أرهقتنا المراهقة! عبثاً أن تجد سبباً محدداً لما آل إليه الشعب المصري الآن! وعبثاً أن تجد حلاً محدداً لإعادة صياغة هذا الوطن من جديد. ولكن ما أنت مُجبر عليه أن ترصد من حولك ما نحن عليه، ونضعه أمام أعيننا ونناقشه عل وعسي أن يصيبنا «الفهم» ويدفعنا «الإدراك». الرصد الذي أنت مجبر عليه طوال الوقت هو رصد حال الشعب المصري، ولا أعني الشعب في المطلق، ولكن أقصد «السواد الأعظم» من أبناء هذا الوطن فأنت مجبر لأنك تتعامل يوميا مع ثقافات مختلفة وأعمار مختلفة ومهن مختلفة، وتتعرض لعشرات المواقف تضعك في موضع الراصد لأحوالنا. انظر مثلاً للجيل الحالي الناشب علي قدميه، وهو سن المراهقة من «14- 18» عاماً. غريب هذا الجيل.. تجد الشاب - أو الشابة - في حالة تمرد «وهذه سمة للمرحلة»، ولكن تمردهم تخطي مرحلة التمرد.. فهذا شيء وعدم الذوق وعدم المبالاة وعدم اللياقة شيء آخر. شباب لا يهتم ولا يكترث بشيء من أساسه عندما يتعامل مع أبويه أجدهم ينفعلون عليهما، ويتحدونهما، ولا يحترمون رأيهما، وعايز يمشي اللي في دماغه وبس!! يعطي لك الابن إحساساً بأنه فرض عليك كأب أو كأم أن تُلبي له كل متطلباته وإلا يقول لك طب كنت خلفتني ليه؟! لما انتوا مش قد الخلفة ماكنتوش خلفتونا!! لأ.. لأ.. المسألة مش كده يا حبيبي، أساساً أن ينطق الابن بهذه الطريقة هذه الكلمات.. فهذا غير لائق ومرفوض، وأن يفهم الابن أنه واجبنا طالما أنجبناه فعلينا أن نتحمل كل تطاولاته.. فهذا أيضا مفهوم خاطئ ومرفوض، ولاشك أن المجتمع والآباء والأمهات ساهموا في عدم تربيتهم بهذا الشكل. وهذا يأخذني إلي أننا في النهاية.. مش عارفين نربي. لا يوجد أسلوب تربوي سليم لا داخل المدارس ولا داخل البيوت وبالتالي الشارع كله أو معظمه مش متربي. الراجل جوه البيت يا ولداه مكتوب في خانة البطاقة القومية النوع: ذكر. ده صحيح، لكن اللي «يذكر» الكلام ده علي أنه رجولة يبقي غلطان. المهم أنه جوه البيت إما أنه غير مرغوب في وجوده، وتشعر المرأة أنه أصبح قطعة أثاث قديمة، لا بأس من الاحتفاظ بها، لكن علي جنب كده وحياتك. أو أنه «شوال» فلوس، كل لزمته في البيت أنه يجيب فلوس وبس، علشان كوافير الهانم ودروس العيال واشتراكات النادي.. إلخ. وتجده تحول في كلتا الحالتين إلي بني آدم «رخو»، لا نجد فيه شدة رجولة زمان، وجدعنتهم، وذكاءهم، وحموهم.. فصيلة تانية. فصيلة رخوة من الرجال ظهرت بشكل كبير ومنتشر في المجتمع المصري في الوقت الأخير.. وده طبعا ما يملاش عين أي امرأة، وهذا يظهر بوضوح للأولاد، فأصبح ما يملاش عينهم همه كمان. أما الأم فتريد أن تشتري دماغها، فتدلل وتهنن وتلبي كل طلبات الأولاد دون تفكير، وهذا أسخم وأدل. وهناك أمهات يجلسن عفواً بمنتهي البلاهة مبسوطين من طريقة ولادهم في الكلام وكلمات «الروشنة» الجديدة، وسايبنهم يعملوا اللي في دماغهم، وبيتاكل عقلهم بكلمتين حلوين وطرق ساذجة. والأطفال- «أو الشباب علشان ما يزعلوش» - في هذا العمر يدركون تماما وبدهاء شديد كيف يسيرون الآباء والأمهات بالطريقة التي تناسبهم «أقصد الأبوين» يعني يبقي الولد - أو البنت - فهلوي في النهاية. الناس جري لها إيه؟! هل هذا هو الجيل الذي سنعتمد عليه في مستقبل هذا الوطن؟! هل نحن سعداء بما وصلنا إليه، والحال المؤسف الذي نفرغ فيه كل أبنائنا من كل القيم وكل المبادئ؟! صحيح أن هذه المرحلة سُميت بالمراهقة لأنها مرحلة مُرهقة لكل من يمر بها والمحيطين بها أيضا. ولكنها أيضا مرحلة التشكيل أو قُل تأكيد ما تم تشكيله في الصغر. لابد أن تنعم أظافر الابن ويفتح عينه علي وجود رجل في المنزل له أسلوبه في التربية وله هيبته وله حضوره في المجتمع وفي البيت. يحاور نعم ويضحك نعم ويلعب معهم نعم، ولكن عندما يأمر يُطاع وبلا تردد. لابد أن يكون الراجل «مالي عين زوجته» وتحترمه وتقدره وتقدر قراراته، وتعلم أنها ينبغي أن تكون أنثي في النهاية، ورقيقة، والشيء الجميل الذي يريد الرجل أن يراه ويجلس معه بعد يوم شاق في العمل. لكن النوعيات الموجودة أيضا في المجتمع المصري الآن أغلبها مكتوب أيضا عنها في البطاقة القومية النوع: أنثي، ولكنهن لا يمتن للأنوثة بصلة. تجدها أغلب الوقت تريد أن تلعب دور الرجل، وصوتها يعلو، وشكلها يتحول إلي «هولاكو» قاهر الهكسوس! فتنشأ الفتاة متمثلة بأمها، ولا يستطيع الابن أن ينصاع لأوامرها لأنه يستشعر ذكورته في هذه المرحلة ويريد أن يمارس رجولته وتمرده علي كل البشر، خاصة في المنزل. ولأن الأب غائب «رجولياَ» أو قُل «رجل مرفوع دائما من الخدمة»، ولأن المسألة أن ما فيش حد ينفع يلعب دور حد تاني طوال الوقت، فلا يجد الابن أمه حين يحتاج لأم، ولا يجد أبوه حين يحتاج لأب. وما أريد أن أؤكده هنا أن نسب الإدمان بدءاً من هذه المرحلة - ونسب الانحرافات الجنسية والسلوكية، تشير أرقامها إلي تزايد. وما ينبغي تأكيده أننا لابد أن نراجع أنفسنا في طرق التربية التي ننشئ عليها هؤلاء الأبناء. وندرك أن الاهتمام الزائد كالإهمال الزائد أيضا، وندرك أن أبناءنا دخلوا معنا في لعبة «Game» كما يفعلون مع الكمبيوتر وعليهم أن يكسبوا هذه اللعبة بأن ينفذوا ما يريدون، فهم يخططون ويدرسون اللاعب الذي أمامهم ويعرفون نقاط ضعفه ثم يلاعبونه من هذا المنطلق ويكسبونه. علينا أن نضع داخل المنزل أسساً وقواعد، الكل يسير عليها. أعلم أن أغلب الزيجات تفقد هذه الهيبة وهذا الاحترام بين الزوجين لأنه لا يوجد حب من أساسه والذي هو مفتاح كل شيء. ولكن علي الأقل طالما قبل الطرفان أن يعيشا في «شركة» واحدة، فلابد أن تتحدد المناصب والمهام والمسئوليات وإلا فشلت هذه الشركة. وعلي الأبناء أن يدركوا أنه كثير من العظماء خرجوا بدون أب وأم في حياتهم. وليس فرضاًَ علي الأب والأم أن يتحملا الأبناء في كل شطحاتهم لمجرد أنهم أبناؤهم. الأسرة المصرية تحتاج إلي إعادة صياغة هؤلاء الأبناء قبل فوات الأوان، ومن قبل إعادة صياغة الآباء والأمهات، هذا إذا كنا نريد لأبنائنا غدا أفضل ولمصر الغد نفسه.