تتوجه العاملة إلي زميلتها لتخبرها بأن المدير يطلبها، تتوجه الزميلة - وهي أم وجميلة - إلي المدير، يطلب منها نقل أغراض إلي المخزن، طبعاً كي يتحرش بها، لكنها تثور لشرفها وتضربه أمام الجميع - وهو مستسلم- وتترك العمل. ليس المشهد السابق من فيلم عربي بالأبيض والأسود، بل من مسلسل ملوّن وتركي، مدبلج إلي العربية أو إلي العامية الشامية، المسلسل هو «الربيع الآخر» الذي تعرضه القناة التركية الناطقة بالعربية «TRT»، التي بدأ بثها قبل أيام قليلة، أما الأحداث فتكشف أن المشاهد العربي لن يغترب أبدًا في الفرجة، لن يتغير معه شيء باستثناء مناظر طبيعية أكثر سحرًا، وإذا كان مهند قد أصبح نجمًا شعبيًا عبرMBC ، فلم لا يأتي الأتراك بمادتهم إلينا بلا وسيط ؟ إذ يقول المثل «جحا أولي بلحم ثوره»، والأتراك ينسبون جحا إلي التركي نصر الدين خوجة الذي عاش في الأناضول إبان الحكم المغولي. أطلق الأتراك إذًا قناتهم ليلحقوا بركب الإعلام المتوجه إلي المنطقة العربية، فضائيتهم حكومية مثل مثيلاتها الروسية والأمريكية والفرنسية، بينما البي بي سي «مملوكة للشعب» فهي غير خاصة أيضًا علي أي حال، ما يضع السياسة ركنًا أساسيًا في تناول تلك المحطات، ومن لحظات بثها الأولي تبدو التركية عازمة علي استرجاع الموقع التركي في الوجدان العربي، واللحاق بالمسافة التي سبقتها فيها «الحرة» وإخواتها، تسلك التركية في ذلك مسالك متعددة، أبرزها تكرار اسم اسطنبول عنوانًا للعديد من البرامج والعروض، فالبرنامج الصباحي «صباح الخير من اسطنبول»، ثم ساعة سياحية مع «جولة في اسطنبول»، أما الفعاليات الثقافية فيقدمها برنامج «من اسطنبول»، وليس ذلك بالطبع فقرًا في الأسماء بل ترسيخا لاسم العاصمة السياحية والتاريخية لتركيا، وفي استبعاد العاصمة الرسمية «أنقرة» من ذلك السياق دلالة توحي بلجوء المحطة للإرث التاريخي جسرًا للتواصل مع العالم العربي، موقع النفوذ العثماني القديم، بعيدًا عن العواصم تقدم المحطة برنامجها المسائي الحواري تحت عنوان «قهوة تركية»، وهو استخدام بدهي لما يحمله الاسم من دلالات، كمشروب وكمعبر إلي معني الجلسة الحميمة، لكن التركية تبالغ فتسمي برنامج الطبخ «مطبخ القصر»، وتسمي البرنامج النسوي « السيدة الأولي» ، حتي يتوقع المشاهد أن يطل «أفندينا» من الشاشة، لابد هنا من ملاحظة أن ما يقدمه برنامج «الكاميرا الخفية» علي شاشة المحطة، يبدو سخيفًا لدرجة تقترب من نظيره في الشاشات العربية، ولئن بدت الكاميرا الخفية العربية رديئة لسوء الإعداد ولإزعاجها المواطنين بدلا من تسليتهم، فإن «الخفية التركية» تتميز بثقل ظل لا لبس فيه، وعلي كل حال فإن أحدًا لم يتهم الأتراك بخفة الظل أبدًا، حتي عزيز نيسين لم يفعل! ثمة برامج أخري تقدمها المحطة يمكن توقع نجاحها من حيث المبدأ ، من أهمها «شاهد علي التاريخ»، و«موسيقي في الحي الشرقي»، بينما يمكن توقع الفشل لبرنامج «المغامرون» إذ لن يتحول المشاهد عن نظائره في المحطات الأجنبية، بينما تبدو برامج أخري مثل «دليل صحتك» من قبيل لزوم ما يلزم. قبل انتشار استخدام الإنترنت، كانت كلمة القنوات التركية بالنسبة للمشاهد العربي تعني شيئًا واحدًا، لنقل إنها كانت الوسيلة الوحيدة لتفريغ بعض الكبت الجنسي، أو لزيادة ذلك الكبت فذلك حسب وجهة النظر، أما الآن فلابد أن دخول الأتراك سوق الإعلام العربي يزيد رافدًا جديدًا ثريًا، رافد يشكل خطورة علي منافسيه العرب بأكثر مما يفعل غيره، يدرك الأتراك نقاط قوتهم فلم يجعلوا من قناتهم مجرد إخبارية موجهة، بل أتوا بجرعة ترفيهية ثبت نجاحها عبر الدبلجات السابقة، سيواجه الإعلام العربي منافسة حقيقية هذه المرة في ملعبيه الأهم : الدراما والموسيقي الشرقية، هل من مناجز؟