الزراعة: لولا المشروعات الجديدة لارتفعت أسعار الخضروات 5 أضعاف (فيديو)    جيش الاحتلال: إصابة 14 جنديا خلال ال 24 ساعة الماضية    «مناظرة النفس الأخير».. سقطات أنهت أحلام المرشحين برئاسة أمريكا    لماذا ودعت أوكرانيا يورو 2024 رغم امتلاك 4 نقاط؟    50 مليون إسترليني تقرب نجم لايبزيج من مانشستر سيتي    مراجعات «مجانية» للثانوية العامة على بوابة أخبار اليوم حتى نهاية الامتحانات    رامي جمال يطرح أغنية يا دمعي على يوتيوب    لطيفة تطرح أغنية «مفيش ممنوع» على اليوتيوب    جداول تنسيق القبول بمدارس الثانوى الفنى الصناعى والتجارى والفندقى بالجيزة .. تعرف عليه    أحمد موسى: هناك من يحاول استغلال أزمة الكهرباء لتحقيق مصالح ضد الدولة    بالأسماء.. مصرع 6 أشخاص وإصابة 3 في حادث تصادم ب"زراعي البحيرة"    التعليم تعلن نتيجة امتحانات الدور الأول للطلاب المصريين بالخارج    جولر يقود تشكيل تركيا ضد التشيك فى يورو 2024    5 صور ترصد زحام طلاب الثانوية العامة داخل قاعات مكتبة الإسكندرية    قبل انطلاقها.. مسرحية "ملك والشاطر" ترفع شعار "كامل العدد"    على أنغام أغنية "ستو أنا".. أحمد سعد يحتفل مع نيكول سابا بعيد ميلادها رفقة زوجها    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد المسلمانى: أمريكا تقدم نفسها راعية للقانون وتعاقب الجنائية الدولية بسبب إسرائيل    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    القوات المسلحة تنظم مؤتمراً طبياً بعنوان "اليوم العلمى للجينوم "    لماذا يقلق الغرب من شراكة روسيا مع كوريا الشمالية؟ أستاذ أمن قومي يوضح    الرئيس السيسي يوقع قوانين بربط الحساب الختامي لموازنة عدد من الهيئات والصناديق    وزير الرى يدشن فى جنوب السودان مشروع أعمال التطهيرات بمجرى بحر الغزال    ثلاثي مصري في نهائي فردي الناشئات ببطولة العالم للخماسي الحديث بالإسكندرية    بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    صندوق النقد الدولي يقر بتمويل 12.8 مليون دولار للرأس الأخضر    نجاح كبير للشركة المتحدة فى الدراما.. 125 عملا بمشاركة 12 ألف فنان و23 ألف عامل "فيديو"    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرحلات الجوية؟.. عطَّل آلاف الطائرات    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    17 ميدالية حصيلة منتخب مصر في كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبي    المشدد 15 سنة لصاحب مستودع لاتهامه بقتل شخص بسبب مشادة كلامية فى سوهاج    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    اخوات للأبد.. المصري والإسماعيلي يرفعان شعار الروح الرياضية قبل ديربي القناة    خبير شئون دولية: فرنسا الابن البكر للكنيسة الكاثوليكية    «مياه كفر الشيخ» تعلن فتح باب التدريب الصيفي لطلاب الجامعات والمعاهد    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    وزيرة البيئة تتابع حادث شحوط مركب سفاري بمرسى علم    الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي: صرف معاشات شهر يوليو اعتبارا من الخميس المقبل    نجم ميلان الإيطالي يرفض عرض الهلال السعودي ويتمسك بالبقاء في أوروبا    الصحة: استجابة 700 مدمن للعلاج باستخدام برنامج العلاج ببدائل الأفيونات    لجنة القيد بالبورصة توافق على الشطب الإجبارى لشركة جينيال تورز    الإعدام لثلاثة متهمين بقتل شخص لسرقته بالإكراه في سوهاج    شديد الحرارة رطب نهارًا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس غدا الخميس    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الاحتلال يمارس جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة    مختار مختار: عدم إقامة مباراة القمة خسارة كبيرة للكرة المصرية    ختام دورة "فلتتأصل فينا" للآباء الكهنة بمعهد الرعاية    تعيين 4 أعضاء جدد في غرفة السلع والعاديات السياحية    فحص 764 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقرى بنجر السكر غرب الإسكندرية    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الأكاديمية الطبية تفتح باب التسجيل في برامج الماجستير والدكتوراة بالمعاهد العسكرية    أحمد فتحي: انسحاب الزمالك أمام الأهلي لا يحقق العدالة لبيراميدز    احتفالات 30 يونيو.. باقة من الأغنيات الوطنية تستقبل جمهور «الإنتاج الثقافي»    «حلو بس فيه تريكات».. ردود فعل طلاب الثانوية الأزهرية بقنا عقب امتحان النحو    الجريدة الكويتية: هجمات من شتى الاتجاهات على إسرائيل إذا شنت حربا شاملة على حزب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مصطفى موسى يكتب: يرتاح بين الموتى
نشر في الدستور الأصلي يوم 10 - 12 - 2013

كان "يتمزمز" مذاق الموت مزمزة، يأمر زبانيته أن يقتلوا على مهل، ينتشي طربًا بصراخ ضحاياه، ولمّا يسمع حشرجة خروج الأرواح، من الحلاقيم، ويرى ارتسام علامات الفزع في العيون الشاخصة إلى اللاشيء، يردد عبارته الأثيرة: "لا أرتاح إلا بين الموتى".

"كاليوجلا" الطاغية الأكثر دموية في تاريخ البشرية، والإمبراطور الذي وجد أن المجاعات لم تضرب "روما" في عهده، كما جاراتها من المدن الفقيرة، فأغلق صوامع الغلال، حتى "يتفرّج" على "مجاعة"، وبعدما سقط الآلاف أسدل الستار.. فتح الصوامع مجددًا، فقد انتهت فصول المسرحية!

كثيرون كتبوا "كاليوجلا" تاريخًا وأدبًا وتحليلا نفسيًا، ومن أشهرهم الأديب الفرنسي الكبير، ألبير كامو، الذي صوّر الطاغية مشوها وجدانه، سيكوباتيًا يكره التفكير، نرجسيًا متضخم الذات، يعتقد بأنه رحمة السماء وعقابها في آن، وذلك في مسرحية تُرجمت إلى كل لغات العالم، وتطرح سؤالا يباغت العقل: كيف يصبح الإنسان ديكتاتورا؟

سؤال مثير موجع، يغري بالتفكير، وينقسم علماء النفس حوله إلى قائل بوجود عوامل وراثية تحقيقًا، وإلى آخر يعتقد بوجود عوامل تتصل بالتنشئة الاجتماعية، وفي الحالتين لم ينكر العلماء دور نخبة الديكتاتور من حاملي الدفوف والمباخر، مدبجي المدائح، مدمني تقبيل الأقدام ولعق الأحذية.

رواية "شيء من الخوف" لثروت أباظة "تُفصَّص" السمات الشخصية للديكتاتور "عتريس"، الذي يلاحقه تراث أسلافه الدموي، فيتحول من فتى حالم رومانسي رقيق، يشغف بطيور الحمام الوادعة، إلى قاتل أهوج يصوب النيران إلى الصدور مباشرة، كلما هاجت نوازع الشر في نفسه، وهو يقهقه متلذذًا ولسان حاله يردد مقولة "كاليوجلا": لا أرتاح إلا بين الموتى.

ومن المفارقات اللافتة، أن الأدب العربي إجمالا، لم يتطرق إلى الديكتاتور إلا تلميحًا وترميزًا، وهو أمر يفسره نقاد بأن المثقف العربي ما أن يدخل حظائر السلاطين، حتى يرمي وراء ظهره القيم التي طالما تشدق بها.. ولم لا؟ فقد شبع بعد جوع، وأصبح من حاملي بطاقات السحب الإلكتروني، بعدما كان يفر من البقال و"الدخاخني" فراره من الأسد!

حتى "شيء من الخوف"، لم تكن مكتوبة على هذا النحو، فلها قصة عجيبة، فقد طلب حسين كمال، لما أراد إخراجها، إلى السيناريست صبري عزت، والخال عبدالرحمن الأبنودي، كتابة السيناريو والأغاني، فقررا قلب الطاولة على سليل العائلة الأباظية، فمررا رسالة لم يقصدها مما حدا به إلى التبرؤ من الفيلم، قبلما يتباهى بعد رحيل عبدالناصر بأن روايته كانت "الصيحة الوحيدة" في وجه "الديكتاتورية"، وكان طبيعيًا أن يحصل على المقابل: حقيبة وزارة الثقافة في عهد السادات!

أدباء أمريكا اللاتينية كانوا أحسن بلاءً في المعركة ضد المستبدين، فرواية "أنا الأعلى" لأديب بارجواي "أوجيستو باستوس" تجمع توليفة قلما تتكرر، وحبكة درامية استثنائية غير مسبوقة، فالطاغية في الرواية قرر إملاء مذكراته على سكرتيره، بادئًا بعبارة "أنا الأعلى"، ومن ثم أخذ يزهو بسيرته الذاتية، وكيف حرر البلاد من الاستعمار؟ وكم ضحى من أجل إسعاد الشعب؟.. حتى انتهي إلى أن وصف المحكومين بالمجانين لأنهم لم يقدروه، وبعدئذٍ أوصى بفصل رأسه عن جسده بعدما يموت، ثم تعليقها ثلاثة أيام بالمدينة حتى يراها الجميع.

هل أراد الديكتاتور أن يتطهر بعد موته؟

سؤال تركته الرواية مفتوحا، كما لم تذكر شيئًا عن مصير الوصية، عكس "شيء من الخوف" سينمائيا لا روائيا.. حيث سجل الفيلم المشهد الأخير من حياة "عتريس"، بتخلي زبانيته عنه بعدما نفخت "فؤادة" في رماد صدور "سكان القرية- الشعب" فتوّهج اللهيب، على وقع موسيقى العبقري بليغ حمدي، والحناجر تهتف: باطل.. باطل.

نهاية تشبه كثيرًا نهاية "كاليجولا"، فالديكتاتور كان بلغ منتهى الجبروت وذروة التكبر، حتى أنه اقتحم ذات صباح، مجلس الشيوخ على صهوة حصانه، فهلل "نواب الشعب" ترحيبا، باستثناء عضو يدعى "براكوس".. فقال الطاغية بامتعاض: لا أدري لماذا يبدي العضو المحترم تبرمه من وجود حصاني رغم أنه أكثر أهمية منه؟ أليس يكفي أنه يحملني؟

وكعادة "بهاليل كل سلطان" هلل النواب وصفقوا مجددًا.. فانتفخ "كاليجولا" زهوًا، ودعاهم إلى مأدبة ببلاطه، لأنه قرر تعيين الحصان عضوا بمجلسهم الموقر!

وعلى المائدة، قدم الإمبراطور لنخبته "المنتخبة" التبن والشعير قائلا: "منحتكم شرف تذوق طعام حصاني"، فشرعوا يملأون أفواههم، وعلى شفاههم ترتسم ابتسامات الخنوع الصفراء المتنطعة، إلا "براكوس" الذي رفض مجددًا ابتلاع المهانة مثلما "فؤادة في شيء من الخوف"، فخلع حذاءه وألقى به في وجه "كاليوجلا"، فاندلعت معركة، وكانت المفاجآة أن انسحب الحرّاس، تاركين "الطاغية" يتلقى صدره العاري الطعنات واحدةً تلو الأخرى، حتى سقط مضرجًا بدمائه، لكي يرتاح بين الموتى.. كما كان يردد دائمًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.