الإخوان عملوا على تشويه الغضب الشعبى باختزاله فى «تنظيمات مخربة».. وألصقوا التهم بمجموعة غير منظمة اسمها «بلاك بلوك» قبل انطلاق الذكرى الثانية للثورة بأيام قليلة، ظهرت مجموعة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، أطلقت على نفسها اسم «بلاك بلوك»، أى الكتلة السوداء، استنادًا إلى اعتمادها اللون الأسود زيًّا موحَّدًا ومميَّزًا لأفراد المجموعة، بجانب القناع الذى يساعد فى إخفاء هُوِيَّة الفرد.
وفى صورة واضحة، أحدثت جدلًا فى المجتمع المصرى، وصخبًا إعلاميًّا واسعًا، أعلنت الصفحة الرسمية ل«بلاك بلوك» فى بيانها التأسيسى نيتهم استخدام العنف لتحقيق أهداف الثورة، وأوضح البيان أن الفكرة هى أسلوب احتجاجى ظهر قبل نحو 40 عامًا كجزء من الاحتجاجات اليسارية وأن مشاركتهم فى الأحداث تعتمد على تكتيكات دفاعية بنسبة 95%، أى مواجهة العنف بالعنف، وتكتيكات هجومية بنسبة 5%.
على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، اندلع غضب شعبى حقيقى امتدّ إلى محافظات مختلفة ضد جماعة الإخوان المسلمين وسياساتهم فى الحكم، عملت الجماعة على تشويه موجة الغضب الشعبى باختزاله على أنه من صُنْع تنظيمات مخرِّبة، فألصقت غالبية الحوادث بتنظيم «بلاك بلوك»، مما دفع النائب العامّ المعيَّن من قِبَل الدكتور مرسى إلى إصدار قرار بضبط وإحضار أعضاء التنظيم فى المحافظات المختلفة، والحصيلة حتى الآن «صفر».
فأجهزة الأمن واجهت صعوبات حقيقية فى تعقب أعضاء «بلاك بلوك» لعدم وجوده من الأساس بالشكل التنظيمى التقليدى المتعارَف عليه، ويبدو أن الرئيس مرسى، والحزب الحاكم، وأجهزة الأمن والإعلام، والنيابة العامة، تسير على خُطَى مبارك بشكل مثير للدهشة.. حيث التجاهل التامّ للأسباب السياسية والاجتماعية وراء الأحداث الأخيرة، والاكتفاء بالبحث عن تنظيم أو مجموعات لتحميلها مسؤولية ما حدث.
وفى الواقع لا يوجد تنظيم متماسك اسمه «بلاك بلوك»، والموجود فى الشارع عبارة عن حالة غير منظَّمة، ف«بلاك بلوك» ليس تنظيمًا يستوعب أعضاءه عبر قيادة مركزية وأخرى وسيطة فى المحافظات، تضع استراتيجية، وتخطِّط للعمليات، وتدرِّب عليها، وتموِّلها.
الحقيقة أن فكرة اللجوء إلى العنف فى النضال السياسى باتت موجودة بشكل واسع بين أوساط الشباب، بغضّ النظر عن التنظيمات المعبِّرة أو المنظّمة لذلك، وبغض النظر أيضًا عن جدية بعضها ووهمية البعض الآخر، فالشباب أيقن أن النظام الحالى لا يفهم إلا تلك اللغة التى رسَّخها عبر ممارسات عديدة، وتكرر استعراض الإخوان للقوة مرات عديدة، من بينها أيضًا محاصرة مبنى دار القضاء العالى.
وعندما فضّ الإخوان اعتصام الشباب أمام «الاتحادية» بالقوة، وحطم الخيام، واعتدى على المتظاهرين، جُنَّ جنون الشباب من الظلم البيِّن الواقع عليهم على مرأى ومسمع من الجميع ومن الأسلحة التى رأوها بأعينهم فى يد أعضاء الحزب الحاكم، فانطلقوا يبحثون عن أسلحة مثل أسلحة الإخوان لردعهم، وهو ما أشعل «الاتحادية» مساءً، ولا ننسى أولتراس الأهلى الذى لجأ إلى التهديد بالفوضى والعنف من أجل القصاص لشهدائه، إذن أصبح التهديد بالفوضى والعنف مسارًا طبيعيًّا فى الحياة السياسية المصرية.
وعندما ظهرت فكرة «بلاك بلوك»، كانت الحالة مهيَّأة ومستعدة لاستخدام العنف وسيلةً للنضال السياسى وتحقيق أهداف الثورة، وربما كان «القناع» الذى يرتديه الشباب هو أحد الأسباب التى أعطت انطباعًا بأن أعداد «بلاك بلوك» كبيرة ومنتشرة، والحقيقة أن «القناع» و«تلثيم الوجه» أصبح طريقة يتبعها كل الشباب والمشاركين فى الأحداث بغضّ النظر عن انتمائهم إلى «بلاك بلوك» من عدمه، حرصًا على عدم الملاحقة القانونية.
«بلاك بلوك» ليس التنظيم أو المجموعة الوحيدة التى قررت استخدام العنف، ولكن قد تكون الأولى التى أعلنت عن نفسها، فالغضب كامن وما ظهر منه إلا قليل.