.. بخبرة 17 عامًا داخل الوفد أقول لكم: .. الأسوأ مما نشر عن صفقة الوفد والوطني والتي نفاها الطرفان، هو رد فعل الوفد الذي اختار طريقًا قانونيًا في موضوع سياسي، وكان الأولي أن يرد سياسيًا علي مقال إعلامي يحتمل الخطأ والصواب والاجتهاد الذي يملك أسبابه.. .. فمنذ سنوات بعيدة، وقضية الصفقات الانتخابية، حاضرة في الثقافة السياسية الوفدية، التي عرفت في سنوات سعد والنحاس العديد من الصفقات التي تمت بين القصر وأحزاب صغيرة ولدت كي تلعب هذا الدور الذي كان يستهدف في العادة إقصاء الوفد وليس العكس. .. ما بعد عودة الوفد في 1984، دخل الوفد صفقة «علنية» مع الإخوان في إطار تحالف انتخابي انتهي في انتخابات 1987، بدخول الإخوان تحالفًا آخر مع حزبي العمل والأحرار. .. كانت الصفقات الانتخابية في وفد فؤاد سراج الدين، كما كانت في عهد النحاس وسعد زغلول تتسم بالوضوح والشفافية والعلنية التي تطهرها دائمًا من شبهة المؤامرة، بل تغلب المبادئ علي المصالح، فقد كان النحاس مثلاً يخلي بعض الدوائر من أي مرشح للوفد لصالح رموز وقيادات سياسية من أحزاب أخري توافق الوفد سياسيًا ووطنيًا. بينما الصورة اختلفت كثيرًا، خاصة في انتخابات 1995، حيث أثيرت شائعات كثيرة في إطار تفسير نجاح ياسين سراج الدين في دائرة قصر النيل في مواجهة حسام بدراوي وسقوط نعمان جمعة، في ذات الانتخابات بعد معركة قوية في دائرة إمبابة مما فسره البعض بصفقة لإنجاح شقيق سراج الدين وإسقاط منافسه نعمان، بينما كان الأقرب للحقيقة أن الوفد لم يكن طرفًا في هذه الصفقة التي يفسرها البعض بميل النظام لاختيار ياسين كوجه معتدل تربطه صلات قوية بالقيادة السياسية وقيادات حزبية حكومية «كمال الشاذلي»!! ..عندما تولي الدكتور نعمان جمعة رئاسة الوفد ومن خلفه ذراعه اليمني محمود أباظة، ونصيره الثاني وذراعه اليسري منير فخري عبدالنور خاض انتخابات عام 2000، وفي ذهنه واقعة انتخابات «قصر النيل» وما كان إعلانه شعار معركة «ال 100 مقعد» سوي محاولة لتحسين شروط التفاوض علي عدد أكبر من المقاعد التي حصل عليها الوفد في 1995. .. النظام في مصر لم يستجب للخيال الوفدي، والتفت عن فكرة التواصل أو إجراء صفقة مما أدي لحصول الوفد علي سبعة مقاعد فقط لا غير، مما أحدث صدمة في الرأي العام الوفدي!! .. الذي صدمه أيضًا ما حدث من صفقة ضيقة، انتهت بإنجاح مرشح الوفد في دائرة دمنهور «خيري القلج» في انتخابات لم يتمكن قلج نفسه أن يدلي فيها بصوته لنفسه!! .. وأعود لمعركة ال 100 مقعد، وأكشف لكم سرًا لم يسبق الإفصاح عنه وهو أني حاولت جاهدًا تحسين موقف الوفد بعد الهزيمة النكراء في معركة ال 100 مقعد التي انتهت بفوز 7 فقط!! فعرضت علي الدكتور نعمان جمعة عقب ظهور النتائج وقبل بدء جلسات البرلمان أن أتصل بعدد من النواب الذين نجحوا كمستقلين ومعظمهم تربطني بهم صلات طيبة وعلاقات وطيدة فوافق نعمان في البداية بعد أن تأكد أن جميع الأسماء المقترحة لا علاقة لها بالإخوان المسلمين. بالفعل عقدت اجتماعًا بمنزلي ليلة افتتاح جلسات البرلمان وحضره 21 نائبًا شابًا جميعهم مستقلون وناقمون علي الحزب الوطني، وانتظرت حضور الدكتور نعمان إلا أنه لم يحضر !! وأثناء انتظارنا لحضوره وصلتني نسخة الطبعة الأولي من جريدة« الوفد» فوجدت خبرًا يتصدر صفحتها الأولي يقول فيه الدكتور نعمان نصًا: «الوفد لن يضم نوابًا مستقلين ولو سعوا إليه زحفًا علي البطون». .. التقيت في اليوم التالي مسئولاً كبيرًا في الجلسة الافتتاحية للمجلس وسألني دون مقدمات: هل حضر نعمان لمنزلك بالأمس؟! قلت: لا !! قال : أعرف!! .. خرج نعمان من الوفد، وتغيرت أشياء كثيرة- للأسوأ أو للأحسن- .. إلا أن أشياء أخري لم تتغير!!