لم أشعر بحريتي في الكتابة إلا في الدستور، التي اعتبرتها منذ الإصدار الأول جزءا مني، وأشهد أن إبراهيم عيسي صديقي القريب إلي القلب كان حارسا أمينا علي الارتجال، ولم يتدخل في شيء كتبته، وأن هذه المساحة "تفاصيل" منحتني فرصة العمر، وعرفتني علي قارئ غمرني بمحبته وكنت مخلصا معه، ولم أستغلها في شيء يغضبه أو في شيء يخصني، لا يوجد سبب وجيه للتوقف مؤقتا عن التخلي عن هذه المساحة العزيزة، ولكن لم لا؟، فالكتابة الصحفية بانتظام تهيل التراب علي القلب، وتوحي للواحد منا بأنه صاحب رأي، وتجعلك مطالب بأن تكون في « الحدث»، الحدث الذي لم يتغيرمنذ مجيئنا إلي الدنيا، إسرائيل تحتل الأرض العربية وتتربص بمستقبل أبنائنا، وتنتهك كل الأعراف الدولية (كما يقول كتاب الحكومة) في ظل عجزعربي (كما يقول المعارضون)، الفساد الديكتاتورية، التزوير، الإهمال، الأمراض، الاحتكار، الاكتئاب، الفجاجة،الإرهاب بجميع أشكاله، كلها أمام عينيك، وأنت تحاول أن تجد كلاما يليق، الكتاب يعلقون علي الحدث، ولا يقولون شيئا، إما الهجوم أو الدفاع، وأنت حائر وتريد ان تكون علي طبيعتك، تريد أن تتأمل المشهد وأنت غير مربوط بقناعات الآخرين، الصحافة فعلت في ما فعلته في القارئ، فما معني أن تشاهد مباراة كرة قدم بعينيك، وتكون حريصا علي قراءة أحداثها في الصحف في اليوم التالي؟، أوتكون قد عرفت الأخبار من التليفزيون والإنترنت وتستيقظ وتفتش عنها في الصحف لكي تتأكد أنه لا يوجد أحد رجع في كلامه،مشكلة الذين لا يوجد لهم مصالح مع أحد إنهم رغم زهوهم بأنفسهم يشعرون بالوحدة، ولاينقذهم الغضب من التعثر في الكوابيس، محبتي للدستور وللقائمين عليه لا تحتاج كلاما،ولكني في حاجة إلي الابتعاد قليلا، ربما لكي أتعلم كل شيء من أوله،ولكي أتفرغ لمشاريعي الأدبية التي قصرت في حقها، وأعتذر مؤقتا عن الاستمرار، وأتمني من القارئ أن يتفهم هذا، ويدعو لي.