في الاستراحة المزخرفة المؤدية إلى المكتب التنفيذي لمحافظ كفر الشيخ، تظهر صورة مركبة للمحافظ وهو يطل على مشاهد من محافظته. وهذه الصورة مهداة إلى «معالي المحافظ سعد باشا الحسيني». يبدأ إريك تراجر، الباحث والمحلل الأمريكي المتخصص في الشؤون المصرية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مقالا مطولا بمجلة فورين بوليسي بهذه الكلمات. يقول تراجر: إن أقل شيء يمكن قوله عن هذه اللافتة أنها تمثل "طريقة رجعية لمخاطبة المحافظ». فالباشا العثماني المبجل أطيح به من مصر تدريجيا من مصر بعد ثورة 1952، ودلات هذا الوصف الأرستقراطي من الصعب أن تناسب رجل كان قبل عامين فقط يعيش على حافة القانون كقيادي كبير بجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت آنذاك منظمة إسلامية محظورة بنت سمعتها على تقديم الخدمات الاجتماعية للفقراء من المصريين.
لكن مع هذا، فالإخوان قبلوا بزخرف السلطة المحدث باستمتاع شديد. يقول لي أحد مساعدي سعد الحسيني «هم (الإخوان) كانوا في السجن قبل عامين .. وهو يستمتعون بالسيارات والشقق التي حصلوا عليها كمسؤولين».
الآن وقد صعد الإخوان إلى قمة التل السياسي في مصر، فهي تفعل كل ما في وسعها للبقاء هناك. مسؤولو الإخوان يؤكدون أن سلسلة الانتصارات الانتخابية التي حققوها منذ الإطاحة بحسني مبارك قبل عامين تمنحهم الشرعية – وهي كلمة يستخدمها الإخوان بشكل غريزي للدفاع عن أي شيء، بدءا من التعيينات الجماعية التي يقوم بها مرسي لأعضاء الإخوان في المناصب السياسية الكبرى إلى إعلانه الدستوري في 22 نوفمبر الذي منحه نفسه بموجبه صلاحيات مطلقة.
لكن على رغم السلطة السياسية للإخوان، فإنهم لا يتمتعون بأي سيطرة فعلية. حتى منذ إعلان مرسي الدستوري والاندفاع نحو عملية كتابة دستور، وهناك سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة والاضرابات العمالية والمصادمات بين الشرطة والمتظاهرين التي جعلت البلد في حالة من شبه الفوضى. الاقتصاد المصري الضعيف بالفعل في مرحلة السقوط المريع وحالة عدم الاستقرار العرضية أجبرت الجيش على تحمل مسؤولية السيطرة على مدن القناة، في حين أن الجماعة الإسلامية التي تصنفها الولاياتالمتحدة منظمة إرهابية، نشرت أعضاءها لتمشيط محافظة أسيوط. وسعي الإخوان المركز فقط على الإخوان حفز مقاومة كبيرة لحكمها، ومن ثم أسهم في عدم الاستقرار في مصر. لكن الإسلاميين لا يظهرون أية إشارة على تغيير المسار، ومن الواضح أنهم يعتقدون أن زيادة سلطاتهم هو السبيل الوحيد لمواجهة ما يرونه مؤامرة واسعة ضدهم.
خلال السنة الأولى من رئاسته، فإن مرسي ورفاقه في الإخوان ركزوا مباشرة على التعامل مع التهديدات المتصورة لسلطتهم في مؤسسات الدولة مثل أجهزة الأمن والإعلام والقضاء. يلفت تراجر إلى أنه بعد دخل مرسي في صراع بالفعل مع القضاء والإعلام، فإن الدور سيكون على وزارة الداخلية القمعية. ويقول: مثلما قال لي (القيادي الإخواني) محمد البلتاجي فإنه يرى دوره المستقبلي في «العلاقات العسكرية المدنية وفي إعادة هيكلة وإصلاح وزارة الداخلية. أضاف البلتاجي أنه ضمن إجراءات أخرى، أنه "سيسمح لخريجي الجامعة بالتدريب على العمل الشرطي «بدلا من جعله قاصرا على التدريب الشرطي لخريجي كليات الشرطة». وعندما سؤل عنى معنى السماح للإخوان بالانضمام للشرطة، قال البلتاجي إنه "من حق الإخوان المسلمين رفع الحظر» الذي كان مفروضا عليهم في عهد مبارك، لكن الإخوان لن يسعوا لمميزات خاصة لأعضائهم.
وبرغم تلك التطمينات، فإن تصريحات البلتاجي عن دوره المتوقع في إصلاح الداخلية، التي كنت أول من أثارها، تسببت ضجة إعلامية كبرى في مصر. والكثير من المصريين يخشون من أن السماح للإخوان بالانضمام لوزارة الداخلية سيمكنهم على مدار الوقت من استخدام الوزارة كأداة لفرض أجندتهم الدينية. وإعلان الشيخ مؤخرا رفعه الحظر على التحاق الإخوان بكلياته من المرجح أن يصعد من حدة هذه المخاوف بشأن محاولة أخونة المؤسسات القوية.
يشير تراجر إلى أن البلتاجي شكك في ما نسبه إليه عن مسؤوليته عن إصلاح الداخلية، وقال إن عمله سيتم من خلال البرلمان، لكنه لم يوضح ما الذي سينطوي عليه إصلاح الداخلية، وحول مقابلة تليفزيونية إلى هجوم على شخص تراجر بوصفه بالصهيوني والمخادع.
لكنه سواء شرح البلتاجي خطط الإخوان المحددة لإصلاح الداخلية أم لم يشرحها، فمن حق المصريين أن يشعروا بالقلق. فالإخوان جميعا ملتزمون بقسم السمع والطاعة لقادتهم رغم كل شيء، وهو ما يثير شكوكا مهمة حول استعدادهم لتنفيذ تعليمات قادتهم في المؤسسات الأمنية. والأكثر من هذا، أن الإخوان استخدموا العنف ضد معارضيهم في الماضي القريب، فعندما نظم غير الإسلاميين احتجاجات أمام قصر الاتحادية ضد إعلان مرسي، نشر الإخوان كوادرهم لمهاجمة المتظاهرين، ومثلما أفادت النيويورك تايمز، قام أنصار مرسي بتعذيب بعض المحتجين وضغطوا عليهم لتقديم اعترافات بأنهم تلقوا أموالا لاستعمال العنف في الاحتجاجات ضد مرسي.
من ناحية أخرى، فإن أداء الإخوان في الوزرات الحساسة التي يسيطرون عليها، أسهم فقط في زيادة عدم الاستقرار في البلد، وقوض قدرة الجماعة على بسط سيطرتها.
وفي الأيام القادمة، فإن ما يتوقع من الإخوان هو اعتمادهم على استراتيجيتين في محاولتهم لبسط سيطرتهم. الأولى هي أنهم سيحاولون متى كان ذلك ممكنا، التغلب على البيروقراطية، ويقول وزير الشباب المنتمي للإخوان، أسامة يس إن الوزراة سوف تخدع مؤسساتها بحيث تصل خدماتها – بما في ذلك البرامج الثقافية والمعسكرات والتدريب الخاص بالعمل – تصل مباشرة إلى الشباب أو منظمات المجتمع المدني ذات الصلة.
ينكر يس في تصريحاته لتراجر أن هذه الخدمات سيتم تقديمها عن طريق قنوات تسيطر عليها جماعته الإخوان المسلمين من أجل تعزيز طموحاتها السياسية. ومع هذا، فإن أداء الإخوان في الوزارات الأخرى يرجح أن هذا هو نهج الجماعة. على سبيل المثال، وزارة التموين التي تديرها الإخوان فوضت مؤخرا نشطاء منتمين لحزب الإخوان بتوزيع سلع غذائية بأسعار أقل من سعر السوق كآلية لكسب التأييد الشعبي في الانتخابات البرلمانية القادمة.
أعلن حزب الإخوان السياسي كذلك في العاشر من مارس أنه يدرس تشريعا يسمح للدولة بالاستعانة بشركات أمن خاصة لاستعادة الأمن نظرا لغياب الشرطة، وصرح القيادي الإخواني صبري أبو الفتوح أن مثل تلك الخطوة سوف تتغلب على ابتزاز الموالين للنظام السابق لوزارة الداخلية.