من جديد عاد ملف التطبيع مع الكيان الصهيونى، ليطل برأسه على مائدة الوسط الصحفى، لا سيما عقب زيارة ثلاثة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين القدسالمحتلة، فى تحدٍ لقرارات الجمعية العمومية للنقابة، التى صدقت على قرار حظر التطبيع مع إسرائيل فى مارس 1980، فى عهد النقيب كامل الزهيرى الذى اعتبر أن «العضوية كالجنسية». ردود أفعال غاضبة انتابت الجماعة الصحفية، بكل ممثليها وأعضائها لا سيما أعضاء الجمعية العمومية، تجاه الزيارة، خصوصًا أن الصحفيين أقاموا فاعليات عديدة رافضة للتطبيع مع الكيان الصهيونى، موضحين أن ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها أن مجلس النقابة الحالى جاء بعد ثورة شعبية. 4 أصوات متباينة، خرجت من داخل الوسط الصحفى حول طبيعة تلك الأزمة وكيفية التعاطى معها، ففى الوقت الذى قرر فيه نقيب الصحفيين ضياء رشوان، إحالة أعضاء الوفد الصحفى المصرى ومن بينهم أعضاء المجلس «هشام يونس وحنان فكرى وأسامة داوود»، إلى التحقيق لمخالفتهم قرار الجمعية العمومية، جاء رد أعضاء مجلس النقابة المسافرين ضمن الوفد المصرى عنيفًا، مؤكدين رفضهم فكرة التحقيق معهم، وأنهم سافروا إلى القدسالمحتلة عبر عناصر من المقاومة الفلسطينية، ودون الحصول على تأشيرات من إسرائيل، أو المرور من أى نقاط تفتيشية أو أمنية.
الكاتب الصحفى خالد السرجانى انتقد رد فعل أعضاء مجلس النقابة المتهمين، لافتًا إلى أن تمسك هؤلاء الأعضاء بنفس الردود والمبررات والمفردات التى كان يستخدمها عبد المنعم سعيد ولطفى الخولى فى واقعة التطبيع الخاصة بهما خلال استقبالهما وفدًا إسرائيليًّا، موضحًا أن هؤلاء الأعضاء نجحوا فى انتخابات مجلس النقابة، وأصبحوا من ضمن أعضاء المجلس، لكنهم وللأسف لم يلتزموا بقرارات العمومية، ولا يعرفون معنى أن تتخذ الجمعية العمومية قرارًا باتًا بعدم التطبيع مع الكيان الصهيونى، وهذا يجعلنا نتساءل: «لماذا ترشح هؤلاء للفوز بعضوية مجلس النقابة؟ وكيف ترشحوا وهم لا يعرفون معنى قرارات الجمعية العمومية؟».
السرجانى لفت إلى أن المفاجأة هى البيان الذى أصدره بعض الصحفيين الفلسطينيين وانتقدوا فيها أعضاء مجلس النقابة الثلاثة والوفد المرافق لهم، وأعلنوا عن إدانتهم تلك الزيارة، وعابوا على مجلس نقابة الصحفيين المصريين هذا التصرف الغريب فى هذا التوقيت. وردًا على ادعاءات هؤلاء الزملاء الثلاثة بأن الزيارة مهنية للتضامن مع الأشقاء فى فلسطين، قال السرجانى إن هذا الكلام غير صحيح، فتلك الزيارة سياسية، وليست مهنية، وكان من المفترض أن أعضاء مجلس النقابة قبل أن يأخذوا وفدًا للذهاب إلى القدس أو إسرائيل أن يأخذوا إذنًا من مجلس النقابة أولًا، ويعقدوا اجتماعًا لأخذ قرار فى هذا الصدد.
ويرى السرجانى أن نقيب الصحفيين وباقى أعضاء المجلس لن «يطرمخوا» عن الموضوع لعدة أسباب، أهمها أن هناك رأيًّا عامًا كبيرًا داخل النقابة يرفض ذلك، ولن يتجاهل المجلس تلك الرغبة، والأمر الثانى أن نقيب الصحفيين جاد جدا فى ما يخص قضية التطبيع.
وقال المرشح السابق لمنصب نقيب الصحفيين رجائى الميرغنى إن سفر ثلاثة من أعضاء مجلس النقابة إلى القدسالمحتلة يستدعى المساءلة والتحقيق، قائلا «دخول القدسالمحتلة محظور فى ظل سيطرة الكيان الصهيونى على تلك الأراضى، وهو قرار لا يقبل المماطلة أو التحايل عليه»، موضحًا أنه إذا ثبت وجود خرق لقرارات الجمعية العمومية فى ذلك الشأن فيتوجب محاسبتهم على الفور، لافتًا إلى أن قرار دخول الأراضى العربية تحت سلطة مباشرة من الاحتلال الإسرائيلى أمر مرفوض بشكل قاطع بالنسبة للنقابة وأعضاء جمعيتها العمومية، لافتًا إلى أن كل الأنباء التى يتم تداولها تؤكد أن وفد المجلس زار القدس بالفعل فى خرق لقرارات الجمعية العمومية.
الميرغنى شدد على أن الواقعة حدثت بالفعل، لكن ملابساتها وكيفية الذهاب إلى القدسالمحتلة أمر يحتاج إلى التحقيق للتعرف على حقيقة الأمر، لافتًا إلى أن تلك الأزمة تحتاج إلى تحقيق شفاف ونزيه وجزاء مناسب إذا ثبت ارتكابهم بالمخالفة لقرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع مع الكيان الصهيونى، مضيفًا أن محاسبة أعضاء بمجلس النقابة فى تلك القضية لن يكون مثل محاسبة أعضاء المجلس الثلاثة، لكونهم أكثر إلمامًا بالقوانين والقرارات الخاصة بالجمعية العمومية، فضلًا عن وجودهم فى موقع مسؤولية.
وكيل مجلس نقابة الصحفيين جمال فهمى قال ل«الدستور الأصلي»، إنه سيتم التحقيق فى واقعة سفر أعضاء بالمجلس إلى القدسالمحتلة إما من خلال مجلس النقابة نفسه فى جلسته المقبلة أو من خلال لجنة تحقيق من أجل معرفة ملابسات الواقعة بالكامل، لافتًا إلى أن التحقيق مع أعضاء الوفد لا يعنى الإدانة، لكن لمعرفة الحقيقة حول ما أثير، قائلًا «يجب أن نحقق فى الأمر، حتى نعرف إذا كان أعضاء المجلس انتهكوا قرار الجمعية العمومية بحظر التطبيع مع الكيان الصهيونى أم لا، لذلك يجب أن نستمع إليهم أولا»، مشيرًا إلى أن أعضاء الوفد سافروا بدعوى من نقابة الصحفيين الفلسطينية إلى رام الله، لكن ذهابهم إلى أماكن خاضعة إلى الإدارة المباشرة لسلطات الاحتلال الصهيونى أمر مرفوض، ولا نسمح به على الإطلاق. فهمى أضاف أن ثبوت خرق القرار يستدعى العقاب، لكنه سيتحدد وفقًا للتحقيق الذى سيجرى عقب عودة الوفد، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع تحديد نوعية العقاب فى الوقت الحالى، خصوصًا أنه لم يثبت إدانة أحد حتى الآن.
بينما أكد خالد ميرى عضو مجلس نقابة الصحفيين، أنه ضد التطبيع مع إسرائيل بأى شكل من الأشكال، لافتًا إلى أن واقعة سفر أعضاء بمجلس نقابة الصحفيين إلى إسرائيل يعتبر تطبيعًا واضحًا إذا ثبت عليهم ذلك، مشيرًا إلى ضرورة انتظار ما ستؤول إليه نتيجة تحقيق النقابة وعدم اتهامهم بشكل رسمى.
ومن جهته قال خالد البلشى، عضو المجلس إنه حسب ما ورد إليه من معلومات فإن الزيارة جاءت بناءً على دعوة من قبل نقابة الصحفيين الفلسطينية وجهها نقيب الصحفيين الفلسطينى فى إطار المشاركة فى فعاليات يوم الاستقلال الوطنى الفلسطينى، وأضاف البلشى أن الزيارة حسب المعلومات الحالية هى زيارة رام الله وليست الأراضى المحتلة أو القدس، وأنهم دخلوا إليها عبر الأراضى الأردنية دون الحصول على تأشيرات دخول إسرائيلية، كما يدخل البعض غزة، مشددًا على أنه يجب التحقق من هذه الواقعة لمعرفة أبعادها وتفاصيلها من الزملاء وبناءً عليها سوف يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، لافتًا إلى أن قرار النقيب كان بخصوص إحالة الواقعة للتحقيق وليس الزملاء وذلك للتأكد من المخالفة، وبعد التحقيق إما أن يكون هناك قرار إدانة أو تبرئة، وهذا للحفاظ على قرار الجمعية العمومية بعدم التطبيع مع العدو الصهيونى.
البلشى أوضح أن الواقعة يجب أن تخضع لتحقيق نقابى حقيقى، حيث إنه لا توجد مشكلة فى قرار تحويل الواقعة للتحقيق، وذلك لأن الجميع وبمن فيهم الزملاء متفقون على قرار حظر التطبيع، مضيفًا «ربما أن يكون الزملاء قد أساءوا التقدير، لكنى أثق بهم تماما».
وأكدت هبة الله يوسف عضو نقابة الصحفيين أنه لا بد من فتح تحقيق عاجل مع هؤلاء الصحفيين، ولا بد من اتخاذ إجراءات وعقوبات صارمة تجاههم، ولا يكتفى مجلس النقابة بلفت نظرهم فقط، بينما أكدت هبة عمر أنها ضد التطبيع أو التعامل تمامًا مع الكيان الصهيونى بأى شكل من الأشكال، وأنها مع قرار الجمعية العمومية بمنع ورفض التعامل الصحفى مع الكيان الصهيونى.
وأشارت عمر إلى أنه كان من المفترض أن يأخذ الصحفيون الذين سافروا إلى إسرائيل رأى من سبقوهم فى العمل الصحفى من كبار الصحفيين، مؤكدة أنه ليس مجالهم، فدعم السلطة الفلسطينية عمل سياسى وليس صحفيًّا، مشيرة إلى أن مفهوم التطبيع ظهرت به بعض المستجدات، خصوصًا بعد سنة الإخوان السوداء، واعتبار إسرائيل أنها عدو أكثر رحمة من غيرها، ما أدى إلى تغير فى مفهوم التطبيع، مشيرة إلى أنه مع سقوط المعايير والقيم نجد أن الأشخاص يتبدلون وينسون الكثير من المبادئ والقيم.
وفى نفس السياق أطلقت حركة تسمى ب«صحفيو الثورة» فى بيان لها، حملة لسحب الثقة وإسقاط مجلس نقابة الصحفيين على خلفية زيارة وفد مكون من 15 صحفيًّا من بينهم ثلاثة أعضاء من مجلس النقابة هم حنان فكرى وهشام يونس وأسامة داوود للأراضى المحتلة والضفة الغربية الأحد الماضى، وأضافت الحملة، أنه تم الحصول على 150 توقيعًا حتى الآن منذ إطلاق الحملة أول من أمس، من قبل الصحفيين أعضاء الجمعية العمومية، بهدف سحب الثقة من المجلس، ووصفت زيارة أعضاء مجلس نقابة الصحفيين بغير المقبولة وتنافى شرف المهنة وقواعدها وأخلاقياتها وتعمل على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونى، مشيرًا إلى أن أعضاء مجلس النقابة انتهكوا بهذه الزيارة قرار النقابة بحظر تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كان ضياء رشوان نقيب الصحفيين قال فى تصريحات سابقة ل«الدستور الأصلي»، أن أى دخول أو خروج على نقاط أمنية وتفتيشية إسرائيلية مرفوض بشكل حاسم وقاطع، مؤكدًا أن برنامج الزيارة وخط سيرها لم يكن يتضمن مرور الوفد من أى معبر أو أى مناطق تخضع للاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وبناءً على هذا فقد رحب مجلس النقابة بالزيارة.
رشوان أضاف أن النقابة لن تصدر إجراءات أو عقوبات، إلا قبل التحقيق مع الزملاء بشكل رسمى ووفقًا لإجراءات رسمية، مؤكدا أن جميع الزملاء بالمجلس رفضوا الأمر رفضًا باتًا، ويعتبرون التطبيع مع إسرائيل أمرًا لا يمكن قبوله فى ظل احتلالها الأراضى العربية، ولن يزايد علينا ولن نسمح لأى شخص بأن يخرج ليتهم المجلس الحالى الذى عانى الكثير فى دفاعه عن حقوق الصحفيين وتصدى بشدة لمحاولة الهيمنة على الصحافة والمساس بحريتها إلى أن يتهم بأنه «مجلس التطبيع».