الفترة الأخيرة شهدت تكريسًا للديكتاتورية.. ولا يجوز أن نتعامل داخل الحزب بمنطق تصفية الحسابات لا أعلم كيف يكون الوفد بعيدًا عن كل الحركات الاحتجاجية الموجودة في الشارع الآن.. وبدراوي بكي وهو يطلب مني الترشح علي موقع رئيس الحزب السيد البدوى اشتعلت المعركة علي رئاسة حزب الوفد بين اثنين من قياداته هما «محمود أباظة» -رئيس الحزب الحالي- والدكتور «السيد البدوي» القيادي الوفدي الذي اتخذ قرار الترشيح مؤخرًا مما زاد من اشتعال المعركة، وقد كانت شعبية البدوي خلال جولاته الانتخابية لافتة للنظر لا سيما وهو يملك تاريخًا كبيرًا مع الحزب الذي انضم إلي صفوفه منذ أكثر من 26 عامًا أي في عام 1984. «الدستور» التقت السيد البدوي في حوار حول الوفد وانتخاباته ورؤيته لمشكلات الحزب العريق وأجاب بصراحته المعهودة.. الجملة الأولي التي قلتها أثناء تقديم أوراق ترشيحك «أسعي لعودة الوفد للشارع السياسي» نريد أن نفك الأقواس.. ما معني عودة الوفد للشارع السياسي؟ - أريد القول إن الوفد غاب تماما عن المشهد السياسي طوال السنوات الماضية بما لا يليق بتاريخ الوفد أو حتي حاضره، فالوفد حينما عاد عام 1984 وجد التفافا شعبيا كبيرا لأنه عاد وفي أذهان المصريين تاريخه وهو التاريخ الذي انحاز إلي المواطن المصري، فالوفد علي مدار تاريخ قياداته كان انحيازه للمواطن المصري علي حساب السلطة ذاتها ونحن قد خضنا الانتخابات في عام 1984 وحصل الوفد علي 59 مقعدًا في مجلس الشعب رغم أن هذه الانتخابات شهدت تزويرا فجا ولم يكن هناك إشراف قضائي عليها، فلو كان هناك إشراف قضائي علي هذه الانتخابات لحصل الوفد علي الأغلبية وشكل الحكومة، فالمقصود الآن أن نضمد جراحنا ونبدأ في العمل معا بلا استبعاد أحد ومواجهة الشارع المصري بقضاياه ومشكلاته. إذن لو فزت في الانتخابات لن تستبعد محمود أباظة أو تقصيه من الحزب؟ - لا طبعًا.. الوفد لا يكون وفدا إلا بجميع قياداته ورموزه ومن يستبعد قيادة في الحزب لا يمكن أن يكون وفديا، فهل يجوز أن يكون هناك وفد بدون محمود أباظة وسيد البدوي وفؤاد بدراوي وغيرهم. هل المشكلة في القيادات التي تستبعد أم في الأحزاب التي لم تستوعب ثقافة الديمقراطية بعد؟ - أنا معك أننا لم نستوعب بعد ثقافة الديمقراطية ولكن الوفد له تراث مختلف وله قيم مختلفة، وأظننا قادرين علي أن نضرب مثالا مختلفا في الحياة السياسية لو نجحت التجربة الحالية داخل الحزب، ولكن لا يجوز أبدا أن نتعامل داخل الوفد بمبدأ تصفية الحسابات فمن يفعل هذا لم يستوعب تجارب الآخرين، فالدكتور نعمان جمعة بدأ فترة قيادته للوفد باستبعاد معارضيه ومحمود أباظة نفس الشيء وأنا رأيت نتائج هذا الأمر لذلك لا أظن أنني سأكرر نفس الأخطاء لو حزت علي ثقة الوفديين. أنت كنت مسئولا مع الدكتور نعمان جمعة فهل تعتبر نفسك مسئولا عما تم في عهده؟ - كلنا كنا مع الدكتور نعمان ولست أنا فقط فكان هناك محمود أباظة ومنير فخري وأنا ولا أستطيع أن أقول إننا نتنصل من فترة الدكتور نعمان فقد ترك لنا إدارة الحزب تنظيميًا، ولذلك رغم اعتراضنا علي إدارة أسلوب نعمان جمعة للحزب فإن الحزب كان متماسكًا في عهده فمعظم قراراته الاستبدادية كانت خاصة بالصحفيين والجريدة وعدد من القيادات التي كانت تخالفه في الرأي وكانت قرارات فيها استبداد وتعسف. يعني لا تعفي نفسك من المسئولية عما حدث في عهد الدكتور نعمان جمعة؟ - المسئول الأول دائمًا هو قيادة الحزب وأنا في حدود اختصاصي كسكرتير عام وقتها حافظت علي تماسك الحزب تنظيميًا، ودليل التماسك أنه بعد نتائج انتخابات الرئاسة وبعد رفض الإصلاح، الوفديون ثاروا بأنفسهم. إذن الحزب كان متماسكًا في عهد الدكتور نعمان أكثر من هذه الفترة؟ - نعم كان تنظيميا متماسكا أكثر، الحقيقة لأن الدكتور نعمان كانت معه مجموعة من القيادات وكلها كانت تعمل داخل الحزب، فأنا الآن أخوض الانتخابات وفي ذهن الوفديين فترة عملي كسكرتير عام للحزب وما قمت به من جهد من أجل تماسك الحزب تنظيميًا، فقد كان هناك عمل حزبي وعمل تنظيمي لكن الخطاب السياسي للوفد في هذه الفترة كان متراجعًا. بصراحة هل تري حزب الوفد الآن حزبًا معارضًا للنظام الحاكم؟ - الحقيقة أنا أري أداء الحزب كحزب معارض غير لائق بالوفد وأن أداء الحزب كزعيم للمعارضة سواء في مجلس الشعب أو خارجه لا يليق إطلاقا باسم الحزب. إذن لو كنت رئيسًا للحزب خلال الفترة الأخيرة ماذا كنت ستفعل؟ - ببساطة الأمر يرتبط بالتواصل مع كل قضايا المواطن بشكل حقيقي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا فهل يعقل أن يكون حزبا بالقوة التي يفترض أن يكون عليها حزب الوفد ثم تكون كل الحركات الاحتجاجية الموجودة في الشارع بعيدة عن الوفد، فالوفد كان تاريخيًا حزبًا يضم كل التيارات المعارضة ولم يكن حزبا «أيديولوجيا» بالمعني، فقد كان يضم العديد من الأفكار والرؤي والتيارات من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار حيث كان لدينا الدكتور محمد مندور وقد كان شيوعيًا وكانت لدينا الطليعة الوفدية، فقد كان الوفد يستطيع استيعاب أي تيار وطني بداخله، أما الآن كل التيارات الاحتجاجية بعيدة تماما عن الوفد حتي لو كان بعض هذه التيارات يساريًا فأنا وظيفتي أن أستوعبها جميعًا داخل الحزب، ولكن للأسف انفصل الوفد عن تاريخه الآن ولابد أن يعود كما كان. لماذا قررت الترشح للانتخابات رغم أن فؤاد بدراوي قد أعلن خوضه الانتخابات ثم تراجع وأعلنت أنك ستخوض الانتخابات.. ما الذي تغير فجأة؟ - أنا كنت أفضل أن أخدم الوفد من موقع آخر غير موقع الرئيس، ولكن عندما ذهبت إلي الحزب يوم انتخابات الهيئة العليا ورأيت حماس الوفديين وارتباطهم بالوفد كان يومًا مشهودًا وكان تأثيره فيَّ كبيرًا جدًا، وقد حمَّلني الوفديون يومها أمانة بضرورة أن أخوض انتخابات الحزب واعتبروا أن عدم خوضي الانتخابات خيانة لمبادئ الوفد وتاريخه، وبعد انتخابات الجمعية العمومية جاءني فؤاد بدراوي وهو يبكي ويطالبني بضرورة خوض انتخابات الحزب، ولم أره يبكي إلا مرتين مرة أمام ضريح الزعيم الراحل مصطفي النحاس وكان يحبه حبًا شديدًا رغم أنه لم يعاصره وهذه المرة وهو ما أثر في جدا، وأريد القول إنني من المؤمنين بأن مصر لن يكون بها إصلاح حقيقي إلا إذا تم إصلاح حزب الوفد لأن الديمقراطية ببساطة معناها وجود حزب قوي ومعناها- فضلا عن التعددية- القدرة علي تداول السلطة، وأنا الآن لا أملك هذا الأمر فالوفد اليوم مثلاً يملك كم مرشح في انتخابات مجلس الشوري القادمة؟ إذن كيف نخلق الديمقراطية إذا لم يكن هناك حزب قادر علي تداول السلطة. أنت قلت إنه في الفترة الأخيرة تم تكريس الديكتاتورية داخل الحزب فما معني هذا؟ اللائحة الموجودة المفترض أنها لائحة ديمقراطية لكن الممارسات ليست كذلك فالديمقراطية لا تحتاج إلي نصوص ولكن تعتمد علي الممارسة، فاللائحة من المفترض أنها ديمقراطية وأن الأمور تقوم علي الأغلبية ولكن الأغلبية الموجودة ليست حقيقية فأصبح الأمر يعبر عن الديكتاتورية ولكن بوشاح ديمقراطي، فعلي سبيل المثال التعديلات التي وافقت عليها الجمعية العمومية كانت تروج علي أن هناك إجماعًا عليها داخل الحزب ومع ذلك فقد جاءت نتيجة الجمعية العمومية متقاربة جدًا، إذن أين هذا الإجماع الذي كان يتم الحديث عنه، فالمقصود كان التأثير في إرادة الناخب وكلها ممارسات ديكتاتورية وليست ممارسات ديمقراطية.. ماذا نستطيع أن نسمي قيام بعض أنصار محمود أباظة بمطالبة الشباب وعدد من كوادر الحزب بالقسم علي المصحف بأنهم سينتخبون أباظة فهل هذه ممارسة ديمقراطية؟ الوفد تم اتهامه مؤخرا بعقد صفقات مع الحكومة بعيدا عن صحة هذا الأمر، في رأيك ما الذي يدفع الناس إلي تصديق هذا الكلام؟ - الحقيقة أنا أرفض أن يعقد الوفد صفقات مع الحزب الوطني ولكن هذا الأمر في الحقيقة لم يحدث ولن يحدث فلا يوجد من يقبل هذا داخل الوفد، صحيح أننا عقدنا قبل ذلك تنسيقًا مع القوي السياسية، ولكنه أمر مقبول سياسيًا وقد كان اسمي مطروحا ضمن ما سمي بالصفقة مع الحزب الوطني رغم أنني لم أكن أفكر في الترشيح أصلا مع ملاحظة أنني ترشحت مرتين في السابق، فالوفد لا يقبل بمنطق الصفقات أصلا. ما قصة الجمعيات الأهلية التي أثارت أزمة ضخمة داخل الحزب خلال الفترة الماضية؟ - بداية نحن نحترم عمل الجمعيات الأهلية ونؤمن أن كثيرًا من المشروعات العظيمة كانت عبارة عن جمعيات أهلية ونؤمن بأن المنظمات الحقوقية تؤدي دورًا مهمًا في خدمة قضايا حقوق الإنسان ولكن الذي لا يجوز أن يتم هو إدخال الجمعيات إلي حزب الوفد وأن يصبح جزء من الصراع داخل الحزب يرتبط بالجمعيات، فقد أصبح هناك صراع بداخل الحزب بسبب هذه الجمعيات التي صارت ظاهرة خطيرة جدًا علي الحزب فلا يجب أن يختلط عمل الجمعيات بعمل حزب الوفد ولا أن تجعل الجمعية داخل الحزب ولا تجعل الصحيفة تغطي أنشطة هذه الجمعيات بالتحديد دون غيرها. إذا خسرت الانتخابات فهل ستستمر في أداء عملك داخل الحزب أم ستبتعد؟ - طبعًا سأستمر في الحزب وسأبذل كل ما في وسعي من أجل الوفد إلا في حالة واحدة إذا كانت هناك رغبة في إبعادي. كيف سيكون موقف الحزب من التعامل مع القوي السياسية في حالة إذا ما فزت بموقع رئيس حزب الوفد؟ - أنا لا أريد أن استبق الأحداث، فالأمر عندها سيكون للحزب وكوادره لكن بشكل عام الوفد حريص دائمًا علي وجود علاقات طيبة مع كل القوي السياسية في المجتمع المصري وهذا كان أمرا تاريخيا أيضا. ما الإصلاح الذي تريد أن تطبقه في الحزب اذا فزت بموقع رئيس الوفد، أي ما برنامجك الذي تراه مناسبًا لاصلاح الحزب؟ - أولاً أنا سأطلب تعديل لائحة الحزب الحالية وهذه اللائحة هي دستور الحزب وقد تم وضع هذه اللائحة عام 1978 في عهد فؤاد باشا سراج الدين وقد كانت مثل أعظم لائحة لحزب ليبرالي في العالم كله، إلا أنه جري عليها عدة تعديلات حولتها من لائحة ديمقراطية إلي لائحة شمولية ولم ننتبه إلي وجود اللائحة في عهد فؤاد باشا سراج الدين لأن الرجل كان بطبعه ديمقراطيا ولم نستحدم اللائحة وقتها بشكل كبير والآن لابد من أن يقدم رئيس الحزب تقريرًا سنويًا عن أداء الحزب أمام الجمعية العمومية للحزب. أنا أيضًا أريد أن أستبدل النص الذي يعطي الهيئة العليا للحزب الحق في سحب الثقة من رئيس الحزب ليس لأنني أرفض الديمقراطية ولكن لأن هذا النص يجعل المطلوب أن تكون الهيئة العليا للحزب من أصحاب الولاء للرئيس حتي يضمن أنها لن تستخدم ضده مع ملاحظة أن التقرير السنوي الذي سيقدمه رئيس الحزب للجمعية العمومية كاف جدا وتستطيع الجمعية العمومية سحب الثقة من الرئيس مرة كل عام وحسابه علي أدائه السياسي. وأنا أريد أن أقول إن الحديث عن تغيير لائحة الحزب ليس معناه أن هذا لرئيس الحزب الحالي أو السابق ولكن لائحة الحزب هي الدستور الدائم أي أنني أتحدث عن مستقبل الحزب بشكل عام بعيدًا عن الأشخاص. الأمر الثاني الذي أريد أن أعيده للحزب هو اللجان النوعية، وقد كانت هذه اللجان توازي «حكومة ظل»، فمثلا لجنة الري كانت توازي وزارة الري ولجنة التعليم كانت توازي وزارة التعليم وهكذا، وكان عدد من الخبراء المهمين يشرفون علي هذه اللجان النوعية التي كانت تقوم بالدراسات وغيرها وقد كانت هذه اللجان موجودة ولكن تم حلها في عهد نعمان جمعة وما زالت معطلة حتي الآن بلا مبرر واضح، لذلك سأسعي إلي إعادة هذه اللجان النوعية مرة أخري إلي الحزب. أما عن الترشيح لرئاسة الجمهورية سأسعي إلي أن يكون الاختيار للجمعية العمومية للحزب بين أكثر من مرشح وهو ما يخلق حراكا مستمرا داخل الحزب ويكون الاختيار في النهاية للجمعية العمومية، وذلك كما يحدث في الأحزاب الليبرالية الكبيرة في العالم، وهو ما حدث مؤخرا مثلا في الحزب الديمقراطي الأمريكي بين أوباما وهيلاري كلينتون فقد تنافسا وحسم الحزب قرار الاختيار في نهاية الأمر. وطبعا هناك معهد الدراسات السياسية الذي غاب عن الحزب خلال السنوات الأخيرة أري أنه لابد من عودته للحزب مرة أخري حتي يستطيع الحزب إخراج كوادر سياسية إلي الحياة العامة في مصر. وهناك أمر آخر هو عودة صحف الأقاليم مرة أخري، ففي الولاياتالمتحدة مثلا صحف الأقاليم أشهر من الصحف الأخري، وهذه الصحف تتابع المشكلات اليومية للمواطنين، مع ملاحظة أن تكلفتها بسيطة، ولكن هناك بعض الأمور الفنية التي تحتاج إلي جهد حتي نستطيع إعادة هذه التجربة وأريد أن أعطي مثالا بصحيفة «الوفد» عندما عادت من جديد فقد وصل توزيعها إلي 800 ألف نسخة، وكان رقما كبيرا جدا وقتها وذلك وقت أن كان الأستاذ مصطفي شردي رئيسا للتحرير. دكتور هل أنت مع خوض انتخابات الرئاسة في ظل الشروط الدستورية الحالية؟ - الأمر يرجع إلي الحزب ولكن أنا أري أن الأحزاب لابد أن تخوض كل الانتخابات بما فيها انتخابات مراكز الشباب واتحاد الطلاب وغيرها، ومع ذلك أنا ضد المادة 76 التي تعوق المستقلين ومع ذلك فهي تسمح للأحزاب بالترشح للانتخابات وعلي الأحزاب أن تفعل ذلك، ولكن هذا رأيي الشخصي، ولو رأي كوادر الوفد عكس هذا الأمر سألتزم برؤية الحزب.