كاد أصبع المذيعة أن يلمس زجاج نظارة الأستاذ.. المذيعة هي «مني الحسيني» والأستاذ هو الدكتور والعلامة القانوني والإسلامي الكبير «أحمد كمال أبوالمجد» والبرنامج «نأسف علي الإزعاج».. هل رأيتم إزعاجاً أكثر من ذلك؟! في حياتنا الإعلامية يوجد مذيعين ومذيعات يصدرون لنا حالة خاصة بتلك التفاصيل التي يضيفونها إلي أسلوبهم ونشاهدهم بسبب هذه اللمحات مثل فناني الكوميديا الذين يتميزون بلزمات حركية أو لفظية «يونس شلبي»، «سيد زيان»، «فاروق فلوكس «سيف الله مختار» وغيرهم.. إنها الوجه النسائي لمفيد فوزي تشعرني بأنها تحاكيه في أدائه ليس فقط في اختيار الأسئلة التي تضع ضيفها دائماً في قفص الاتهام لكن نبرات الصوت الذي كثيراً ما يحمل تهويناً للضيف.. «مني» بالطبع وجه لديه قبول وحضور علي الشاشة إلا أنها تمارس مهامها كمذيعة باعتبارها في حلبة ملاكمة ولديها دائماً القدرة علي أن تنتصر في نهاية الجولة بأن توجه القاضية للضيف.. إنها المذيعة التي تصول وتجول وتوجه لكمة هنا وأخري هناك لكنها في النهاية تدرك أنها تلعب في فريق الدولة.. انتقلت في السنوات الأخيرة لكي تلعب دوراً أكبر وهو التأكيد للقيادة السياسية أنها تملك منصة قوية لإطلاق الصواريخ علي كل من يري النظام أنه خارج الخط.. وكأنها تقدم أوراق اعتمادها لكي تصبح لاعباً أساسياً في فريق الحكومة.. هي توجه قذائفها من محطة خاصة والمفروض أنها ليست تابعة للدولة إلا أن المذيعة نفسها تابعة للدولة.. «مني» تشاغب في تلك المساحة التي تري فيها الصحف القومية تذهب إلي أقصي درجة وتفتح أيضاً علي الرابع إلا أنها في نهاية الأمر تريد أن تقول للدولة من ملعب «دريم» أنا لا أزال «مني» التي لا تتنكر لفريقها الأول تليفزيون «ماسبيرو» وما الحب إلا للحبيب الأول.. علي الجانب الآخر فإن الدكتور «أحمد كمال أبوالمجد» نموذج لرجل القانون والفكر والإعلام المنضبط الذي يحاول ألا يصطدم مع الدولة ونظامها، ولكن في الوقت نفسه يسعي لإعلاء كلمة الحق وهكذا كان عمله نائباً لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان يحاول أن يقول الحقيقة وبقدر المستطاع يتمني ألا يحرج الدولة والرئيس شخصياً ورغم ذلك تم إبعاده لأنه لا يمشي تماماً علي الخط وهو كعادته تعود ألا يثير ضجة حوله إلا أنه لا يخون ضميره عندما تسأله عن الرئيس يؤكد أنه يعلم أنه يسعي لإقرار العدالة إلا أنها البطانة التي تحاول أن تحجب عنه الحقائق.. ما الذي تريده المذيعة حتي ولو كانت في تليفزيون الحكومة أكثر من ذلك ولكن أغلب مذيعينا يفضلون السير علي منهج «قاسم» وليس «علي بابا».. «علي بابا» عندما دخل المغارة اكتفي بقليل من الزمرد والمرجان والياقوت وخرج غانماً سعيداً بهذا الرزق الذي جاءه دون مجهود يذكر سوي أن تذكر فقط كلمة السر «افتح يا سمسم» بينما «قاسم» من فرط شهوته في الحصول علي كل ما في المغارة لم يستطع أن يغادرها سالماً وهكذا لم تكتف «مني» بهذا القدر رغم أن إجابات «د. أبو المجد» تصب كلها لصالح الرئيس وهي في الحقيقة بقدر ما هي منطقية وصادقة لكنها في الوقت نفسه لا تحرج الدولة فهو حريص علي التأكيد أن الرئيس كان ودوداً في المرات القليلة التي التقي فيها معه حتي بعد إقصائه عن منصبه فأرسل له خطابًا علي منزله يشكره علي كل ما قدمه لمصر ولكن هذه النهاية السعيدة لم ترض «مني»!! كان الهدف الكامن ليس فقط ذلك ولكن الأمل كل الأمل أن ينتهي اللقاء مع «د. أبو المجد» بتوجيه لكمة قوية إلي العدو الأول وليس الأخير للنظام المصري وهو «د. محمد البرادعي» هنا تستطيع أن تري «قاسم» الطماع يطل برأسه.. «أبو المجد» لم يعلن تأييده المطلق له ولكنه فقط لم يستبعده للترشيح وأيضاً هو لم يعلن رفضه للرئيس «حسني مبارك» إذا ما فكر في ولاية سادسة هو فقط قال كأستاذ في القانون إن الحجة التي تتكرر كلما جاء اسم «جمال مبارك» وهي أن من حقه الدستوري ترشيح نفسه للرئاسة شأنه شأن أي مواطن مصري آخر.. قال «د. أبوالمجد» لا يجوز ذلك فهو ليس مواطناً عادياً وضعه بالطبع استثنائي هذا التعبير من عندي ولكن هذا ما استوعبته من كلمات «أبوالمجد».. وعلي هذا لم يتبق أمام «مني» بعد أن ذهبت كل محاولاتها سدي لمنح غطاء قانوني شرعي من «د. أبو المجد» دون جدوي فالرجل يتحدث بالقانون.. أستاذ القانون يرفض أن يذكر أمراً غير قانوني هكذا لم تنجح في تمرير اسم «جمال مبارك».. يظل اسم الرئيس «مبارك» في ترشحه للمدة السادسة هو الورقة التي تلقي في نهاية الأمر أمام أي مرشح آخر - تعود السياسيين حتي من تتوسم فيهم رؤية أكثر عمقاً يؤكدون أنه إذا أراد الرئيس السادسة فهي له -.. و«أبوالمجد» لم يرفض ولكنه أيضاً لم يؤيد تأييداً مطلقاً وعندما ألقت «مني» بورقة «د. محمد البرادعي» أمامه في مواجهة الرئيس اعتقدت أنه سوف ينحاز إلي الرئيس «مبارك» مباشرة ولكنه لم يرفض ولم يؤيد وطلب فقط أن يقرأ أفكار كل منهما ويقارنها بالآخرين.. لم يقل مثلاً «د. أبوالمجد» أن المدة السادسة لأي رئيس وليس فقط للرئيس «حسني مبارك» تعني أنه قضي 30 عاماً وهذا الأمر ينبغي أن يصل إلي سقف العطاء «د. أبوالمجد» لا يعترض علي «مبارك» رئيساً حتي لمدة قادمة بل ولديه انطباع إيجابي جداً عن الرئيس في تحمله واستقباله لمن ينتقد الدولة ولكنه أيضاً لديه قناعة بأن الرئيس من حقه أن يستمر طالما أن الدستور يمنحه هذا الحق في المادة 77 هل هذا يكفي؟ لا يكفي هي تريد أن تصل رسالة للرئيس وهي أنها تستطيع لو أتيحت لها الفرصة أن تنهي تماماً وجود «محمد البرادعي» وكأنه لم يكن.. دون أن يصبح هناك داع فهي لا تحاور «البرادعي» إلا أنها قالت مع احترامي لكل الزملاء والزميلات الذين حاوروه ولكن لدي سؤال أقصد سؤالان يكفي أن أذكرهما وكالعادة انطلق أصبع يدها اليمني ليصل هذه المرة مباشرة إلي عين «د.أبوالمجد» بعد أن اخترق النظارة وبالتأكيد كان لسان حال «د. أبو المجد» يقول إنه ليس «البرادعي» حتي توجه له هذا السؤال أو السؤالين وجهت إليه القنبلة وقالت أريد أن أسأل «د. البرادعي» عن معاناة المواطن الذي يقف أمام طابور رغيف العيش هل عرف يوماً ما تلك المعاناة؟! الرجل بالطبع لم يجب فهو ليس «البرادعي» ولكني تساءلت: هل تقف «مني» في طابور رغيف العيش حتي تعرف المعاناة، هل انحشرت في أتوبيس أو ميكروباص حتي تعرف المعاناة، هل عاشت في منزل عشوائي بلا ماء ولا صرف صحي حتي تعرف المعاناة هل المعاناة لا يعرفها إلا فقط من يكابدها؟!!.. هل هذا هو السؤال والضربة القاضية التي اعتقدت أنها قد وجهتها للبرادعي عن طريق «أبوالمجد» رغم أنه سؤال خارج النص كما نري وخارج السياق لأنه موجه إلي رجل لا يجلس أمامها لكنها أرادت توصيل السؤال ليس للبرادعي ولكن ربما للقيادة السياسية.. تقول للقيادة السياسية نحن هنا امنحونا فرصة لكي ندافع عن النظام كما ينبغي أن يكون الدفاع.. كل الذين منحتموهم الفرصة لم يستطيعوا الدفاع أنا لدي أسلحتي التي لا قبلي تخطئ أبداً أنا قاهرة المستحيل.. هل فقط «مني الحسيني» هي التي تقف في هذا الخندق مع الدولة.. عدد لا بأس به مع اختلاف الدرجة والدوافع من المذيعين والمذيعات في القنوات الخاصة مصرية وعربية لديهم نفس القناعة وهم مستعدون للدفاع سواء من مواقعهم الحالية أو من منصات حكومية ولكن ربما كانت «مني» هي صاحبة الصوت الأعلي والأصبع الأكثر حدة!!.