"محاكمة مبارك لحظة فارقة لمصر".. "مبارك في القفص.. بدء المحاكمة التاريخية للرئيس السابق".. "محاكمة مبارك صورة صارخة للسلطة الضائعة".. كانت هذه بعض من أبرز عناوين الصفحات الأولى لعدد من أهم الصحف الغربية الصادرة صباح يوم الثالث من أغسطس 2011 حيث كانت تجري وقائع أول جلسة من جلسات محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك. في ذلك الوقت، تبارت صحف كالواشنطن بوست والنيويورك تايمز والجارديان في تقديم المحاكمة على أنها حدث تاريخي فاصل بالنسبة إلى أكبر بلد عربي، وللمنطقة بشكل عام، فأشادت الواشنطن بوست على سبيل المثال، بالمحاكمة وقالت إنها سوف تكون بمثابة "عبرة للحكام العرب السلطويين الآخرين الذين كان يشعرون بأنهم لا يمكن الإطاحة بهم."
كما أشارت إلى أنه باستثناء محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين التي صاغتها الولاياتالمتحدة، فإنه لم يمثل أي رئيس عربي آخر في التاريخ للمحاكمة أمام شعبه."
أما صحيفة الجارديان البريطانية التي تحولت بعد ثورة يونيو لساحة للهجوم على ما تصفه ب"الانقلاب" فأسهبت في وصف محاكمة مبارك "التاريخية" وقالت حينها إن معظم المصريين لم يكونوا يتخيلون أبدا حدوثها، بسبب الشك بأن جنرالات المجلس العسكري يمكن أن يتحولوا ضد قائدهم الأعلى السابق والقضاء الذي كان مواليا له.
غير أنه مع بدء جلسات محاكمة الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، من النادر أن تجد صحيفة واحدة من هذه الصحف وقد نشرت خبرا عن المحاكمة على صفحتها الأولى، وكأنما تريد أن توجه رسالة ضمنية بعدم اعترافها بهذه المحاكمة.
وبدلا من أن تقدم المحاكمة في سياق موضوعي ومحايد، فقد تحولت هذه الصحف إلى التشكيك في المحاكمة ذاتها ودوافعها، بل ذهبت إلى حد التشكيك في الاتهام الرئيسي الموجه لمرسي وهو "التحريض على قتل المتظاهرين" أمام قصر الاتحادية الرئاسي، فزعمت الجارديان أن عدد أنصار الإخوان الذين قتلوا في هذه الأحداث كان أكبر من عدد المعارضين.
تحولت الجارديان، إلى الهجوم على القيادة الجديدة في القاهرة، والتحذير من أن مصر "ما بعد الانقلاب" عائدة إلى الحكم العسكري. كان أهم ما ركزت عليه هو إظهار "تحدي" مرسي للمحكمة من خلال زعمه بأنه "مازال الرئيس الشرعي" والبدلة التي ارتداها بدلا من زي السجن الرسمي.
أما مجلة فورين بوليسي فذهبت لحد اقتباس كلمات مرسي في المحكمة لتجعلها عنوانا لأحد مواضيعها "هذه ليست محكمة.. هذا انقلاب" وسلطت فيه الضوء على ما وصفته ب"الانقسام الشديد" في مصر بعد عزل مرسي.
تحولت تغطيات صحف أخرى للمحاكمة، مثل النيويورك تايمز، إلى التركيز على ما تصفه ب"حملة القمع المشددة" الأمنية ضد جماعة الإخوان المسلمين، وتصوير المحاكمة على أنها مؤشر على عزم الحكومة المدعومة من الجيش على القضاء الكامل على الإخوان.
كان واضحا للغاية إصرار هذه الصحف على استخدام مفردة "الانقلاب"، رغم أنها تذكر على استحياء أن الجيش تدخل لعزل مرسي، بعد خروج ملايين المصريين بصورة غير مسبوقة إلى الشوارع للمطالبة برحيله، والإشارة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وإقصاء المعارضة السياسية وعمل كل ما يمكن لحماية مصالح جماعة الإخوان خلال حكم المعزول.