تقزمت نقابة المحامين لدرجة تنذر بالخطر وأحاطتها أدواء كثيرة متنوعة نالت من مورثها التاريخي وقيمها أرهقت ذلك الجسم القوي المعمر ولا تفوتني الإشارة إلي أن أهم أدوائها التي أصابتها في مقتل هو اختلاف أبنائها ورموزها وبقية قياداتها المحترمة فيما بينهم حتي نفذ بين رحم الخلاف من لم يكن ليقدر علي غزوها صراحة علي سواء فكم من الملاحم انعقدت علي درج سلم هذه النقابة العتيقة وداخل حديقتها ذاد عنها نقابيون أطهار أشراف وانتصروا بمداد أقلامهم وجرأة كلماتهم علي جموع موجهة تحتل المبني تارة وتؤازر قرارات سلطوية بحل مجلسها تارة أخري. اختلف أحمد الخواجة مع عبد العزيز الشوربجي وهما قياداتان نقابيتان وطنيتان كبيرتان لكن الفائز منهما في انتخابات نزيهة يسارع إلي تهنئة الآخر وحينما عصف السادات بمجلس أحمد الخواجة توحد المحامون خلفه مع مجلسه وتناسوا الخلاف والتنازع وخاضوا معركة عنيفة قوية حتي عاد الخواجة بمجلسه. أعتقد أن أهم السلبيات التي يمكن أن نرصدها هي نقص التواصل بين قيادات المحامين وشيوخ المهنة ورموزها وندرة الحوار الذي يؤدي إلي انسداد قنوات التفاهم وتكريس الخصام وتقاطع المصالح بما ينعكس علي نقابة المحامين وأحوالها سلبا والذي يثير الاستغراب والتعجب تحول أي خلاف في وجهات النظر بين دوائر المحامين المختلفة إلي عداوة ومقاطعة! فالذين يقفون في خندق المجلس سواء كان شرعيا منتخبا أو سلطويا معينا لا يعنيهم سوي الدفاع عن مصالحهم هم لا مصالح النقابة أو أربابهم الذين ُيقربونهم فيقتربون من صناديق النذور ويتحولون إلي سدنة يرشقون أي مخالف أو معارض أو مقترب بالأحجار والاتهامات وبعض المعارضين يحصرون معارضتهم في الهجوم المضاد والحكم علي شيء بالفشل مسبقا وهؤلاء وأولئك لم ينصفوا. من الضروري إعلاء قيمة الحوار بين المصريين بصفة عامة وبين المحامين باعتبارهم النخبة بصفة خاصة ولا ينبغي تحويل الرأي بعيدا عن المقاصد المعلنة علي الأقل. المعني الآخر الذي نود الإشارة إليه هو افتقاد التعديل الذي طرح فجأة علي اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري المرجعية التي تحصنه فمقدم المشروع صاحب مصلحة باعتباره عضوا بمجلس نقابة المحامين وأمينا للصندوق وباعتباره لم يمارس مهنة المحاماة بشكل فعلي متواصل وحامي حمي الحزب الوطني في نقابة المحامين وبكل هذه المواصفات يكون عمر هريدي هو مرجعية المشروع ولا أحد سواه علي الأقل في نقابة المحامين!! طبعا توجد أطراف أخري لها مصلحة في دفع أو تأييد هريدي في مشروعه في صدارتها الذين «غزوا» نقابة المحامين وفق تصريح أمين التنظيم بالحزب الوطني والسيد هريدي طامح وطامع في عرش النقابة العتيدة!! وربما غيره في دهاليز الحزب لذلك جاء التعديل متجاوزا ما اتفق عليه المحامون جيلا وراء جيل أن يكون نقيبهم من أصحاب المكاتب الذين لم يمتهنوا غير المحاماة حرفة وعملا ولقمة عيش وعشقا وحبا ومودة تلك ضمانة عرفية قبل أن تكون قانونية أن يشعر النقيب بما يعانيه المحامون في مراحل ممارستهم المهنة فيعمل علي تلافي العيوب وسد الثغرات أن يكون وطنيا قوميا يحتوي بين ذراعيه كل القوي الوطنية عند اللزوم في الشدائد محافظا علي قيمة منبرها وجعله في متناول من لا منبر له فتنحية الشروط المتوارثة حول منصب النقيب يثير الهواجس والشكوك حول الغاية التي توخاها المشرع! والغريب أن السيد حمدي خليفة - نقيب المحامين المنتخب - اعتمد في العقد الاجتماعي الذي جري بينه وبين أعضاء الجمعية العمومية علي وعد قاطع بتبنيه مشروعا متكاملا لقانون المحاماة تعهد بعرضه علي شيوخ المحامين وقياداتهم وكوادرهم وقواعدهم قبل تقديمه لمجلس الشعب حتي فوجئنا بالمشروع الذي تضمن أربع مواد فقط لم تثبت الحاجة إلي وجه العجلة في إمضائه، فالقانون تعرض للتعديل قبل عام فقط ومن ثم لم تبد ضرورة لتعديله مرة أخري بطريقة جزئية مخالفة لما تعهد به خليفة مما يجعلني أتساءل هل مشروع هريدي هو ذاته مشروع خليفة؟ خليفة ليس في حاجة لتغيير النص الخاص بمنصب النقيب لأنه مارس فعليا مهنة المحاماة عشرين عاما متصلة ومن أصحاب المكاتب!! لكن الذي يزيد الهواجس والشكوك هو النص المتعلق برفع نصاب عدد الموقعين علي طلب عقد جمعية عمومية طارئة تنظر في سحب الثقة من المجلس نقيبا وأعضاء!! ليصبح 3000 عضو بدلا من 500 في القانون الحالي إذ لو طرح هذا التعديل في سياق طبيعي أثناء مناقشة تعديلات عامة لقانون المحاماة لكان الأمر عاديا وربما كثيرون يتفهمون مقاصد التعديل لمواكبة الزيادة المتنامية في عدد الجمعية العمومية لكن ارتباط التعديل بوجود أصوات كثيرة تتنادي لجمع توقيعات ترمي إلي عقد جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من المجلس نقيبا وأعضاء يجعل تفسير الأحداث علي هذا النص وبالتالي تدخل دوائر في الحزب الوطني لإضفاء حماية علي هذا المجلس من المساءلة والمراقبة والمحاسبة. استغرب بعض زملائي من المحامين حضوري مؤتمرا صحفيا مع النقابي الكبير سامح عاشور رغم خصومتنا المعروفة قبل الانتخابات الماضية! وقال آخرون إن هذه التحركات التي يعتبرونها مناوئة للمجلس الحالي ستصب في اتجاه دعم عاشور!! والحقيقة لم أشعر بمثل هذه الحساسيات فلست أسير موقف معين أو خصومة مرحلية هناك ثوابت فكرية أو أيدلوجية أو نقابية وهناك متغيرات تتعلق بالحدث في وقته هنا لا ينبغي أن نسمح للمتغير بالتحول ليكون ثابتا أو التغيير في الثوابت. إن مشروع قانون المحاماة بشكله الحالي قاصر ويحتاج إلي تصويب وإذا كان الدكتور فتحي سرور قد لعب دورا في اللحظات الأخيرة من مناقشة التعديل السابق لقانون المحاماة العام الماضي فإننا ننتظر منه لعب ذات الدور الآن ويجب عدم تجاوز المحامين عند مناقشة قانون يتعرض لمزاولتهم المهنة وعاشور قيمة نقابية كبيرة نتفق معها في مساحات كثيرة من العمل الوطني والنقابي ونختلف أحيانا في وجهات النظر لا تمنعنا من التواصل معه أو مع غيره من القيادات والرموز النقابية الأخري. إن المواقف تصنع الرجال وتصقل الأسماء في ذاكرة التاريخ ونقابة المحامين اليوم في حاجة إلي أبنائها في تجرد بعيدا عن الأهواء والمطامع والحسابات أو الخصومات الخاصة فلا ينبغي أن نفقد ميزة التوحد «بشخصنة» الموقف أو الحدث وكأني أسمع صيحات المحامين تتنامي شيئا فشيئا حتي تلتحم في موقف نضالي مجرد ضد مواقف خاصة ومطامع شخصية وقديما قال أجدادنا العظام «إنما النصر صبر ساعة».