في مجتمع افتقد هيبة القانون، وسيطر العنف فيه على الشارع كبديل للسياسة، من الطبيعي أن تبرز حركات احتجاج اجتماعي تعبر عن شباب غاضب، فشلت السياسة في استيعابهم، ويسعون كجماعات للقيام بدور الدولة المفقود داخل المجتمع وتحديداً لحظة الأزمة. من هذه الحركات ظاهرة "بلاك بلوك" التي عبرت عن نفسها في الشارع المصري بالمواجهات سواء مع قوات الأمن لحماية المتظاهرين أو الأماكن الحيوية التي استهدفها العنف العشوائي. ورداً على تلك الحركة ذات الطابع المدني - اليساري، شكلت عناصر شبابية داخل التيار الإسلامي تنظيمًا منافسًا أطلقت عليه "وايت بلوك" أي الكتلة البيضاء، عبرت عن نفسها باستخدام شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك مساء أمس، ومعلنة عن وجودها. شأن الحركة الأولى، تحاول الحركة الثانية تصوير نفسها بالملائكة البيض، وأن نشأتها أتت كرد فعل طبيعي على عنف الشياطين السود، ولذا تحمل أفكارًا مثالية لمواجهة العنف بشكل ذاتي، ولكن هذه المرة تجاه ما تعتبره تجاوزات الشارع نفسها وليس السلطة كما تفعل الأولى، من خلال الدعوة لحماية الممتلكات العامة والخاصة من التخريب والدمار، الذي تسبب فيه خروج احتفالات المصريين بالعيد الثاني للثورة عن أطرها السلمية وشيوع العنف الذي بات يهدد الدولة والمجتمع في آن واحد. إذ دعا هؤلاء، شباب التيار الإسلامي، الانضمام للحركة الجديدة والعمل على نشره أفكارها والترويج لها داخل قوى هذا التيار، حتى تشكل حركتهم الجديدة قوة لها ثقلها على الأرض. وذلك اعتمادًا على موجة غضب داخل الشباب الإسلامي بسبب ما يعتبرونه استهدافًا مباشرًا لرموزهم ومقارهم الإدارية، بل أحيانًا عقيدتهم الدينية، وهو ما دفع ببعض قيادات الوسط داخل قوى هذا التيار للتحذير من أن القيادات العليا يمكن أن تفقد السيطرة الأدبية والتنظيمية على شباب التيار الإسلامي. رغم أن صفحة الحركة على "فيسبوك" وصل عدد مؤيديهم إلى 7100 مؤيد، فإنها أعلنت أنها لن تبدأ العمل الميداني إلا حينما يصل عدد أعضائها إلى 10 آلاف عضو، ومن ثم تظل ظاهرة تسبح في الفضاء الافتراضي أكثر من كونه تعبيراً عن واقع مادي بالشارع، إلا أن ثورة يناير أظهرت أن التغييرات الكبرى التي حدثت داخل مصر كان منشأها هذا الفضاء وعمليات التواصل الشبابي داخله، ما أكد قدرته على الحشد والتعبئة. إلا أن الهجوم الذي تعرضت له "بلاك بلوك" بسبب ما نسب إليها من أعمال عنف وتخريب، أثارت تساؤلات كبيرة حول جدوى هذا النوع من العمل الاحتجاجي السري، فمن المؤكد أن تلك الأعمال وتحديداً تجاه المنشآت العامة والحكومية ليس للتنظيم يدًا فيها، الذي يوجه عنفه ضد الأمن وجماعة الإخوان المسلمين حسب تأكيدات قادته. إلا أن دخول البلطجية ومثيري العنف على خط "بلاك بلوك" من حيث ارتداء الأقنعة السوداء وتوجيه العنف نحو السطو المسلح والتخريب، أفقد التنظيم النقاء الثوري، وقضى على مصداقيته داخل الشارع، وأحرجه سياسياً، وهي إحدى مشاكل العمل السري على الدوام التي لا تسلم من المندسين والمخربين، فكان وصم التنظيم بالإجرامي محصلة موضوعية للتحول من العلنية وللسرية في العمل الاحتجاجي، وبداية تخلي العديد من فروعه داخل المحافظات عن سرية الاحتجاج للحفاظ على شرعية الاحتجاج، كما حدث بالبحر الأحمر، إذ أعلن فرع الجماعة تخليه عن السرية، وحل الجماعة والمشاركة في الاحتجاج بشكل علني مع حظر ارتداء الأقنعة خلال التظاهر. وهذا التحول يمكن أن يشكل قيداً تنظيمياً على شيوع ظاهرة "وايت بلوك" يقضي عليها منذ البداية، وزاد من وطأته تخلي كل قوى التيار الإسلامي عن هذا التنظيم الذي بات لقيطًا سياسياً. حيث أكد الشيخ علاء عيد أبو النصر، الأمين العام لحزب البناء والتنمية -الذارع السياسية للجماعة الإسلامية أن شباب الجماعة ليس لهم أي علاقة أو ارتباط بهذا التنظيم الجديد، وأن شباب الجماعة والحزب يعلنون عن أنفسهم إذ قرر النزول للشارع بشكل علني، مؤكداً أن الحزب والجماعة يرفضان نهج الفعل ورد الفعل، لكونه سيقود لغياب دولة القانون والعنف. وتابع: "لذا يجب على الشعب المصري التصدي لهؤلاء المخربين أي كانت انتماءاتهم العقائدية، لمواجهة العنف في الشارع". وأكد أبو النصر، مبادرة الحزب لتكوين لجان شعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة، وربط هذا الطرح، بمدى فاعلية الشرطة في مواجهة العنف السائد بالشارع المصري. من جانبه، انتقد محمد عطية عضو المكتب التنفيذي لائتلاف ثوار مصر، ظهور مثل هذا التنظيمات السرية على الساحة الآن، واعتبرها تشويها متعمدا لصورة الثورة ونقائها، وبمثابة انحراف عن مسارها الطبيعي والسلمي، مؤكداً أن شباب الجماعات الإسلامية ليس لهم علاقة بهذا التنظيم الجديد، بل دعا للتصدي له حتى لا يقود إلى مزيد من العنف داخل الشارع المصري. كما نفي الدكتور سعد عمارة، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية العدالة، ارتباط الحزب أو جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم "وايت بلوك"، وانتقد المروجون لهذا الارتباط بوصفهم من ممولي العنف في مصر، وتشويه صورة الإخوان. وإذا كان المتحدث باسم الجماعة الدكتور أحمد عارف، اعتبر أن تلك الظاهرة رد فعل طبيعي لظاهرة "بلاك بلوك" التخريبية، حسب وصفه، من قبل مواطنين يسعون للحفاظ على مؤسسات بلدهم، إلا أنه في نفس الوقت نفي أي علاقة للجماعة مع التنظيم، الذي اعتبره بفكره غريب على البيئة المصرية، أو وجود انتماء لشباب الجماعة إليه. وأكد أن موقف الجماعة معلن بهذا السياق رفض العمل السري، والإصرار على العلنية لكونها ليس لديها ما تخفيه. كما رفض الدكتور خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية أي علاقة للجبهة وأعضائها أو حزب الشعب الذي يمثلها سياسياً بهذا التنظيم، ورفضت الدعوة السلفية وحزب النور أيضاً أي ارتباط بين شبابها والتنظيم.