أظنه أخطر تصريح رسمي صدر عن مسئول حكومي طوال العقدين الأخيرين.. وأقصد به ما أعلنه وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين من إيقاف طرح شركات قطاع الأعمال بنظام المستثمر الرئيسي.. وقصر نظام الطرح علي المصريين بنظام الاكتتاب العام مع احتفاظ الدولة بالأغلبية.. مما يعني - بلغة أهل الاختصاص - وقف برنامج الخصخصة بعد فشله في تحقيق الأهداف والسياسات التي تم الترويج لها قبل بدء تنفيذه عام 93. قدمت الحكومة وقتها مبرراتها في بيع الشركات المملوكة للدولة مثل استمرار الخسائر وغياب الإدارة الكفء مع تزايد العمالة.. وأعلنت عجزها عن إدارة قطاع عام قليل التنافسية.. وعندما جاء الحديث عن العمالة.. فقد أعلنت الحكومة أنه لن يضار عامل من جراء تنفيذ سياسة الخصخصة.. ولن تباع شركات رابحة بل الخاسر منها فقط.. ولن تباع صناعات استراتيجية. كانت هذه تصريحات الحكومة.. لكنها سقطت عند التطبيق عندما بيعت الشركات الرابحة.. ونفي وزير الاستثمار نفسه وجود ما يسمي «الشركة ذات الصناعة الاستراتيجية».. ثم جاء الفشل الاجتماعي لبرنامج الخصخصة وكان من نتائجه تصاعد التظاهرات العمالية في عدد كبير من الشركات.. خاصة أن الحكومة الحالية ألغت اللجنة الوزارية العليا للخصخصة والتي كانت تضم في عضويتها 18 وزيرًا برئاسة رئيس الحكومة.. وانفرد الدكتور نظيف بتنفيذ البرنامج مع وزير الاستثمار دون وجود مراجعة أو مساءلة من أحد. الأسوأ مما سبق.. أن الحكومة عندما باعت شركات الدولة.. فإنها قد منحت مزايا مغرية للمشترين الجدد من حصص احتكارية داخل السوق المحلية وإعفاء ضريبي لسنوات طويلة.. وغض النظر عن مصير العمالة.. وعدم مساءلة المشترين عن خطط التطوير المزعومة.. خاصة أن غالبيتهم كانوا من السماسرة وتجار الشنطة والبقية الباقية من صنيعة الحكومة.. ويعرف وزير الاستثمار نتائج برنامج الخصخصة وكيف أن شركة مثل «المراجل البخارية» قام مشتروها بتصفيتها وبيعها واستفادوا من بيع الأراضي المملوكة للشركة.. كما أغلقت شركة النصر للسيارات.. ونالت شركة الأهرام للمشروبات دعمًا حكوميًا كبيرًا.. وهذه أمثلة لا للحصر. تبقي عندي ملاحظتان رئيستان حول تصريح وزير الاستثمار.. الأولي: أن هذا التصريح مر مرور الكرام علي كبار المسئولين بالدولة.. بداية من الرئيس مرورا بمجالسنا النيابية وانتهاءً بأجهزتنا الرقابية.. ولم يستدع أي من هؤلاء وزير الاستثمار لمساءلته بعد تصريحه السابق.. وكيف أنه وطوال سنوات خمس مضت كان أكثر الداعمين لضرورة تنفيذ برنامج الخصخصة!. أيا كانت التكلفة الاجتماعية والاقتصادية جراء تنفيذ هذه السياسة.. ثم يأتي الوزير بعد فشل برنامجه وخسائره الاجتماعية الباهظة ليقول لنا (بح خلاص مفيش خصخصة) دون مساءلته عما فعله بمصر وعمالها وشركاتها واقتصادها.. فهذا ما لا يقبله عقل. الملاحظة الثانية: كانت في غياب الاهتمام الإعلامي بهذا التصريح الخطير.. والذي أعلن رسميا فشل أضخم برنامج اقتصادي روجت له حكوماتنا.. كما أن هذا الوزير هو الذي صدع رءوسنا منذ عامين بفكرة توزيع أسهم مجانية علي المواطنين ثم توارت الفكرة نهائيا.. فكيف يتم الترويج لفكرة وإشغال المجتمع حولها ثم (فركش)؟. المفروض أننا نتحدث هنا عن دولة وليس عن طابونة. توقيت تصريح الوزير جاء عشية خطاب الرئيس مبارك في عيد العمال.. وسبقه تصريح قوي للدكتور زكريا عزمي في مجلس الشعب حول انزعاجه من اعتصامات العمال المتكررة علي رصيف مجلس الشعب دون اهتمام حكومي.. وكان لابد من إنهاء تلك الاعتصامات قبل خطاب الرئيس والذي خص العمال بالجانب الأكبر منه.. وكان من غير اللائق أن يلقي الرئيس خطابه عن العمال وهم معتصمون. وإذا كان وزير الاستثمار ينتمي إلي عائلة محيي الدين السياسية العريقة.. فالأمانة السياسية تقتضي منه إذا أخطأ أن يعترف بالخطأ ثم يستقيل.. وإذا فعلها وزير الاستثمار فسوف نكسب سياسيا كسب احترامه لنفسه قبل احترام الآخرين له.. فهل يفعلها؟.