حين تكسر بيدك السد الذي يحميك، هل من المنطقي أن تغضب أو حتي أن تشكو حين يجتاحك الطوفان وتغرق؟ السؤال يأتي بمناسبة خبر، ثم نص محاضرة نشرتهما الدستور، يقول الخبر إنه، وفي إحدي قري المنيا «قرية أبوحنس» احتفلت الكنيسة الإنجيلية بانضمام 40 (أرثوذكسيا سابقا) إليها! كما نشرت «الدستور» أيضاً النص الكامل لمحاضرة مجدي خليل وهو أرثوذكسي من أقباط المهجر، قال حسب النص المنشور الأقباط يواجهون نفس الإرهاب الذي تعرضت له أمريكا في 11 سبتمبر والذي تعرضت له لندن ومدريد وموسكو وبالي وبومباي وتل أبيب، ولكن الفرق أن الأقباط يتعرضون لهذا الإرهاب الإسلامي منذ عقود ومن خلال الدولة ذاتها..... الأقباط في معظمهم يؤيدون السلام مع إسرائيل ويريدون غلق ملف العداوة طالما أن الأراضي المصرية المحتلة عادت كاملة، في حين تري أجهزة الأمن القومي ومعها الشارع الإسلامي أن إسرائيل هي العدو الأول لمصر وللإسلام.... ما أود أن أقوله إن تقوية وضع الأقباط في مصر هو مصلحة غربية وأمريكية ويهودية، لأن الكتلة القبطية الكبيرة في مصر هي التي تحاول منع مصر من أن تتحول إلي دولة إسلامية جهادية معادية للغرب ومعادية لإسرائيل. وفضلا عن أن هذه العبارات كلها قاطعة الدلالة بشأن الرباط الوثيق بين ما سماه مجدي خليل الكتلة القبطية الكبيرة في مصر، وبين ما اعتبره مصلحة غربية وأمريكية ويهودية، وفضلا عن الربط اللازم الذي نطق به نص المحاضرة بين ما اعتبره يواجه الأقباط وما تواجهه تل أبيب، هذا الربط الذي لم ترد عليه الكتلة القبطية الكبيرة في مصر، بل حظي بمساع واضحة للمساندة حين تعرض لتفنيد مستحق. وفضلا أيضا عما جاء في المحاضرة من تأليب واضح لقوي الغرب ضد مصر، ذلك التأليب المتكرر في كتابات وتصريحات أقباط المهجر، وهتافات ولافتات تظاهرات أقباط حوش الكاتدرائية والذي لا يجرؤ الغرب حتي الآن علي الاستجابة له، بسبب توازنات المصالح والقوي العالمية، وبسبب ما أشعله وتورط فيه من حروب. فضلا عن هذا وذاك فإن الربط بين الخبر «تحول 40 أرثوذكسيًا إلي المذهب الإنجيلي»، ونص المحاضرة مصلحة مشتركة للأقباط وأمريكا وتل أبيب واضح كالشمس، وهو ربط علي طريقة السبب والنتيجة في أشد نماذجها بساطة، ذلك أن موقف الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، المعادي للكيان الصهيوني، كان عمليا أهم وأكبر ما يضع حدا فاصلا واضحا بينها وبين البروتستانت، الذين يؤمنون بعقيدة «الملك الألفي»، أي عودة المسيح عليه السلام في بداية الألفية الثالثة (التي بدأت فعلا وقطعنا منها 10 سنوات) ليحكم العالم ألف سنة من العدل والرخاء، علي أن هذه العودة لن تتم حسب معتقدهم قبل توطيد أركان الكيان الصهيوني، باكتماله من النيل إلي الفرات، وبناء هيكل سليمان المزعوم. وحين يسقط هذا «الحد الفاصل» فإنه من المنطقي بل من البدهي أن تميل كفة التحول لصالح الكنيسة الإنجيلية «البروتستانتية»، علي النحو الذي أشارت إليه تفاصيل خبر «الدستور» حيث جاء فيه أن «الأنبا بيشوي» سكرتير المجمع الأرثوذكسي أكد خلال مؤتمر «تثبيت العقيدة» بالفيوم بواسطة C.D يحتوي علي خطة إنجيلية محكمة عمرها 10 سنوات تهدف لجذب كل أتباع «البابا شنودة» للطائفة الإنجيلية خلال 25 عاماً، أن الخدام في الكنائس الآن وهم الشباب أكثرهم متأثرون بالفكر الإنجيلي. الأنبا بيشوي إذن يلاحظ بحق أن خدام الكنائس الأرثوذكسية متأثرون بالفكر الإنجيلي!! ولو سأل أحدهم نفسه عن سر هذا التأثر، لوجد الإجابة واضحة، في بطون الكتب، وفي الممارسات اليومية. وملخصها أنه إضافة إلي إسقاط الحد الفاصل المتمثل في الموقف من الكيان الصهيوني، نجد أيضا التوجه نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية، واعتبار الهجرة إليها هي «ذروة الطموح» الذي تسعي إليه «الكتلة القبطية الكبيرة في مصر»، وفي ظل «الحلم الأمريكي» يصبح التحول نحو الكنيسة الإنجيلية تصرفا طبيعيا، فالولاياتالمتحدة ليست مجرد دولة ذات غالبية بروتستانتية، لكنها «المصدر الأول» لنشر البروتستانتية في العالم. يقول كتاب «تاريخ الكنيسة المصرية» تأليف: رفيق حبيب ومحمد عفيفي، وتقديم رفعت السعيد : «في عام 1854 بدأ (في مصر) عمل الإرساليات الأمريكية، التابعة للكنيسة المشيخية المصلحة في شمال أمريكا (إنجيلية).... وكان أندرو واطسن يري أن المسلمين يحتاجون لإنجيل المسيح، ومثلهم الأقباط، وكذلك اليهود. ولكنه رأي، من الخبرات السابقة، أن العمل مع اليهود غير مشجع، لأنهم لا يتجاوبون مع الرسالة، أما الأقباط، فقد كان واطسن ينظر لهم مثل المسلمين..... إن هذه الرؤية، توضح موقف المسيحي الغربي المتشدد من المسيحية الشرقية. فمنذ فترات ضاربة في القدم، كان الشقاق بين المسيحية الغربيةوالشرقية واضحا، وكان المسيحي الغربي ينفي في بعض الأحيان عن المسيحية الشرقية صفتها المسيحية. ومن هذه الرؤية، كان الرجل الغربي، أو الرجل الأبيض، يطل بملامحه الحضارية من داخل المرسل؛ لذلك نجد واطسن يصف الأقباط بالجهل والغيبية». وقبل أن نذهب إلي علاقة نشاط الإرساليات الإنجيلية وغيرها بصدور «الخط الهمايوني»، ثم إلي «الرفض» المقابل الذي يحكم موقف الكنيسة القبطية من الكنائس الأخري، قبل هذا نقف لتحرير ما ورد في العبارة السابقة، من أن مبعوث الكنيسة المشيخية «أندرو واطسن» رأي أن العمل مع اليهود غير مشجع، وأعود مرة أخري إلي تعبير «منطقي بل بدهي» لأصف رد فعل اليهود غير المشجع، والذي أجده طبيعيا للحد الذي يغري بإعادة صياغة المثل القائل «علي من تلقي مزاميرك ياداود؟» ليصبح «علي من تلقي إنجيلك يا واطسن؟» إذ اليهود لا يمكن أن ينضموا لدين يعتبرون أنفسهم أصلا له، ويقر لهم بهذا «مارتن لوثر» مؤسس المذهب البروتستانتي في كتابه «المسيح ولد يهوديا» الذي أتمه في 1523م، حيث يقول: «لقد كانت مشيئته (مشيئة الرب) أن يكون إنعامه علي العالم بالدين من خلال اليهود وحدهم دون سائر البشر. فهم أبناؤه الأثيرون إلي قلبه، وما نحن إلا الضيوف الغرباء علي مائدتهم، وقدرنا هو أن نقنع بأن نظل الكلاب التي تلتقط الفتات المتساقط من مائدة أبيهم». ويصف الكاتب الويلزي «جون بوويز» ما يسميه «هوس العهد القديم» لدي الإنجليز قائلا: إنهم ليسوا قادرين علي «ممارسة الدين إلا من خلال كل ما هو مشرب بالمشاعر اليهودية وكل ما هو نتاج للمخيلة اليهودية». علي النحو الذي جعل «ديفيد بن جوريون» يقول في كتابه «انبعاث إسرائيل وقدرها»: «إن كتاب المسيحيين المقدس شكل أقوي وثيقة لملكية اليهود لفلسطين بأرومة تعود إلي 3500 سنة مضت». ويقول «د. رفيق حبيب» في كتابه «المسيحية والحرب» إنه: «خلال الإصلاح البروتستانتي (القرن السادس عشر) بدأت علامات علي إعادة تهويد المسيحية، بسبب إعادة اكتشاف بعض مفاهيم الكتابة العبرية. فلقد أكد المصلحون أهمية العودة إلي الكتاب، كمصدر رئيسي وحيد للوحي المسيحي». والمقصود بالكتاب هو التوراة والإنجيل معا، وكونه المصدر الوحيد للوحي المسيحي يعني استبعاد أي مصادر أخري، ما يجعل تأثير التوراة يجتاح ويهيمن علي أي تأثير محتمل لهذه المصادر الأخري، ككتب التعاليم مثلا. والخلاصة أنه عندما يصبح الكيان الصهيوني حليفا، والولاياتالمتحدةالأمريكية حلما ومثالا، فإن هذا يدعم الخطة التي أشار إليها «الأنبا بيشوي» لتحويل الأقباط إلي إنجيليين، فهل يدرك الأقباط حقيقة الرسائل القادمة من «المهجر» ولصالح من تعمل؟