نعم مصر تنتحر .. تنتحر بتغييب عقول شبابها في الجامعات وقتل انتمائهم لهذا الوطن، كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال، وتؤكد انتحارها بما تفعله بمراكز الشباب المنتشرة في ربوعها، تلك المراكز التي احتضنت - رغم فقر مواردها - شبابنا لعقود من الزمان تحميهم من الانحراف وتبني عقولهم قبل أجسامهم وتصنع مستقبل مصر من خلالهم .. فكيف صارت الآن؟ سأتجاهل رأي الحاقدين من أمثالي وأحيلكم إلي كلمات الدكتور زكريا عزمي في مجلس الشعب في أواخر عام 2008، حين أكّد أن معظم مراكز الشباب في أنحاء الجمهورية تحوّل إلي «غُرز» لتعاطي المخدرات، ولا توجد بها أي معدّات رياضية أو كوادر إدارية، ولكن ليست هذه كل الحقيقة يا سيدي، فمراكز الشباب لم تصبح فقط غُرزا لتعاطي، وربّما تجارة المخدرات، ولكنها في الواقع باتت جثثا هامدة لا حياةَ فيها ولا أملَ في ذلك، وتحوّلت الرغبة في جذب واحتضان الشباب إلي استماتة في إبعاده لأسباب شديدة التعقيد بالغة الوضوح، فمراكز الشباب في كل أنحاء مصر يسيطر عليها مجموعة من أصحاب المصالح ويُحكمون قبضتَهم عليها من خلال جمعيات عمومية عائلية سابقة التجهيز تكون دائما تحت الطلب، أمّا أصحاب الحق والمكان من الشباب فممنوعون بالأمر الواقع من دخولها، ويبقي التلويح بسلاح الأمن سيفا مسلّطا علي رقاب من يحاول الاقتراب منهم والتطوير، أما غياب الأنشطة الشبابية وتحويلها إلي أنشطة دفتريّة الهدف منها تسويَة المصروفات الوهميّة فهو السلاح الآخر شديد الفعالية في إقصاء الشباب تحت رعاية مديريات الشباب والرياضة المختلفة. والحقيقة أن ازدواجية سياسة الدولة في تعاملها مع الشباب هي المدخل الشرعي لهذا الفساد، فقرار رئيس الجمهورية إنشاء المجلس القومي للشباب يشير في مادته الثالثة إلي اختصاصه بوضع وتنفيذ خطة لقطاع رعاية النشء والشباب وحشد جميع الإمكانات البشرية والمادية لذلك، أما لائحة النظام الأساسي فتشير في مادتها الثانية إلي أن المركز يهدف إلي إعداد النشء والشباب وتنشئتهم تنشئة صالحة متوازنة وتنمية قدراتهم واكتشاف مواهبهم ورعاية إبداعاتهم وعليه أن يتخذ جميع الوسائل والسبل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، ومنها التدريب علي ممارسة الديمقراطية وعلي المشاركة والحوار وقبول الرأي الآخر.. بينما تصرّ سياسة الواقع التي نعيشها علي تفريغ مراكز الشباب تماما من أصحابها من خلال منح معظم صلاحيات إدارتها لموظفي الشباب والرياضة وتقليص الدور الأهلي إلي أدني حد، أخذا بالأحوط ودرءا لشبهة الاحتمالات، وفي حين خصخصت الدولة معظم مرافقها وهيئاتها الحيوية أمّمت تماما العمل الشبابي وكأنها ترتعش لمجرد التقاء مجموعة من الشباب داخل مركز شباب صغير. أرجوكم أن يفسّر لي أحد المسئولين سر تشابه الأسماء الشديد بين أعضاء مجالس إدارات مراكز الشباب وأعضاء أمانات الوحدات القاعدية والمجالس المحلية للحزب، الوطني، وأشتاقُ لأن أفهمَ لماذا يمثّل الشباب النسبة الأدني في الجمعيات العمومية بينما يسيطر عليها الأرامل وأصحاب المعاشات؟، وأتمني أن يشرح لي أحدهم حكمة تلك التعليمات الواضحة بتأجير منشآت مراكز الشباب للقطاع الخاص وتأجير صالات الألعاب الرياضية للشباب «بالساعة» إمعانا في «تطفيشهم» تحت شعار التمويل الذاتي علما بأن فلسفة مراكز الشباب بنص القرار الجمهوري أن تصنع رجالا، لا أن تدرَّ دخلا. بين الحين والآخر يفاجئنا الكابتن «أحمد شوبير» في برامجه- وبكثير من الأسي- بلقطات لأحد مراكز الشباب المتردّية، ولأن شوبير- أيّا كان تقييمي لشخصه - إعلامي متميز شديد السيطرة علي أدواته وضيوفه أيضا، ولأنه كذلك نائباً عن هذه الأمة في البرلمان ووكيلاً لجنة الشباب به، أدعوه أن يتذكّر ما قاله في اجتماع هذه اللجنة يومًا بأن مراكز الشباب في القري والمحافظات تحولّت إلي عزب، خاصة بأن صبرنا قد نفد وتَصوّر بعضُ المسئولين أن مجلس الشعب غير قادر علي محاسبة المقصرين. .. عزيزي شوبير؛ تلك هي السياسة الحقيقية للحزب الوطني الذي يسعي لأن تكون مراكز الشباب آمنة سياسيا ويتجاهل أنه يغتال مستقبل هذا البلد، وهي سياسة تتفق تماما مع أطماع الميليشيات المسيطرة علي تلك المراكز، فإذا كان صبرُك قد نفد حقا، فماذا أنت فاعل؟! أما إذا كان «رصيدُك» هو الذي نفد، فما عليك إلا أن تبعث برسالة .. "كلمني شكرًا".