لا أريد أن أكون متشائما ولا سابحا ضد تيار عارم يتطلع إلي تغيير الأوضاع التي تعيشها مصر تجاه الديمقراطية و الحرية والعدالة السياسية والاجتماعية، ولكن لابد من الاعتراف أن معركة التغيير ليست سهلة وهناك عقبات تعرقلها لابد من معرفتها وإبداع أساليب لتجاوزها والتعامل معها حتي ننجح في تحقيق الأهداف التي نسعي إليها ويسعي إليها عموم الشعب المصري المتطلع إلي حياة أفضل وأكثر عدالة وإنسانية. وعملية التغيير ليست بيانات قوية تصدر، وإنما يجب أن تكون تعبيرا عن مطالب لقوي اجتماعية تشارك فيها وتناضل من أجلها، ومن يتابع عمليات التغيير التي جرت في شرق العالم وغربه خلال السنوات الماضية سيكتشف حقيقة واضحة وجلية وهي أن المشاركة الشعبية الكبيرة فيها هي شرط ضروري لايمكن الاستغناء عنه. وإذا كانت قوي اجتماعية متعددة في المجتمع المصري أصبحت تتذمر وتعلن عن عدم رضاها عن الأوضاع القائمة، واضطر بعضها إلي الجلوس علي رصيف مجلس الشعب أو التظاهر في مواجهة وزارة الزراعة أو في أي مكان آخر، فإن علي القوي السياسية التي تناضل من أجل التغيير أن تسعي إلي جذبهم إلي صفها بإقناعهم بإن ما يواجهونه من عسف وتهميش اجتماعي وظلم علي الصعيد الاقتصادي هو نتيجة طبيعية للاستبداد السياسي، فهذا الأمر هو وحده الكفيل بتحول عملية المطالبة بالتغيير إلي حركة اجتماعية تتوافر لها شروط النجاح. فالقوي التي تسعي إلي استمرار الوضع الاستبدادي القائم، تدرك هذه الحقيقة جيدًا، وتسعي إلي إعطاء بعض المكاسب الفئوية الصغيرة للقوي المحتجة، حتي لا يحدث التماس بينها وبين قوي التغيير وحتي لا يتحول وعيها من الاقتصادي - الاجتماعي إلي السياسي. ولكن الذي لا تدركه هذه القوي أنها لا تستطيع أن تلبي جميع مطالب كل القوي بسبب الانحياز الاجتماعي لها وهو ما يعني أن الاحتجاجات الاجتماعية ستظل قائمة، مالم يحدث التغيير الذي يأتي بسلطة جديدة لها انحيازات اجتماعية مختلفة. ولابد لنا من أن نعرف أن قوي الاستبداد والفساد، سواء في مصر أو غيرها، تحقق أهدافها عبر خلق شبكات من المنتفعين والمستفيدين الذين يتحولون إلي قوي اجتماعية تواجه القوي التي تسعي إلي التغيير، سواء بالطرق السلمية وعبر الديمقراطية أو غيرها، ولعل المقاعد التي حصل عليها ائتلاف دولة القانون في العراق الذي يوجد إجماع علي أن ممثله وهو نوري المالكي فشل في تحقيق أي مكاسب للشعب العراقي علي أي صعيد سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، ثم ما تلاه من نسبة فوز كاسحة حققها الرئيس عمر حسن البشير في السودان تؤكد أن جمعيات المنتفعين من الأوضاع القائمة تساعد علي بقاء الأوضاع علي ما هي عليه وهو ما يطيل من عمر الحكومات المستبدة الفاسدة ويجعل من عملية التغيير صعبة في مجتمعاتنا العربية. وهذا الأمر يفسر لنا لماذا تقف أحزاب تطلق علي نفسها معارضة وشخصيات سياسية محترمة عقبة أمام التغيير، ولماذا يعبر كتاب ليسوا من كتاب الحكومة عن معارضتهم للتغيير، مع أنهم اعتادوا نقد الأوضاع الراهنة وتحميل رموز الحكم مسئولية التردي الذي تعيشه مصر في أكثر من مجال، لكنهم ساعة الحسم يقفون في مواجهة التغيير، مبررين مواقفهم بأسباب واهية غير منطقية، غير مدركين أنهم بذلك يقفون مع الفساد والاستبداد في خندق واحد فهؤلاء هم عناصر شبكة المثقفين من الوضع الراهن . وبالتالي فإن تفكيك هذه الشبكة من المنتفعين لابد وأن يحتل أولوية لدي قوي التغيير، كذلك فإن كشف عناصر هذه الشبكة وتوضيح موقعها الحقيقي ودفعها إلي التخلي عن ادعاءاتها التي تتخفي وراءها، هو أمر ملح لأنه قد يحقق أحد هدفين الأول هو أن تجري عملية فرز أمام الرأي العام، حتي يدرك الناس من يقف معهم ومن يقف في مواجهتهم، والثاني هو أن يراجع المعنيون مواقفهم، إذا ما أدركوا أنهم علي وشك أن يمثلوا أمام محكمة الرأي العام، وأي من الهدفين يعتبر مكسبًا لقوي التغيير في معركتها أمام قوي الفساد والاستبداد. لقد شهدت مصر أكثر من موجة للحراك السياسي في السنوات الخمس الماضية، ولم تنجح هذه الموجات لأنها لم تع الأسباب التي تعطي للاستبداد قوته واستمراريته ،ولأن عناصرها تصورت أن المطالب المنطقية لابد أن تتحقق وأن تحصل علي دعم الرأي العام، من دون أن تدرك أنها في معركة حقيقية، وأن تجيش لها الجيوش، وهم هنا فئات المجتمع التي يجب أن تقف معهم في خندق واحد لأن التغيير سيصب في مصلحتها. وإذا كانت حركة التغيير المصرية، لم تدرس تجارب التغيير الناجحة في العالم، فإن عليها الآن أن تعي أن نجاحها يتطلب أن تتحول إلي الهجوم تجاه الفئات والطبقات التي يصب التغيير في مصلحتها، وذلك ليس فقط عبر الكشف عن ذلك في مقالات صحفية أو لقاءات تليفزيونية، وإنما عبر الالتحام مع هذه الفئات والطبقات. ومن العقبات المهمة التي تقف أمام عملية التغيير، أن قوي التغيير نفسها تضم قطاعات لا تثق في قدرتها علي قيادة عملية التغيير وإحداثها لكي تصبح حقيقة واقعة. وقد لمست خلال حوارات مع شخصيات سياسية وأخري مهتمة بالشأن العام، أنها علي الرغم من نقدها الحاد للأوضاع القائمة لكنها مازالت لاتري أن التغيير ممكن إلا عبر تغيير لاتشارك فيه القوي الشعبية المعنية به، وهؤلاء يعولون علي أن يحدث تغيير ما من داخل السلطة يؤدي بالتبعية إلي إحداث تغييرات أخري فوقية وهكذا دواليك. مشكلة هذا التحليل إضافة إلي أنه يعبر عن عدم ثقة قطاع من قوي التغيير بنفسه وقدرته علي النجاح، تتمثل في أن من يتنبوه لا يدركون أن التغيير عبر هذه الوسيلة سيعني استمرار الأوضاع القائمة إلي ما شاء الله، لأن الانحياز الاجتماعي للحكم لن يتغير، ولن يري القادم الجديد أن الإصلاح أمر واجب وإنما سيري أن استقرار الأوضاع كفيل ببقائه أطول فترة ممكنة مثلما نعيش الآن، وسيؤدي هذا السيناريو إلي تثبيط عزيمة القوي الاجتماعية الحقيقية التي تريد التغيير وتعمل علي حدوثه. لقد بدأت معركة التغيير في مصر لأن الشروط الموضوعية المطلوبة لها، أصبحت متوافرة، وعلينا إلا نضيع هذه الفرصة، لأن النصر في هذه المعركة أقرب إلينا من حبل الوريد، لكنه يتطلب أن تنظم قوي التغيير صفوفها، وألا تتنازل عن مطالبها المشروعة، وأن تشكل شبكة اجتماعية تعبر عنها كحركة اجتماعية وقبل كل ذلك أن تسعي إلي التصدي للعقبات الأساسية التي تقف أمام عملية التغيير والتي أشرنا إلي بعض منها وليس كلها، وعلي هذه القوي أن تدرك أن معركة التغيير ليست سهلة وأنها تراكمية، أي أن نبني الآن علي ما فعلناه منذ عام 2005 وحتي الآن لأن الحراك السياسي الذي نشهده الآن هو طور جديد في عملية مستمرة منذ عدة سنوات.