ما الذي يمكن أن يحدث لو اجتمع ما يسمي بالائتلاف الديمقراطي (ائتلاف أحزاب المعارضة الرسمية «الكبيرة»، الوفد والتجمع والناصري والجبهة) وأعلن أنه إزاء تجاهل النظام الحاكم لمطالب هذه الأحزاب المتكررة والتي جري التأكيد عليها في مؤتمرها الأخير، مؤتمر الإصلاح السياسي والدستوري، ورفضه إقرار ضمانات لنزاهة الانتخابات فإن أحزاب الائتلاف قررت مقاطعة الانتخابات القادمة سواء الانتخابات التشريعية لمجلسي الشعب والشوري أو الانتخابات الرئاسية. من المرجح أن يأتي أول ردود الفعل من الإخوان المسلمين الذين سيعلنون في الأغلب أنهم سيقاطعون الانتخابات إذا قاطعتها أحزاب المعارضة، ولكن الأهم هو رد فعل النظام. النظام في أضعف حالاته. الغموض يحيط بمستقبله في ظل تفاقم الخلافات والصراعات حول انتقال السلطة، والبلاد تموج باحتجاجات من كل نوع تتسع لتشمل البلاد من أقصاها إلي أقصاها وتنضم إليها كل يوم فئات جديدة ،والعالم يتابع بترقب واهتمام ما يجري منذ عودة البرادعي لمصر وتصديه لقيادة معركة الانتقال السلمي للديمقراطية ومواجهة النظام لآلاف الشباب من مؤيديه بقمع عنيف أثار استنكار العالم كله. إزاء انتخابات لن يشارك فيها الإخوان ولا أحزاب المعارضة سيجد النظام نفسه فجأة عاريا من شرعيته الزائفة، ليس أمامه إلا أحد خيارين أحلاهما مر. إما التخلي تماما عن الديكور الديمقراطي الزائف بأحزابه الوهمية وانتخاباته المزورة، أو الرضوخ ولو جزئيا أمام الضغوط التي تتزايد عليه من كل جانب وإجراء بعض الإصلاحات علي أمل أن يتمكن من تفريغها من مضمونها عندما يستعيد قواه. إلا أن هذه الإصلاحات ومهما كانت محدودة يمكنها - في الظروف التي تعيشها مصر الآن - أن تفتح الباب لتنازلات أخري تقود ولو بعد حين لتحولات ديمقراطية حقيقية في مصر. يعني ذلك أن هذه الأحزاب، رغم ضعفها، يمكنها أن تقدم خدمة جليلة لبلادها إذا أرادت. ولكنها لا تريد!! لماذا؟ ما الذي يمكن أن تخسره هذه الأحزاب إذا فعلتها؟ بضعة مقاعد بالتعيين أو التزوير في مجلسي الشعب والشوري؟ حرمان زعمائها من الظهور في التليفزيون الحكومي وإبراز صورهم وتصريحاتهم في صحف الحكومة؟ هل هي علاقات «البيزنس» والمصالح التي تربط بعض قياداتها بالحكومة؟ أم أن النظام يملك ملفات فساد لبعض الزعماء الذين يخشون من كشفها عند اللزوم؟ أم كل ذلك؟ ربما لا تكون هناك إجابات مؤكدة للسؤال السابق، ولكن لا شك أن هناك مكاسب مؤكدة لهذه الأحزاب إذا التحقت بمسيرة التغيير الديمقراطي وكفت عن محاولات تعطيلها وعرقلتها سواء بالمشاركة في تجميل وجه النظام المستبد أو السعي لجر قوي التغيير الديمقراطي إلي معارك جانبية منهكة. يكفي استعادة بعض مصداقيتها المفقودة كخطوة علي طريق المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية وجذب الأنصار والمؤيدين لبرامجها المحفوظة بعناية في الأرشيف. ولكن لندع مسألة المصداقية جانبا طالما كانت لا تعنيهم، ونسأل ما الذي ستخسره هذه الأحزاب إذا استمرت في مساندة النظام ضد التغيير الديمقراطي في هذه المعركة الحاسمة؟ وما المستقبل الذي ينتظرها في ظل الاستقطاب المتزايد الذي أحدثه نزول البرادعي الساحة والتأييد المتزايد لدعوته للانتقال السلمي للديمقراطية. شباب الوفد كانوا في مقدمة مستقبلي البرادعي في المطار لدي عودته والرئيس الشرفي للحزب كان ضمن أول الزائرين الذين أعلنوا تشكيل الجمعية الوطنية للتغيير. في حزب التجمع وردا علي البيان الذي وزعه رفعت السعيد ضد البرادعي أصدرت لجنة محافظة الجيزة بيانًا بعنوان مرحبا بالبرادعي، بينما جاء في بيان لجنة محافظة القاهرة حول الموضوع نفسه «إن المساهمة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة بالشروط الاستبدادية نفسها، ودون نضال حقيقي لتغييرها، هو دعم وإعادة إنتاج للنظام الديكتاتوري وللسياسات الفاسدة نفسها، التي أفقرت المواطن وهمشت الوطن»، ونظمت لجان القاهرةوالجيزة وحلوان وقفة احتجاجية أمام مؤتمر ائتلاف الأحزاب تحت شعار «لا انتخابات بلا ضمانات»، وعندما ذهب البرادعي إلي المنصورة كان شباب حزب التجمع ونائب رئيس الحزب في مقدمة المستقبلين!! وأخيرا أعلن د. حسام عيسي - نائب رئيس الحزب الناصري - أن عدد المواطنين الذين خرجوا لاستقبال الدكتور محمد البرادعي أكثر من أعضاء الحزب الناصري. وانتقد الأحزاب التي تشارك في الانتخابات البرلمانية، ووصفها بأنها جزء لا يتجزأ من النظام الذي سمح لها بالخروج، وأن صفوت الشريف، أمين عام الحزب الوطني، علمهم متي يتكلمون ومتي يمتنعون!! مؤكدا أن هذه الأحزاب ستدخل الانتخابات لتعطي النظام الشرعية التي يريدها. الأحزاب الرسمية في الحقيقة لا تواجه سؤال الالتحاق بمعركة التغيير الديمقراطي أم الاصطفاف مع الحزب الحاكم في مواجهتها، بل السؤال حول البقاء أم الاندثار نهائيا، والمذهل حقا أن زعماءها مصرون علي الخيار الثاني، وهذا يعود بنا إلي السؤال الوارد بعنوان المقال، لماذا؟ لقد طال إعصار البرادعي جميع القوي السياسية في مصر بحكامها ومعارضيها، من الإخوان إلي اليسار، أحزاب المعارضة الرسمية وغير الرسمية في كفاية والكرامة وغيرها. إننا إزاء خريطة سياسية جديدة تتشكل، وهي عملية تتطلب مشاركة فاعلة من الجميع وعدم الاكتفاء بدور المراقبين.