فى أجواء احتفالية أعلنت لجنة الخمسين إنهاء عملها، والانتهاء من كتابة الدستور، ووجه رئيس اللجنة عمرو موسى الشكر لكل أعضاء اللجنة وللعاملين بمجلس الشورى، وألمح إلى إمكانية عودة مجلس الشورى مرة أخرى عن طريق البرلمان القادم. الطريف أن موسى خص «عم رفعت» ماسح الأحذية بالمجلس بالشكر، وقال «كلنا أكلنا عيش وملح أو تبادلنا الفكر والحجج وكانت حياتنا شديدة وعنيفة وخلقنا علاقة وصداقة قوية أتمنى لكل أعضاء الخمسين كل التمنيات الطيبة وأن تعود مصر لدورها»، وشكر موسى أعضاء لجنة «الخبراء»، ومن المقرر أن يسلم موسى النسخة النهائية من المسودة لرئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور اليوم (الثلاثاء)، ليحدد موعد الاستفتاء عليه.
وحسب السفير إيهاب بدوى المتحدث باسم الرئاسة فإن الرئيس عدلى منصور يستقبل ظهر اليوم عمرو موسى ليتسلم مشروع الدستور.
وكانت لجنة الخمسين قد انتهت فى العاشرة والربع من مساء أول من أمس (الأحد)، من التصويت النهائى على مجمل مواد الدستور بعد تعديله، والتشاور على المواد الأربع التى لم تحصل على النسبة المقررة فى اللائحة الداخلية للجنة، وهى نسبة ال75% من الأعضاء.
اللجنة أقرت الدستور بالكامل بحضور 46 عضوا، وبعد اجتماع مغلق استمر نحو ثلاث ساعات، والذى انتهى إلى ترك تحديد ترتيب الانتخابات المقبلة والتالية للمشرّع -الرئيس المؤقت- مع ترك النظام الانتخابى أيضا لتحديده بواسطة المشرِّع، بين ثلاثة أنظمة إما على النظام الفردى الكامل وإما القائمة وإما المختلط، وتلك الأمور كانت تفصلها المادة 229 فى باب المواد الانتقالية، التى أصبح نصها كما وافق عليها الأعضاء «تجرى انتخابات مجلس النواب التالية من تاريخ العمل بالدستور وفقا لأحكام المادة 102 منه».
ونصت المادة 230 على أن «يجرى انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفق ما ينظمه القانون، وتجرى الأولى خلال 30 يوما من تاريخ العمل بالدستور ولا تتجاوز 90 يوما، على أن تكون الانتخابات التالية فى غضون ستة أشهر»، ورفضت اللجنة تعديل خارطة الطريق بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وهو الاتجاه الذى قاده جابر نصار ومنى ذو الفقار وسامح عاشور وضياء رشوان، وتركت الأمر بيد المشرع.
كما وافق أعضاء اللجنة على نص المادة 243 التى تقول: «تعمل الدولة على تمثيل العمال والفلاحين تمثيلًا ملائمًا فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
كما وافق أعضاء اللجنة على نص المادة 244 بعد تعديلها، وأصبح نصها: «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين بالخارج تمثيلاً ملائما فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
بينما كان أعضاء اللجنة يهتفون خلف رئيس اللجنة عمرو موسى «تحيا مصر.. تحيا مصر»، فى ختام أعمال اللجنة، وبعدما عرض موسى الموفقة على الدستور كمجمل، وقف الأعضاء رافعين أيديهم، وبدت عليهم السعادة بما انتهوا إليه من مواد، والتقطوا الصور التذكارية مع بعضهم بهذه المناسبة، وقال رئيس اللجنة عمرو موسى إن اللجنة ستقدم مسودة الدستور إلى رئيس الجمهورية اليوم (الثلاثاء).
من جانب آخر سمح عمرو موسى للأعضاء فى الجلسة الأخيرة أمس بأن يتحدث كل منهم فى ما يريد. حيث قال الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة ومقرر لجنة الخمسين، إن الدستور الجديد سيؤرخ له ويتحاكى عنه الناس، وأكد أن الدستور الذى تم الانتهاء منه جاء معبرا عن الشعب المصرى، وكلما نظر المصريون إليه وجدوا أنفسهم فيه لأنه «ألزم الدولة بالاهتمام بصحة المصريين، ووضع نظاما ديمقراطيا لا يتفرعن فيه حاكم، يقدم إقرار ذمة مالية يقرأه الفلاح والصعيدى والعامل ويعرفون ماذا يملك رئيس الجمهورية»
نصار تابع «أعضاء الخمسين كانوا رجالا ومصريين حتى النخاع، يفضلون المصلحة العامة، كان يحتضنهم الخوف من الفشل، وقدموا لمصر دستورا يليق بها». وفى نهاية كلمته وجه حديثه إلى عمرو موسى رئيس اللجنة، قائلا، «إن الله اختصك برئاسة اللجنة كهدية لك لتكون سببا فى دخولك الجنة».
من جهته اعتبر سامح عاشور، نقيب المحامين، وعضو اللجنة، الدستور الذى انتهت منه اللجنة «أول مولود للثورة»، وأضاف أنه قد لا يكون هذا الدستور معبرا عن أمانى كل المصريين وطموحاتهم، لكنه يمثل «أمانى الثورة» وقال عاشور لجنة الخمسين أنهت مهمتها، وقدمت دستور الثورة، و«على الأمة أن تقول نعم فى الاستفتاء عليه» مضيفا «حتى الغاضبين من قانون التظاهر، أقول لهم إننا وضعنا نصًّا للتظاهر وسوف يفعّل بعد إقراره، وسيكون الدستور حماية لجميع حقوقنا وحرياتنا».
وقال مفتى الجمهورية وممثل الأزهر بلجنة الخمسين الدكتور شوقى علام، إنه كان يخشى من نسبة ال75% التى اشترطتها اللائحة الداخلية للجنة، كشرط لإقرار المواد، «لكننا والحمد لله نجحنا»، وأضاف شعب مصر العظيم قادر بتاريخه الممتد على تجاوز كل الصعاب التى يواجهها الآن. مشددا على أن ممثلى الأزهر باللجنة حرصوا على أن يكون كل حديثهم مبنيا على علم ودراسة، وأكد أن الدستور الذى تم الانتهاء منه جاء معبرا عن كل أطياف المجتمع.
أما الأنبا بولا، ممثل الكنيسة الأرثوذكسية باللجنة فقال إن الكل داخل الخمسين كان مقاتلا من أجل انتماءاته إلا أن انتماءه لمصر كان الغالب. وأضاف أن نجاح لجنة الخمسين فى إنهاء وضع الدستور الجديد، ويقف وراءه عمل سابق التجهيز، وكتيبة عمل بالشورى، وقيادة حكيمة من عمرو موسى، وكتيبة عمل من أعضاء الخمسين. وأشار إلى الخلافات بين الأعضاء قائلا «اختلفنا فى مرات عديدة، وربما حول كلمة، وصدقونى اختلفنا حول نقطة أو فصلة، ولكننا لم نسمح للخلاف أن يكون بيننا». وتابع بولا بأنه يحق للمصريين أن يقولوا عليه «هذا دستورنا»، مضيفا «نفخر به مسيحيون ومسلمون».
بدوره كشف نقيب الأطباء وعضو لجنة الخمسين خيرى عبد الدايم أنه صوت ب«لا» على 9 مواد، ووافق على 237 مادة، وأكد أنه برغم كونه من أكثر المعترضين فى أثناء المناقشات فى اللجان النوعية والجلسات العامة وقال: «حذف لى من المضبطة كثير من الكلمات والعبارات، ولكننى أشهد أن هذا الدستور بداية حقيقية لعبور مصر إلى مستقبل أفضل»، وأضاف النقيب الذى كان مدعوما من جماعة الإخوان المسلمين فى انتخابات نقابة الأطباء الأخيرة أن «هذه شهادة نجاح لمشروع الدستور، من شخص معارض بطبعه».
من جهته قال الدكتور عبد الجليل مصطفى، مقرر لجنة الصياغة بالخمسين «إن انتهاء اللجنة من التصويت على مواد الدستور، يعدّ خطوة فى طريق تحقيق حلم استعصى تحقيقه على مدار 100 عام». وأضاف بأنه إذا انتهى الاستفتاء إلى الموافقة على الدستور؛ فإن الوطن يبقى حرا سيّدًا مستقلا.