الأمين العام للجامعة العربية زار غزة أمس الأول ودعا لكسر الحصار عن غزة والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: من يحاصر غزة حتي نقوم بكسر ذلك الحصار؟ معلوم أن إسرائيل لها حدود مع غزة من جهتين بريتين فقط هما الشمال والشرق، أما الغرب فبحر ومياه دولية، أما الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تتربع علي معبر رفح الشهير، فلمن يوجه السيد عمرو موسي نداءه لكسر الحصار لإسرائيل أم لمصر؟ حدود غزة البحرية محاصرة من قبل القوات البحرية الإسرائيلية، وليس لدي العرب ولا غيرهم إرادة سياسية لمواجهة عسكرية بحرية مع إسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة علي البحر المتوسط، وكلنا رأينا ما حدث مع محاولة الاختراق السلمي لهذا الحصار الإسرائيلي في موقعة أسطول الحرية. أما حدود غزة البرية مع إسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسي فلمن يوجه موسي نداءه إذن؟ لم يبق سوي مصر التي تزعم زوراً منذ 15 يوما أن معبر رفح مفتوح لأجل غير مسمي، فهل وجه موسي نداءه لمصر؟ لفهم ألاعيب السياسة العربية عامة والمصرية خاصة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات لابد من الرجوع بالذاكرة قليلا للخلف. حيث سنلاحظ أن زيارة موسي جاءت متأخرة جدا إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسئولين غربيين ودوليين سلطت الضوء علي حصار غزة. - قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 يناير 2009. - وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخري في 21مارس من العام الحالي. - وفي أوائل فبراير 2009 زار قطاع غزة وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة السيناتور جون كيري. - وفي 28 فبراير 2009 قام المنسق الأعلي للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة. - وفي أواخر أبريل 2009 اجتمع وفد برلماني أسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع. - وفي منتصف يونيو 2009، زار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقي رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. - وفي منتصف يناير 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضم 56 نائبا ووزيرا يمثلون 12 دولة. - وفي فبراير 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلي قطاع غزة علي رأس وفد مكون من عشرة أشخاص. - وفي 18 ماس 2010 قامت مسئولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية. - وفي مطلع مايو الماضي وصل وفد حكومي من جنوب أفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم - نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا - إلي غزة وشملت الزيارة لقاء مع إسماعيل هنية. وزيارة عمرو موسي هذه لم تأت في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط، بل إنها تأتي في سياق إحساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه إذ سبق وزار وفد برلماني عربي يضم 47 برلمانياً قطاع غزة في يونيو الجاري، ومن هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب "الرسميين" بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لخواجات وعرب وأتراك أسطول الحرية. في واقع الأمر هناك عدة أمور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا والولاياتالمتحدة) من حصار قطاع غزة. الأمر الأول- الزخم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوي المجتمع المدني في أوروبا والعديد من دول العالم المساندة للحق الفلسطيني وخاصة حق قطاع غزة في الحياة، الأمر الذي دفع تحركات هذه القوي لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع والغشم الصهيوني كما حدث في كارثة أسطول الحرية مما كشف الوجه القبيح لإسرائيل، الأمر الذي سبب إحراجا لمناصريها في الغرب وخاصة الولاياتالمتحدة. الأمر الثاني- ترسيخ حماس لوجودها القوي سياسيا واجتماعيا بعدما كانت قد رسخت وجودها أمنيا وعسكريا عبر نجاحها في منع إسرائيل من اقتحام غزة في يناير 2009، ومن هنا علم العالم أجمع بما في ذلك إسرائيل أنه لا مناص من التعامل مع حماس كأحد مفردات الأمر الواقع علي الأرض. الأمر الثالث- اتجاه أوباما في استراتيجيته الجديدة إلي عزل متطرفي القاعدة عن بقية المسلمين بمن فيهم الإسلاميون، الأمر الذي يحتم إبعاد حماس عن الانجذاب لمعسكر القاعدة الذي بدأ يتحرك علي استحياء داخل قطاع غزة، ورغم أن حماس تسوق خطابا معتدلا يتجافي مع خطاب القاعدة فإن محاولات الاستمرار بعزل حماس قد تضعها في الزاوية الأمر الذي يحمل معه مخاطر دفعها لتغيير اتجاهها ولو بالتدريج. الأمر الرابع- السعي لاحتواء إيران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الإقليمية ولو بتحييد بعض الحلفاء وإذا كانت حماس أضعف حلفاء إيران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورة خاصة إزاء إسرائيل. ومن هنا نفهم أبعاد زيارة موسي لغزة، كما نفهم ما قالته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية منذ يومين من أن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك «يقوي حماس». وأنه «يوافق علي فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلي تقوية حماس». وقالت الصحيفة إن «عباس شدد علي رفع الحصار بالتدريج وبحرص شديدين بحيث لا يظهر وكأنه نصر لحركة حماس»، ولم تنس الصحيفة العبرية بالطبع أن تقول إن مصر تؤيد موقف عباس بالكامل.