كان صوت شادية بأغنيتها «يا حبيبتى يا مصر» هو الضوء الذى سرى فى وجدان الثوار مع بداية ثورة اللوتس وعاد صوتها مجددا بعد عامين فى نفس التوقيت، ليضمد الجراح فى بورسعيد وهى تقول «أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد لتبوس لى كل إيد». أمس كان عيد ميلادها، ليست هناك احتفالية خاصة تقيمها الفنانة الكبيرة، ولكننا نطل على صفحات من حياتها بعد أن آثرت هى الابتعاد.
تفضل شادية دائما الهدوء، وليس هذا الأمر مرتبطا بقرار الاعتزال الذى اتخذته قبل أكثر من ربع قرن. شادية بطبعها عزوفة عن أجهزة الإعلام، ولن تجد فى أرشيفها المقروء والمسموع والمرئى إلا القليل جدا. وعندما اعتزلت كانت حريصة على أن لا تتورط مثل عدد من الفنانات اللاتى أعلن أن الفن حرام وتبرأن من أعمالهن الفنية. فقط اعتزلت بلا ضجة ولم تتبرأ من أى فيلم أو أغنية.
آخر مرة استمع فيها الناس إلى صوت شادية فى أثناء الثورة، حيث إن إحدى القنوات استغلت مشاعر شادية كأم بل وجدة حتى لو لم تعش تلك المشاعر فى الواقع، لأنها لم تنجب، إلا أنه قد تم استغلالها لتوجه نداء إلى الشباب للعودة إلى بيوتهم .
هناك من أراد استخدام شعبية شادية لتحقيق مكاسب سياسية، فهى لم تكن يوما صوتا لأى نظام، بل هى دائما صوت لمصر، فقط أرادت أن توقف نزيف الدماء فى ميدان التحرير فتصورت أن عودة الشباب إلى بيوتهم هى الحل.
نعم كان صوتها يشد من أزر الثوار طوال 18 يوما حتى رحيل الطاغية، إلا أن الغناء الوطنى يعبر عن وجه واحد فقط من ملامح شادية.. جمعت شادية بين كل الأطياف والألوان الغنائية، فسكنت أغانيها القلوب. فمن ينسى صوتها الضاحك «يا دبلة الخطوبة»، أو صوتها الشجى «ليالى العمر معدودة»، أو صوتها الوطنى «يا حبيبتى يا مصر»، ثم تناجى الله قبل الاعتزال «خذ بإيدى».. دائما هى حاضرة معنا فى حياتنا، نعيش معها الحب بكل أطيافه لله والوطن والبشر.
شاركت العديد من كبار المطربين فى أفلامهم محمد فوزى، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ، كمال حسنى، كان اسمها أكبر من عبد الحليم، ورغم ذلك ساندته فى أول أفلامه «لحن الوفاء»، وشاركت الوجه الجديد كمال حسنى بطولة فيلمه الوحيد «ربيع الحب»، لم تتنازل عن القمة.
وكانت تقول على الفنان قبل أن تودعه الأضواء يودع هو الأضواء.. وقدمت عشرات الأفلام التى دخلت ذاكرة الناس ومن بينها «أغلى من حياتى»، شاركت صلاح ذو الفقار البطولة، وقدما دورى أحمد ومنى، وانتقل هذان الاسمان من الشاشة إلى الشارع، ودائما ما يردد الناس فى الشارع تعبير أحمد ومنى على العمل الفنى الذى يقدم علاقات رومانسية بين حبيبين.
طموح الممثلة شادية لم يعرف الحدود.. كل المطربين والمطربات الذين سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات، ولكن شادية حطمت هذا القيد بداية من «اللص والكلاب» للمخرج كمال الشيخ الذى قدمته فى مطلع الستينيات.
مع كمال الشناوى عشنا أهم دويتو عرفته الشاشة المصرية أسفر عن 33 فيلما، وقال لى الفنان الراحل كمال الشناوى إنه ظل حتى سنواته الأخيرة يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، لأنهم صدقوا ما تقدمه الشاشة، والغريب أن كمال كان قد تزوج من شقيقة شادية السيدة عفاف شاكر.
ابتعدت شادية عن الفن، ولكنها لم تجرمه أو تحرمه مثل العديد من الفنانات اللاتى أعلن ذلك، وأتذكر عام 1995 أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قرر تكريم شادية ووافقت بعد أن اتصل بها الراحل سعد الدين وهبة رئيس المهرجان.
أبدت شادية موافقة مبدئية، ولكن فى اللحظات الأخيرة تراجعت، وتردد وقتها أن الشيخ محمد متولى الشعراوى أقنعها بالاعتذار، فاكتفت بالصمت.
وسوف تلاحظ أن الصمت هو واحد من معالم شادية فى مشوارها الفنى والشخصى، ولكنها خرجت عن صمتها قبل ثلاث سنوات عندما تردد أن هناك من يسعى إلى تقديم مسلسل عن مشوارها، وقالت لا أريد لأحد أن يقدم قصة حياتى، وتوقف تماما هذا المشروع!!
شادية الممثلة أمام الكاميرا تصبح نغمة مرئية، وعندما تغنى تحيل كل الأحاسيس المرئية إلى نغم يستقر فى الوجدان.. شادية كل سنة وأنت طيبة.