الزميل الأستاذ سعيد عبدالخالق لا يفصل فيما يكتبه بين كونه رئيس تحرير جريدة الوفد المعارضة وكونه رئيس تحرير مجلة الشرطة التي تصدر عن وزارة الخارجية، ويتجلي هذا الازدواج المزدوج بين المعارضة والحكومة وبين الصحافة والعلاقات العامة في العديد من المؤشرات، منها المفردات التي يستخدمها، والموضوعات التي يتناولها، ولا أريد أن أشير الي صورة اللواء حبيب العادلي - وزير الداخلية - التي أصبحت مفروضة علي قراء الوفد بصورة يومية. وآخر ما أتحفنا به الزميل كان يوم الاثنين الماضي بعنوان «الطابور الخامس» ومفاده أن الاحتجاجات التي تشهدها مصر تهدف إلي نشر الفوضي الهدامة. وبعيدا عن أن المصطلح الذي يستخدمه الزميل لا يتعدي أن يكون مصطلحا أمنيا عفا عليه الزمن، فهو وقع في عدة أخطاء مهنية لا تليق بصحفي كبير في حجمه وخبرته. فهو اتهم صحفًا مصرية بأنها تنتمي إلي هذا الطابور، وأشار إلي دراسة أمريكية فيما يبدو وكأن الأمر مؤامرة علي مصر تحاك من قبل قوي خارجية شريرة، وهو أخطأ هنا خطأين الأول عندما ذكر اسم الدورية التي نشرت الدراسة بصورة خاطئة، حيث قال إن اسمها police review ويبدو أن عمله رئيسًا لتحرير الشرطة تفاعل عنده في اللا وعي لكي يذكر اسما «شرطيا» أمنيًا، لأن الدورية التي أشار إليها هي policy review وهي دورية سياسية. وأخطأ الزميل أيضا عندما ذكر اسما كاتب الدراسة والدورية التي نشرتها ولم يذكر الجهة التي تصدر عنها الدورية ولا تاريخ النشر، لأن هذا الأمر يحدد السياق الذي نشرت فيه. والدراسة التي تحدث عنها الزميل نشرت عام 2002 أي في الوقت الذي كانت تنتشر فيه أفكار المحافظين الجدد. وبالطبع فإن مياهاً عديدة جرت في السياسة الأمريكية وإدارات تغيرت وأفكار ثبت عدم ملاءمتها الواقع جعلت الإدارة الأمريكية نفسها تغير من بعض قناعاتها، فضلا عن أن الباحثين الأمريكيين غيروا أفكارهم المتعلقة بالتحولات الديمقراطية في العالم الخارجي، أما الجهة التي تصدر عنها الدورية فهي معهد «هوفر» وهو ليس نافذا الآن لدي الإدارة الأمريكية ولم يكن نافذا من قبل لدي سابقتها الجمهورية. فضلا عن أن كاتب الدراسة ليس من المتخصصين المهمين في دراسة الشأن المصري أو العربي حتي نجعل كلامه «إنجيلاً» نبني عليه تحليلاتنا وآراءنا. والزميل سعيد مصري مثلنا تماما ويدرك موقف الحكومة من عملية الإصلاحات السياسية ومطالبات الناس بالديمقراطية ومطالب فئوية أخري، وكان رئيسًا لتحرير جريدة خاصة هي الميدان، وبالتالي يستطيع أن يقدم لنا تحليلا معمقا وواقعيا حول ما يحدث في مصر بدلاًِ من الاستعانة بالتحليلات الأمنية التي كان عليه أن يكتبها في مجلة الشرطة وليس في جريدة الوفد المعارضة، أم أنه نسي وأرسل مقال الشرطة إلي مطبعة الوفد. وإذا كان الزميل يستعين بالدراسات الأجنبية من أجل فهم الواقع المصري فعليه أن يلجأ إلي الدراسات الحديثة التي يكتبها متخصصون كبار. وهنا أشير عليه بأن يقرأ كتاب سيمون كريتشلي حول سياسات الاحتجاج وعنوانه «Infinitely Demanding» وهو صادر عن دار نشر «فرسو» العام الماضي فقط، وفيه يقدم تحليلا معمقا للظاهرة الاحتجاجية في العالم، يمكن أن نطبق جانبا منها علي مصر. وفي كل الأحوال فأي قارئ للوفد كجريدة معارضة مهنية يتمني أن يفصل الأستاذ سعيد عبدالخالق بين عمله كرئيس للتحرير، ورئاسته لتحرير النشرة التي تصدر عن وزارة الداخلية تحت اسم الشرطة، لأن هناك ازدواجًا للولاء يبدو واضحا بين العمل الصحفي والعمل الدعائي. وبين الولاء للوفد والولاء للداخلية والدفاع عمن يضرب المواطنين في المظاهرات علي حساب قراء الوفد الذين يمشي عدد منهم في هذه المظاهرات.