في فترة الحرب الباردة بين الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية من جانب والاتحاد السوفيتي من جانب آخر تمكنت بعض الدول العربية وبعض دول العالم الثالث من التحرك بذكاء سياسي لتحصل علي دعم سياسي ومادي من الاتحاد السوفيتي الباحث عن أصدقاء يؤازرونه في صراعه مع أمريكا والدول الغربية أو علي الأقل يبتعدون عن مناصرة الكتلة الغربية. وحصل العرب علي دعم له قيمته سياسيًا وماديًا من الاتحاد السوفيتي خاصة في مجال الصراع العربي - الإسرائيلي. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك دول هذا الاتحاد بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية تتصرف باعتبارها «القطب الأوحد» الذي يدير شئون العالم حسب رؤيته ومصالحه.. وحرصت في هذا السياق علي إغراء عدد من الجمهوريات التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بالمعونات المادية المعنوية.. وأقامت القواعد العسكرية في بعض هذه الجمهوريات بالإضافة لدول أوروبا الشرقية التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي السابق.. وهكذا أحكمت أمريكا الحصار علي «روسيا» التي عانت اضطرابات هائلة استغلتها أمريكا لتعبث بنظام الحكم الروسي الجديد، وسقطت روسيا في هاوية حالة من الفوضي السياسية والاقتصادية وانطلقت مافيا الفساد تدمر روسيا.. وخرجت روسيا من الساحة السياسية كدولة عظمي لتنفرد أمريكا وحدها بمكانة «القطب الأوحد» وفقد العرب والعالم الثالث نصيرا له قيمته ووزنه، وتغولت إسرائيل وانقضت بشراسة علي العرب في حماية أمريكا «القطب الأوحد». ولم تلبث روسيا أن استردت عافيتها.. وعادت إلي مكانتها الطبيعية التي تؤهلها لها ثرواتها الطبيعية والبشرية وخبرتها في مجال التكنولوجيا الحديثة.. واستعادت روسيا مكانتها علي الساحتين الإقليمية «أوروبا وآسيا» والدولية كدولة عظمي لا يمكن تجاهل مواقعها. وعاد الأمل لعرب ودول العالم الثالث في العودة إلي عصر الدعم السوفيتي لقضاياهم العادلة، وروسيا هذه المرة هي المؤهلة لمواصلة هذا الدعم.. ولم يكن الدعم الروسي بقوة ووضوح الدعم السوفيتي السابق، لكنه علي أي حال كان دعما له قيمته للحد نسبيا من الطغيان الأمريكي عالميا وعربيا لإحداث بعض التوازن مع الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل ضد الحقوق العربية. ويبدو أن أمريكا وروسيا قد أدركتا أن لهما مصلحة مشتركة هذه الأيام في تنسيق مواقفهما لمواجهة العملاق الجديد المتوقع بقوة هائلة إلي الساحة الدولية وأعني به الصين.. والقوة الآسيوية الجديدة الصاعدة بقوة وهي الهند.. وتلاقت المصالح الروسية والأمريكية في نقطة يتم فيها تعهد كل طرف منهما بعدم المساس بالمصالح الحيوية للطرف الآخر.. فأمريكا تخفف من حصارها بالتخفيف من دعم الجمهوريات المستقلة التي انفصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعدم تحريض دول أوروبا الشرقية علي أي نشاط من شأنه أن يسبب إزعاجاً لروسيا.. أما روسيا فتسحب دعمها لإيران خاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتوقف أي نشاط يضر بالمصالح الأمريكية أو يهدد قواتها في أفغانستان والعراق. وهنا كانت إسرائيل جاهزة لاستغلال هذه الفرصة التاريخية فطلبت من الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تضع شرطا واضحا في شروطها لتحقيق هذا «التوافق» وهو تغيير روسيا من مواقفها الداعمة نسبيا للحقوق العربية المتعلقة بالصراع العربي - الإسرائيلي. ويبدو أن الإدارة الأمريكية المستسلمة تماما للضغوط الإسرائيلية قد وافقت علي الطلب الإسرائيلي.. ويبدو أيضا أن روسيا لم تجد حرجا في الموافقة علي الشرط الإسرائيلي - الأمريكي، لأن روسيا تعلم جيدا قدرة إسرائيل علي إفساد الاتفاق الروسي - الأمريكي، بينما العرب «في غيبوبة وشتات» يستحيل معه أن يكون لهم أي تأثير يذكر في دعم أو عرقلة مثل هذا التوافق، أدركت روسيا ذلك بوضوح وتم إبرام التوافق الأمريكي - الروسي الذي يمكن أن نعتبره تحالفا إسرائيليا - أمريكيا - روسيا - يواجه العرب ويساند إسرائيل في ظل ممارساتها العدوانية وأطماعها التوسعية. وهكذا تلقي العرب «اللطمة الروسية» المتمثلة في الورقة الروسية- الأمريكية المشتركة التي تضفي حماية علي النشاط النووي الإسرائيلي، فهل يفيق العرب من غفلتهم ويدركون أن العلاقات الدولية لا تعرف الحقوق بل تعرف شيئا واحدا اسمه «المصالح» ولا تحترم أصحاب الشكاوي الذليلة بل تحترم فقط «الأقوياء» القادرين علي الدفاع عن حقوقهم وإلحاق الأذي المؤثر بخصومهم؟!