قال الدكتور جلال أمين الخبير الاقتصادي المصري المعروف وأستاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة اليوم "أنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل الاقتصادي بشكل عام، وهو أصعب من المعتاد في حالة مصر في ظل الظروف التي نمر بها الآن". وكان أمين يتحدث اليوم في اللقاء الثاني من سلسلة مناقشات المائدة المستديرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة التي خصصت لمناقشة الوضع الحالي للاقتصاد المصري والتحديات التي تواجهه مع التركيز على التوقعات المستقبلية وعقدت تحت عنوان: "الاقتصاد المصري: توقعات 2013". وبدأت سلسلة مناقشات المائدة المستديرة بالجامعة الأمريكية العام الماضي تحت عنوان "ما وراء الأحداث". وقال الخبير الاقتصادي المصري المعروف "هناك ثلاث أسباب لصعوبة هذا التنبؤ أولها هو أن كل مظاهر الازمة الاقتصادية الحالية في مصر الآن من عجز للموازنة وللميزان التجاري وتدهور الاحتياطي الاجنبي وانخفاض قيمة الجنيه والتضخم ترجع إلي أسباب سياسية في المقام الأول وليست اقتصادية". وأوضح "أن الحالة الاقتصادية لمصر لم تكن جيدة قبل الثورة ،ولكن المشكلة الاقتصادية الان مختلفة عن ما قبل الثورة". وأضاف امين "ان كل مظاهر الامن سيئة والثقة مفقودة بين الحكومة والمستثمرين والسائحين والاقباط لان لهجة الخطاب السياسي الان هي العودة للعصور الوسطي فلا تتعجب من عودة الاقتصاد للعصور الوسطي أيضا". وقال ان السبب الثاني لصعوبة التنبؤ بالمستقبل الاقتصادي لمصر هو" ان التوقع اصعب علي المدي القصير لان ما حدث في العامين الماضيين ليس امتدادا لما حدث في الخمس سنوات التي قبل الثورة". وأضاف " ان السبب الثالث لصعوبة التنبؤ هو ان اهم التطورات التي تحكم الاقتصاد في مصر سياسية ويبذل المسئولون عن اعلانها جهدا لكى يتم اخفائها او اعلان عكسها". وضرب أمين مثلا لذلك بقوله "إن الحكومة لم تعلن مرة واحدة عن أسباب تأجيل توقيع اتفاق القرض الذي تطلبه مصر من صندوق النقد البالغ 4.8 مليار دولار ولم تعلن رسميا عن شروط القرض". وأضاف مثال آخر مثل ظهور قانون الصكوك فجأة بقوله "أن الحديث فجأة عن قانون للصكوك الاسلامية يصدر خلال ايام يترتب عليه حصول الحكومة علي 200 مليار دولار.. فأين المشكلة الاقتصادية اذن التي نتحدث عنها". وأوضح "أنه عندما تقرأ قانون الصكوك الإسلامية لا تفهم أي شيء ولا تستطيع ان تصفها بانها سندات او عقود ايجار او تمليك لأنها خليط من هؤلاء جميعا". وقال " ان الحكومة تروج لها وكل مشكلتها ان يوافق عليها شيخ الازهر باعتبارها لا تخالف الشريعة الاسلامية، رغم ان اغلب خبراء الاقتصاد الذين اعرفهم لا يفهمون ما هي طبيعتها او اهميتها لإقرارها في قانون عاجل". وعبر امين عن تخوفه من اصدار هذه الصكوك بقوله " انني متخوف جدا من هذه الصكوك حيث انها شبيهة بنفس فكرة الصكوك الشعبية التي طرحتها حكومة نظيف عام 2009 قبل الثورة وكان سيترتب عليها تملك الاجانب ومنهم الاسرائيليين للمرافق العامة في مصر". وعن الحلول قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة " اننا يجب ان نتعلم درس الاستفادة من الماضي ، ومصر مرت بثلاث ازمات اقتصادية مماثلة في حدتها لأسباب مختلفة عام 1967 وعام 1975 وعام 1987 تم حلها جميعا بالمساعدات الخارجية من دول عربية او الولاياتالمتحدةالامريكية وفي كل مرة ندفع ثمن سياسي رهيب لهذه المساعدات". وأضاف " انه رغم هذه الازمات الثلاثة التي حدثت خلال اقل من 50 عام فان الحكومات المتعاقبة لم تستطع علاج هشاشة الاقتصاد المصري وتحويل مواردنا التي تعتمد علي الخدمات والسياحة الي موارد تعتمد علي الصناعة والزراعة". وتوقع أمين ان تحل الازمة الاقتصادية الحالية مثل الازمات السابقة قائلا" اتوقع ان تقوم قطر والسعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية بتقديم مساعدات مالية لمصر ،لان مصر اهم للعالم من ان تترك للغرق وكل الحديث عن الافلاس هو كلام غير دقيق يراد به تخويف المواطنين". وأضاف" انني اشك ان تكون الحالة الامنية المتدهورة ليست بسبب ان الشارع والامن غير منضبطين وان يكون هذا مخططا لإشاعة الرعب بين المواطنين لأنني لا اقتنع ان يفشل اربع وزراء داخلية في ضبط الشارع خلال عامين". وعن المقابل لهذه المساعدات قال "لا أري ثمن تطلبه هذه الدول غير طلب بيع أو ايجار المرافق العامة مثل قناة السويس وغيرها عن طريق الصكوك التي ارى انها حل لازمة رأس المال العالمية التي تبحث عن شراء الاصول في الدول النامية". واتفق معه الدكتور احمد كمالي رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة وقال " انني اتوقع ان تستمر الحالة الاقتصادية كما هي لمدة عامين او ثلاث سنوات وان يصل سعر صرف الدولار الي 7 جنيهات قبل منتصف عام 2013 الذي سيشهد معدل نمو اقل من 2.5 ، وزيادة نسبة الفقر". وأضاف" ان اهم اسباب انخفاض النمو الاقتصادي هي استمرار انخفاض معدل الاستثمار الذي انخفض من 16 % خلال العام المالي 2011-2012 الي 11% خلال الربع الاول من العام المالي 2012-2013 ". وقال " ان الاستثمار الاجنبي المباشر انخفض من 13.2 مليار دولار العام المالي 2007-2008 الي نحو 2 مليار دولار العام المالي 2011-2012 ووصل الي 158 مليون دولار في الربع الاول من العام المالي 2012-2013 " حسب ارقام وزارة التخطيط والتعاون الدولي المصرية. وأوضح " ان تحقيق التنمية المستدامة يحتاج معدل نمو عالي 5 او 6 % سنويا لا يتحقق الا بمعدل استثمار يتراوح بين 20 و25 %". وقال " ان كل البيانات الرسمية لا تعطي سببا جيدا لتحقيق تحسن اقتصادي ،فانخفاض معدل النمو يرجع الي انخفاض معدل الاستثمار وانخفاض الصادرات واتباع سياسية تقشفية لتقليل عجز الموازنة". وحذر الدكتور سامر عطا الله مدرس الاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة من الاستمرار في الاتجاه لسياسة السوق قائلا "ان الرئيس مرسي وحكومته يتبعون نفس سياسية الفترة الاخيرة في حكم مبارك في الاتجاه لاقتصاد السوق الذي اثبتت فشلها في مصر وبلدان اخري". وأضاف " ان اكبر مثال لذلك هو استمرار انحياز الحكومة للاستثمار ورجال الاعمال بالحديث عن فتح الباب للتصالح مع رجال الاعمال الهاربين من مصر واهمال الملفات الحرجة مثل اصلاح السكك الحديدية التي توصف بانها الة موت". وأوضح "إن الانحياز الشديد لأليات السوق واطلاقها دون وجود دور للدولة يؤدي لانتظارنا حوادث اخري يموت فيها عشرات المصريين وتكشف انحياز الادارة الحالية ضد فقراء المصريين". ومن جانبها كانت الدكتورة منال عبد الباقي مدرسة الاقتصاد بالجامعة الامريكية بالقاهرة اكثر تفاؤلاً وقالت "ان مصر لديها امكانيات نمو كبيرة جدا اهما ان 60% من شعبها اقل من 35 سنة وان لديها عمالة نصف مؤهلة يمكن تأهيلها بدون تكلفة عالية وان قطاعها المصرفي عميق وقوى". أضافت " ان مصر تضعها المؤسسات العالمية ضمن افضل 11 دولة في خريطة الاستثمار العالمي ،لكنها تشترط حدوث استقرار سياسي نهائي عام 2014 والا سيتم ازالة اسم مصر من هذه المجموعة". وطالبت عبد الباقي الحكومة المصرية بوضع عقد اقتصادي شامل لمدة 30 عام تنفذها أي حكومة تحكم البلاد بغض النظر عن اتجاها السياسي لكي نحقق نهضة اقتصادية مثل ماليزيا واندونيسيا والصين.