تحول حفل غنائى أقامته إحدى الجامعات الخاصة للاحتفال بذكرى تحرير سيناء إلى احتفالية أو مهرجان شعبى لتكريم الجيش والتصويت على شعبية قياداته لتعلن النتيجة بفوز الجيش بثقة الشعب المصرى وتجديد الثقة فى القوات المسلحة ودورها الفاعل فى الأزمة الراهنة التى بدا من الواضح أنها تحرك الجميع فى اتجاه واحد هو التطلع لانكشاف الغمة عن الشعب والبلاد سويًّا. فبينما غابت الاحتفالات الرسمية المعتادة فى ذكرى تحرير سيناء كل عام سواء بتنفيذ مشروعات تدريبية عسكرية للتشكيلات المختلفة للجيش أو بإقامة حفل ثقافى وموسيقى، اقتصرت إحياء الذكرى ال31 لتحرير سيناء على وضع أكاليل الزهور عند النصب التذكارى بمختلف محافظات مصر. لكن الشعب قرر أن يرسل رسالة قوية لحكامه وقادته، فبادرت جامعة المستقبل بطلب إهداء حفل موسيقى للقوات المسلحة أنتجته الجامعة لإحياء ذكرى انتصارات الجيش وقدمته بالفعل على مسرح الأوبرا فى 4 أبريل الماضى، لكنها عادت وطلبت إهداءه إلى ضباط وجنود القوات المسلحة بعد أن تأكد إلغاء احتفالات الجيش بتحرير سيناء، وبالفعل أقيم الحفل على مسرح الجلاء بمصر الجديدة أول من أمس، الذى تكفلت الجامعة بنفقاته وتبرع الفنانون العرب والمصريون بالمشاركة فى فقراته للمرة الثانية، الفنان هانى شاكر وحسين الجسمى ولطيفة ومحمد فؤاد وآمال ماهر وحكيم ونبيل شعيل، ليقدموا عرضًا أسطوريًّا، وقام ببطولته الفنان أحمد بدير أمام طلاب وأساتذة الجامعة وقادة وضباط القوات المسلحة، لم يقتصر فقط على الغناء والاستعراض بل تحول إلى استفتاء حر ومباشر على ثقة الشعب فى جيشه، فتبادل الشعب رسائله مع الجيش فى حرية، خصوصا مع غياب أى رموز سياسية للنظام أو للمعارضة، فأصبح الحوار مباشرا وغير رسمى مع الجيش وقادته، وتلقى الرد فى نفس الساعة. وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام اضطر إلى تغيير برنامج مشاركته، الذى لم يكن مقررا فيه أن يتحدث بكلمة مطولة، بعد أن وجه شكره فى بداية الحفل للجامعة والطلاب على اللفتة الجميلة بتكريم مؤسسة علمية للشباب للقوات المسلحة والاحتفاء بإنجازات الجيش ليس فى الحرب فقط بل وفى السلم. وبعد انتهاء الجزء الأول من الحفل للكورال الغنائى، الذى ألهب حماس المشاركين على المسرح وأمام خشبته بين الجمهور حرص العشرات من رجال الإعلام والفن والفكر الذين دعتهم الجامعة لمشاركة تكريم الجيش، حرصوا على الاصطفاف فى أثناء الاستراحة لتحية الفريق السيسى فى مشهد لافت، حيث ظل واقفًا طوال 50 دقيقة ليصافح كل منهم، ويستمع إلى رسالة أراد كل فرد نقلها للجيش فى شخص القائد العام الفريق السيسى الذى ظل ينصت ويرد على كل رسالة وكلمة نقلت له، فماذا كان فحوى الرسائل التى أصر المشاركون على نقلها شخصيًّا للسيسى فى حديث بعضه كان هامسا وبعضه باسم وبعضه ملىء بالشجن؟ عقب انتهاء الجزء الثانى من الحفل بأوبريت «حبيبى يا وطن» الذى كتبه الشاعر الكبير الخال عبد الرحمن الأبنودى، فى ما يشبه المرثية للحبيب الذى يستشعر ضياع محبوبته من بين يديه، ويستمد من الماضى العميق أملًا يبدد به يأسًا مطبقًا، وقف الفريق أول السيسى مرة أخرى، وأمسك بالميكروفون، وبدأ فى الرد على رسائل المصريين، فماذا كانت الرسائل؟ تعرفها من الإجابات.. السيسى أرسل عددا من الرسائل أولها ضعوا ثقتكم الكاملة فى جيشكم، فهو كما عرفتوه دائما، ولا تدعوا أى حوادث عارضة تضللكم وتأخذكم بعيدا عن القوة الوحيدة التى ولاؤها لكم شعبًا ووطنًا. رسالة أخرى للشعب نحن -قيادة وضباطا وجنودا- نراكم ونسمع ونحس وندرك كل مخاوفكم المشروعة والنبيلة ولا ندير ظهورنا، بينما تتطلعون لمخرج للأزمة، ولن نتوانى عن المشاركة بل ونقود للوصول لهذا المخرج. وضح تمامًا انتقاء السيسى لموضع أقدامه حتى لا ينزل بمستوى المؤسسة التى يمثلها أو يعكس صورة مهزوزة لقادتها كما هو الحال فى كبرى المؤسسات الحاكمة فى مصر حاليا، فلم يستعمل عبارات مطاطة، ولا وعودا فقاعية، لكنه ركن إلى تهدئة الحالة العامة التى تميل للتشاؤم والتوجس من المجهول الآتٍ، وبذكاء لافت استهل حديثه الثانى بتوجيه التحية للفنانين والإعلاميين والمفكرين، والفئات الثلاث تعانى حاليًّا من جهل النظام الحاكم فى التعامل مع دورها فى تجاوز الأزمة الراهنة، وبسرعة قفز ليوجه تهنئة للمسيحيين بأعيادهم، لكنه استخدم عبارة بالغة التعبير عندما قال: «لا أنسى أقول لأهلى المسيحيين كل سنة وأنتم طيبون»، فحطم أكثر من حاجز فى أن وضع الجيش ورجاله وسط نسيج الشعب، وليس فى كرسى الحكم أو منصة السلطة. وبينما ضجت جنبات المسرح بالتصفيق والهتاف من شباب الجامعة طلب السيسى من الحاضرين توجيه التحية والهتاف والحب لمصر، وبدأ فى الرد على مخاوف المصريين قائلا: «عاوز أقول كلمتين صغيرين على الجيش، الجيش المصرى جيش وطنى عظيم، جيش شريف، قوى وصلب، قواه وصلابته منبعهما من شرفه، مش عاوز أقول إنه جيش جامد وكبير بس عاوز أقول ما تقلقوش أبدا على بلدكم مصر». السيسى هنا أرسل رسالتين: قوة الجيش فلا تخافوا، وشرف الجيش فلا تصدقوا الحملات المضادة لإهانة الجيش وفصلكم عنه، ثم ألقى برسالة ثالثة عبّر عنها سريعًا أن التغيير لن يكون إلا بأيدى الشعب، لأن الجيش سيؤدى دوره فى حماية الدولة وشرعيتها، ولن ينقلب على الشرعية فقال: «المصريون لما أرادوا التغيير غيّروا»، أى أن الجيش سيقف مع الشعب إذا أراد وسعى للتغيير. وواصل السيسى شرح رسائله فى رسالة جديدة لمن يعنيه الأمر، إن حملات التشويه التى تشنها طيور الظلام والإظلام لم تخفه، ولن تغير موقفه من الولاء للشعب والوطن لا للنظام، فقال: «لما جيش مصر نزل حماكم وقعد 18 شهرا إيده ما اتمدتش على الشعب»، وأضاف قائلا: «إيدينا تتقطع قبل ما تتمد لكم بسوء». وعاد السيسى ليذكر بالكلمة التى وجهها للشعب قبل أسابيع عقب اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالدكتور محمد مرسى، وقال: «من ثلاثة أسابيع أقسمت قسمًا، أرجو تكونوا سمعتوه، وقلته علشان كل مصرى قاعد فى بيته يكون مطمئن رغم الشوشرة اللى حصلت وعارف»، فى إشارة إلى حملات قادها الإخوان بتسريب جزء من تقرير غير مدعوم بأى أدلة يتهم الجيش بتعذيب الثوار فى أثناء الثورة. وقال السيسى: «فى 18 شهرا كان فيه 150 ألف جندى فى الشارع، 500 يوم فى 150 ألف تساوى سبعة ملايين ونصف احتمال لخطأ من هنا أو هناك، لكننا كنا نناضل حتى لا نؤذى أى مصرى، كنا نحارب حتى لا يؤذى أى مصرى، قعدنا 18 شهرا علشان مصر تفضل مصر وحتفضل مصر مش حاقدر أقول كلام جميل زى اللى قولتوه». عندما وصل الفريق السيسى إلى هذا الجزء من الحديث انهمرت دموع الفنانين المشاركين فى العرض والفنانين الجالسين بين الجمهور، وبكى الفنان محمد فؤاد، وهو يوصى السيسى على مصر قائلا: «خلى بالك من مصر يا أفندم»، ولحقه زملاؤه الفنانون حسين الجسمى ولطيفة بعلم مصر الذى كان بين أيديهما ليجفف به دموعه، فسرى البكاء إلى الفنانين والإعلاميين الحاضرين بين الجمهور، وأجهشت الفنانة مى كساب بالبكاء الشديد. السيسى عاد، وأشار إلى الرسالة الثالثة عندما نبه الحاضرين فى رد على سؤال وطلب قائلا: «أحب أقول خلوا بالكم، مصر محفوظة بالمصريين»، وكررها ثلاث مرات، و«احنا (الجيش) جزء من المصريين، الضباط اللى انتم شايفنهم والطلبة الدم فى عروقهم بيحب مصر»، وختم السيسى برسالة للشباب قائلا: «لازم يكون عندكم أمل وثقة كبيرة جدا فى بكرة، وبكرة تشوفوا مصر وهى أم الدنيا وح تبقى قد الدنيا». هل سكت شباب الجامعة؟ لا بل ردوا عليه بوصية هزت جنبات المسرح، عندما هتفوا من صالة المسرح «خلى السلاح صاحى». السيسى حرص على دعوة قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوى وقادة الجيوش والمناطق العسكرية، بينما غاب رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى لسفره إلى السودان صباح الأحد. شباب الجامعة ألهب المسرح بأغانى الحرب، وبينها «خلى السلاح صاحى»، «أنا الشعب»، «أحلف بسماها»، و«مصر التى فى خاطرى» و«يا حبيبتى يا مصر» و«فيها حاجة حلوة»، و«بلدنا حتضيع من إيدينا»، أما الشاعر الكبير الخال عبد الرحمن الأبنودى فقدم رائعته أوبريت «حبيبى يا وطن»، الذى لحنه وليد سعد، وبطولة النجم أحمد بدير، وشارك فيه من النجوم إلى جانب شباب الجامعة فنانون مصريون وعرب، مدحت صالح ولطيفة وحكيم وحسين الجسمى وآمال ماهر ونبيل شعيب ومحمد فؤاد وهانى شاكر، وقدم كل منهم أغنية، بينما أرسل الفنان نبيل شعيل رسالة اعتذار صوتية لظروف مرضه، ثم شاركوا جميعًا فى أغنية «مصراوى» التى كتب أشعارها نادر عبد الله.