كان ومازال التليفزيون جزءاً مهمًا من آليات الدولة لتنوير الجماهير، وتاريخ التليفزيون المصري لا يمكن لأحد أن ينكر أهميته في تغيير مفاهيم كثيرة لنا كمصريين، وقطاع كبير في مصر شاهد لحظة انطلاق التليفزيون المصري في الستينيات وكيف كان مصدرًا للفرح والسعادة وأيضا للتنوير، ولا يمكن أن أنسي تلك اللحظة وأنا صغير عندما شاهدت التليفزيون لأول مرة في حياتي من خلال تليفزيون الشعب، وللذي لا يعرف تليفزيون الشعب نقول له إنه جهاز تليفزيون كانت تشتريه الحكومة المصرية وتختار له مكانا في وسط المدن وتعد هذا المكان بدكك خشبية متواضعة ويتم وضع التليفزيون في كشك خشبي كبير لتظهر الشاشة فقط منه، ومع نسمات المغرب يصل عامل مجلس المدينة لفتح التليفزيون وسط إقبال شبابي وطفولي كبير ليجلس الجميع ويسعد بما يقدمه التليفزيون من كل ألوان الفن الجميل، ومثّل تليفزيون الشعب للشباب والصغار من أمثالنا في هذا الوقت مصدرًا للترويح لم يقدر أحد أن يتخيل أنه سيصل إليه، وبخاصة أن الخدمة كانت بالمجان فالدولة في تلك الفترة (أقصد هنا دولة عبدالناصر) كانت تحتضن الشعب أما الآن فممثلو الدولة في البرلمان يطالبون بإطلاق الرصاص علي الشعب. الدنيا تغيرت وذهب تليفزيون الشعب وتم ضم مكانه لمركز الشرطة وتغير كل شيء في مصر وجاء الانفتاح ثم جاء بعد ذلك عصر الفضائيات وذهب الناس بعيدا عن التليفزيون المصري لأنهم شعروا بأنه لم يتم تطويره جيدا وأنه يعبر فقط عن الحكومة والدولة، لذلك لم يعد تليفزيون الشعب وإنما تليفزيون الدولة وأذكر أنه منذ سنوات قليلة أُجري استطلاع رأي من بعض المنظمات المصرية في مصر عن نسبة مشاهدة التليفزيون المصري وكانت الفاجعة أن الجميع ترك التليفزيون المصري متجهًا إلي الفضائيات مع أن التليفزيون المصري يملك أيضا فضائيات!! إلي أن جاء أسامة الشيخ وبدأت خطة طموحة لتغيير شكل ومضمون التليفزيون المصري ليثبت أسامة الشيخ ومن خلال وزارة الإعلام فشل قصة الوهم التي صدرتها لنا الحكومة بأن القطاع العام لا يمكن إصلاحه ولابد من البيع، وأثبتت تجربة أسامة الشيخ فشل تجربة بيع القطاع العام وهذا ليس كلامي ولكنها شهادة فنان محترم هو الفنان مصطفي حشيش صاحب الأدوار المتميزة، حيث أكد أن مشوار أسامة الشيخ منذ أن كان رئيسًا للقنوات المتخصصة أخذ شكلا جديدا في التليفزيون من حيث البرامج وشكل الشاشة والمذيعين والمذيعات وأيضا ضخ دماء جديدة من الشباب بأفكار جريئة كان من شأنها إشعال الشاشة وغسل وجهها بماء الإجادة، وبعد نجاحه في القنوات المتخصصة رأت القيادة الإعلامية متمثلة في وزير الإعلام أن هذه الروح يجب أن تتحد في جميع قطاعات الإذاعة والتليفزيون لذلك أوكلت إلية قيادة دفة سفينة الإذاعة والتليفزيون ليحاول جاهدًا أن ينوء بها عن النوات والأعاصير التي تضرب وجه السفينة ويبتعد بها عن جبال الثلج المتمثلة في الفضائيات والقنوات المنافسة.. ويضيف مصطفي حشيش في شهادته عما فعله أسامة الشيخ بالتليفزيون خلال فترته القصيرة، أنه علي يقين بأن سفينة أسامة الشيخ الإعلامية سوف ترسو علي شواطئ وجزر جديدة لم يرس عليها الإعلام المصري من قبل. وفي النهاية نحن سعداء بأن التليفزيون المصري رجع إلينا مرة أخري، مع أنه ليس بشكل تليفزيون الشعب القديم لكنه علي الأقل يملك سماته وروحه، وبدأ الشعب المصري يلتف حول قنواته الفضائية في مجموعة قنوات النيل ليشعر بأن ريادة مصر الإعلامية مازالت باقية، ونتمني أن يستمر هذا النجاح ويكفي أسامة الشيخ أنه أفشل نظرية أن الحل الوحيد مع القطاع العام هو البيع وأثبت أن إصلاح القطاع هو الحل.