطينية، قضية العرب القومية الأولى منذ أن ذهب السادات إلى القدس فى نوفمبر 1977. تحول النقاش بقوة نحو مصر ودورها القومى وسط سيل من الاتهامات من باحثين سوريين وعراقيين ولبنانيين. ونظرًا إلى احتدام النقاش بشدة فقد أراد أحد الحضور، وهو فلسطينى، تلطيف الأجواء قائلا: «إنه قَدَر مصر أن تقوم بدورها القومى دفاعا عن العرب والعروبة، ولا بد أن تعرف أن دور سوريا والعراق القومى هو الهجوم على مصر حتى تقوم بدورها القومى». تأملتُ الكلمات فوجدتها تعبّر خير تعبير عن حال مصر، قَدَرها ونصيبها، وعن مواقف الدول العربية التى تبحث عن «الزعامة»، فدولة مثل سوريا ورَّطت عبد الناصر فى حرب يونيو 1967، قالت إن إسرائيل تستعدّ للهجوم عليها وطلبت من مصر الدعم والمساندة، فكان قرار عبد الناصر بإغلاق المضايق خروجا على ما تم الاتفاق عليه عام 1956، ومن ثم كان العدوان الإسرائيلى. وفى حرب أكتوبر 1973 كان التخطيط المصرى هو عبور قناة السويس، والاستيلاء على خط بارليف، وتحرير نحو عشرة كليومترات شرق القناة، وهو المدى الخاص بصواريخ الدفاع الجوى المصرية والتى تؤمن القوات تماما فى مواجهة الطيران الإسرائيلى. ما حدث هو أن سوريا ناشدت مصر تطوير القتال حتى تخفف الضغط عن قواتها التى أوشكت على الانهيار أمام القوات الإسرائيلية، فكان قرار السادات يوم 14 أكتوبر 1973 بتطوير القتال حتى منطقة المضايق، فخرجت القوات عن المنطقة التى تغطيها صواريخ الدفاع الجوى، وتعرضت قواتنا لكوارث حقيقية بعد أن باتت عُرضة لهجوم الطائرات الإسرائيلية دون حماية، وكان ذلك نقطة التحول فى الحرب، حيث جرى استغلال الفجوة بين الجيشين الثانى والثالث فتسلل شارون بقواته إلى غرب القناة ودخل طريق «القاهرة - الإسماعيلية» ودخلت قوات إسرائيلية مدينة السويس حتى دحرها أهل المدينة الباسلة فى 24 أكتوبر. دفعت مصر فى حروبها مع إسرائيل نحو مئة ألف شهيد من خيرة شبابها، وعشرات آلاف الجرحى، المصابين والمعاقين، ووجَّهت الدخل القومى إلى المجهود الحربى فتدهورت أوضاع البلاد الاقتصادية تدهورا شاملا، وتقادمت البنية التحتية وتأخرت مصر فى دخول مجالات التحديث والتطوير. كان قدر مصر كأكبر دولة عربية أن تدفع الثمن، وقد دفعته عن طيب خاطر وتحملت إهانات وإساءات الصغار. وبعد أن تسببت حرب أكتوبر فى ارتفاع أسعار البترول إلى معدلات غير مسبوقة، لم تتورع دول عربية عن «معايرة» مصر بفقرها وهناك من تعهد بتجويع مصر وأهلها، وهناك أيضا من تعمد إهانة المصريين. اليوم يتكرر المشهد من جديد، حركة حماس، الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين وبعد إزاحة مرسى والجماعة من حكم مصر، تستدرج إسرائيل لشن عدوان على أهل القطاع، ثم تولول ومعها قطر وتركيا، يهاجمون مصر لأن جيشها لم يدخل الحرب ضد إسرائيل، يسيّرون المظاهرات التى تتساءل عن الجيش المصرى ودوره، كأن الجيش المصرى يعمل بأمر هذه الجماعات وينفّذ مخططات هذه الدول، وبطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية، تحركت مصر وقدّمت مبادرة لوقف العدوان الإسرائيلى، فتعرضت مصر لهجوم إضافى، فماذا يريدون؟