الرئيس الأمريكى يصف موافقة سوريا على مبادرة روسيا ب«التقدم الإيجابى». العاصمة الأمريكية عاشت يوما غريبا وعجيبا ومليئا بالمفاجآت الاثنين 9 سبتمبر 2013. وكل هذه المفاجآت حدثت خلال ساعات قليلة. إذ بعد أن طيرت وسائل الإعلام تصريحات جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى لندن والخاصة بالتغاضى، ربما عن الضربة العسكرية، إذا سلمت سوريا الأسلحة الكيماوية للمراقبة الدولية.
تم طرح المبادرة الروسية فى أقل من ثلاث ساعات وكأنها صدى لما قاله كيرى ك«زلة لسان» أو «عن قصد». ثم جاءت الموافقة السورية. وتوالت التصريحات الأمريكية وتعليقاتها عما قد يعد «انقلابا دبلوماسيا» قلب حسابات كثيرة.. وكما قال أحد المعلقين السياسيين: «ربما بهذه المبادرة رمى الرئيس الروسى بوتين «طوقا للنجاة» للرئيس الأمريكى أوباما لعله يخرج به من المأزق السياسى الذى وضع فيه نفسه.. عندما طرح أمر توجيه الضربة العسكرية لموافقة الكونجرس.
والرئيس أوباما فى أحاديثه التليفزيونية الستة (التى أذيعت مساء الإثنين) بدلا من أن يتناول ويشرح تبريره وتفسيره للضربة العسكرية وضرورة أن لا تقف أمريكا متفرجة على ما تم فى سوريا وما استخدمه الأسد من سلاح كيماوى تحول حديثه وصارت إجاباته إلى رد فعله للاقتراح الدبلوماسى الروسى والتبنى السورى له.
وقد وصف هذا الاقتراح ب«تقدم إيجابى» وأيضا «ممكن تنفيذه.. إذا كان حقيقيا» مثلما قال الرئيس أوباما ل«سى إن إن». وقد أشار أيضا إلى أن الطرح الروسى قد تدرسه واشنطن بحرص واهتمام وجدية.
أما الكونجرس الذى عاد للانعقاد أول من أمس الإثنين، كان عليه أن «يتأقلم» ويتفاعل مع الواقع الجديد والمفاجأة التى حلت وزلزلت المشهد الأمريكى. وقد أعلن السيناتور هارى ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ أن المجلس قرر إرجاء التصويت على قرار الرئيس الذى كان سيتم اليوم (الأربعاء) كما كان مقررا من قبل.
وبالطبع مستجدات القضية كانت سبب الإرجاء، لأن ما طرح من مبادرة روسية وافقت عليها سوريا خلقت وضعا جديدا يجب التعامل معه من جديد بأساليب جديدة. وفى السياق ذاته فإن عمليات الرصد لتوجهات أعضاء مجلسى النواب والشيوخ بالأرقام كانت وما زالت لا تبشر أبدا بإمكانية الموافقة على الضربة العسكرية، خصوصا أن نسبة من لم يحسموا أمرهم كبيرة للغاية، وهم غالبا سيفضلون «لا» استجابة لطلب وإلحاح من جانب من أعطوا أصواتهم لهم لتمثيلهم فى الكونجرس.
كما أن الأمر اللافت للانتباه بالنسبة إلى استطلاعات الرأى التى أعلنت نتائجها مساء أول من أمس الإثنين، يوم المفاجآت. أن نسبة المعارضين للضربة العسكرية تتزايد. وقد أظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة «سى إن إن» أن 55 فى المئة من الأمريكيين يعارضون الضربة العسكرية حتى لو وافق عليها الكونجرس. وحسب استطلاع آخر أجرته صحيفة «يو إس إى توداى» بالتعاون مع مركز «بيو» للأبحاث فإن 63 فى المئة من الأمريكيين يرفضون الضربة العسكرية الموجهة لسوريا. وأن ثلاثة من أربعة أمريكيين يرون أن القصف سيجعل الوضع أكثر سوءا فى الشرق الأوسط وستة من عشرة أمريكيين يقولون إنه ليس هناك خيار جيد للتعامل مع سوريا أى أن كل الخيارات سيئة!
أوباما وهو يتحدث عن المبادرة الروسية قال ل«فوكس نيوز»: «لم يكن هذا بالأمر الجديد. لقد ناقشت هذا مع الرئيس بوتين» وحول توجيه الضربة حتى لو لم يوافق الكونجرس قال أوباما ل«إن بى سى»: «لم أقرر ذلك بعد».
وعندما سُئل لماذا موافقة الكونجرس لها معنى؟ قال الرئيس ل«إى بى سى»: «إن عمليات القصف قد تكون أقل تأثيرا إذا لم يكن لدى دعم الكونجرس وإذا لم يعترف الشعب الأمريكى لماذا نقوم بذلك؟ إن أملى سيكون أن أقنع الكونجرس والشعب الأمريكى». وحول العملية العسكرية وأنها ستكون «صغيرة للغاية» حسب وصف كيرى قال أوباما ل «إن بى سى»: «إن الولاياتالمتحدة لا تقوم بعمليات مثل (شك الدبوس). وإن جيشنا هو أعظم ما عرف فى العالم. وحتى لو قمنا بعمليات قصف محدودة فقط فلها تأثير على دولة مثل سوريا». أما عن التوجه لدى أغلب الأمريكيين برفض شن الحرب قال ل«بى بى إس»: «إذا أنت تحدثت مع أفراد أسرتى أو ميشيل (زوجته).. كلهم حذرون جدا ولديهم شكوك تجاه أى تحرك».
وأمام هذا الوضع الجديد تساءل الكثير من المراقبين: هل يتراجع أوباما عن قرار الحرب. خصوصا أن هذا هو ما كان يتمناه فى الأساس (كما نوه ولمح البعض). وذكر أيضا أن ما سمى بإمكانية الحل الدبلوماسى وجدت فقط (كما أشار المتحدثون بالنيابة عن الإدارة) لأن التلويح بالضربة العسكرية اشتد وهدد وأنذر.
وكان الرئيس السورى بشار الأسد قد أدلى بحديث تليفزيونى أجراه الإعلامى الشهير تشارلى روز أذيع فى شبكة «سى بى إس» الأمريكية صباح أول من أمس الإثنين، أيضا. ولاحظ المراقبون أن الأسد قال بأنه لا يستطيع أن يؤكد أو أن ينفى وجود الأسلحة الكيماوية فى سوريا. والأمر الغريب أن بعد إذاعة تصريحه هذا بساعات وافقت دمشق ورحبت بوضع الأسلحة الكيماوية تحت المراقبة الدولية وربما تسليمها ومن ثم تدميرها. كما توقف أغلب المراقبين والمعلقين أمام تلويح الأسد كرد فعل للضربة الأمريكية إذا تمت بالقول «توقعوا أى شىء» وأشار أيضا إلى أن 11 سبتمبر آخر قد يتكرر!!
وحسب ما نقل عن مسؤولين أمريكيين فى الأيام الأخيرة فمن المعتقد أن نظام الأسد لديه كميات ضخمة مخزونة من غاز الخردل وغاز الأعصاب.. السارين وأيضا ما يعرف ب «فى إكس». ويوجد المخزون من هذه الأسلحة فى أكثر من ستة مواقع فى سوريا». وجدير بالذكر أن دمشق لم تعترف أبدا بامتلاكها لهذه الأسلحة قبل أن تبدأ استخدام غاز السارين ضد المعارضين العام الماضى كما ورد فى بعض التقارير. وكان لنظام الأسد أيضا برنامج سرى للسلاح النووى دمرته إسرائيل عام 2007.
ولم يتردد السناتور الديمقراطى روبرت منانديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ فى إبداء شكوكه تجاه الاقتراح الروسى ذاكرا ما فعلته روسيا فى العامين الماضيين بخصوص سوريا ولذلك رحب بالاقتراح بتحفظ.
فى المقابل أبدى العديد من أعضاء الكونجرس المعارضين للضربة تخوفهم من عواقب الضربة. وعما إذا كانت الضربة الهدف منها تغيير توازن الحرب الأهلية وذلك بترجيح كفة المعارضة على كفة الأسد ونظامه، وأنه فى هذه الحالة من صالح المعارضة ومنها القاعدة أيضا إحداث أو حدوث الفوضى وما يتلوها. فالفوضى الجديدة وفقدان الأسد «لزمام الأمور» يتمناها الجهاديون. ومن ثم قد يحدث ما لا تريده واشنطن بشكل عام. فواشنطن تقول ولو همسا أو ما بين السطور بأن الأسد لم يعد مرغوبا فيه إلا أنه لا أحد يسعى لإسقط النظام وانهيار الدولة، ومن ثم «تعم الفوضى». لا أحد يريد ذلك ولا أحد يتمناه ولا أحد يسعى إليه. ولعل أغلب ما يشير إليه أو يحذر منه مؤيدو الضربة ومعارضوها أيضا هو الفراغ الذى قد يحدث والفوضى التى ستسود ومعها سيأتى انتشار الجهاديين والقاعدة وجبهة النصرة، وبهم قد يتم ميلاد أفغانستان آخر شرق المتوسط و«أهلا» بانتشار الإسلاميين المسلحين على امتداد خريطة المنطقة ومن تكاثر بؤر إرهابية تهدد المنطقة ومصالح أمريكا فيها وأيضا تهدد حلفاءها. وأضف لهذا الانتشار وصول أسلحة الدمار الشامل إلى أيدى هؤلاء الجهاديين!
ولم يتردد بعض أعضاء الكونجرس خلال الحديث عن مخاوفهم فى أن يشيروا إلى مصر وسيناء تحديدا وأيضا إلى ليبيا وتونس والعراق.. وذكروا أمثلة لتحركات جهادية وعمليات انتقال وتنقل تشمل الأفراد والأسلحة، والأخطر أن كل هذا يتم دون وجود قيود وعوائق أمام هذا الانتشار الإرهابى.
ولمن تابعوا عن كثب اعتراضات أعضاء الكونجرس فإن الحديث عن عواقب إسقاط النظام وانتشار الفوضى فى سوريا كان حديث الأغلبية والقضية المثارة بشدة والهم الأكبر الذى يشير إليه أغلب الأعضاء وأيضا أغلب الخبراء الاستراتيجيين. وما يمكن تسميته بظاهرة «جهاديون بلا حدود» هى قضية الساعة والأيام المقبلة، وهى القضية المطروحة للنقاش والتشاور.. من أجل إيجاد وسائل لوضع حد لها.
ومهما كانت الشكوك وعلامات الاستفهام والاستعجاب حول جدية الطرح الروسى والتقبل السورى له فإن الساعات والأيام المقبلة ستشهد مناورات دبلوماسية وسياسية سواء كانت إقليمية أم دولية لإمكانية تفعيل وتنفيذ ما قيل.. والتساؤل المطروح بشدة: هل روسيا ستقوم بدور مختلف عما فعلته فى العامين الماضيين؟ وماذا عن الصين؟ وعن إيران؟ وبالطبع ما هو الدور المنتظر من الأممالمتحدة؟ وهل سنرى إحياء «جنيف 2»؟. وكيف أن التوصل إلى إيجاد حل أو مخرج للأزمة السورية سيكون أمرا يمكن تحقيقه أخذا فى الاعتبار مخاوف انهيار الدولة وما له من تبعات ليس على سوريا وحدها، بل على المنطقة بأسرها؟!