قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إنه سيهتم خلال المرحلة القادمة بملف تطوير التعليم الأزهري عبر الاستعانة بأساتذة وخبراء لمراجعة المناهج وما سبق من إجراءات في هذا الشأن، وملف الحوار مع الآخر والانفتاح علي كل الديانات والحضارات. ونفي وجود علاقات تربطه مع أحد من قيادات الإخوان المسلمين، مؤكداً أن أي تحرك أو علاقات مع أي جهة ستكون في إطار ثوابت الأزهر ووسطية الفكر والثقافة الإسلامية، وأشاد بسلفه محمد سيد طنطاوي وترحم عليه كثيراً، نافياً ما تردد عن هجوم الشيخ يوسف القرضاوي علي الرجل بعد وفاته قائلاً: «لا أظن أن فضيلة الشيخ القرضاوي قد قال ما يردده البعض عن الإمام الأكبر علي لسانه». وقال شيخ الأزهر في حوار مع «الدستور» خلال احتفال أهالي الأقصر باختياره شيخاً للأزهر: إنه سيعتمد منهج الحوار والوسطية مع الجميع، مجدداً حرصه علي الحفاظ علي مكتسبات وثوابت الأزهر الشريف. وحول دراسته العلمية قال «الطيب»: والدي كان من علماء الأزهر الشريف وجدي ووالد جدي أيضاً، وقد حفظت القرآن الكريم وعمري 10 سنوات وستة أشهر والتحقت بالمعهد الديني في مدينة إسنا التي تبعد 60 كيلو متراً عن الأقصر، ولم تكن وسائل المواصلات ميسرة في ذلك الوقت إذ كانت عبارة عن حافلة واحدة تقوم بهذه الرحلة مرتين في اليوم، وكان من الصعب عليَّ فراق أهلي وأنا مازلت في الحادية عشرة لكنني وجدت نفسي في مدينة أخري وتلقيت العلم في هذا المعهد لمدة 4 سنوات وحصلت علي الشهادة الابتدائية، ثم التحقت بمعهد قنا الديني لمدة 5 سنوات وحصلت علي الثانوية الأزهرية عام 1965، حيث كان نظام العلمي والأدبي حديثاً في ذلك الوقت ودخلت القسم العلمي رغبة مني في أن أكون طياراً لكن والدي أخرجني بالقوة من هذا القسم وأدخلني القسم الأدبي وسافرت إلي القاهرة والتحقت بكلية اللغات والترجمة وللمرة الثانية أخرجني والدي منها إلي كلية أصول الدين، وكان من الطبيعي في ذلك الوقت أن يستجيب الابن لرغبة والده ويتنازل عن رغبته، فقد كان هذا هو شأن أبناء جيلي من الشباب، فمعارضة الأب والأم كانت أمراً غير وارد حتي لو لم تكن الأم مثقفة أو متعلمة وأغلبهن، كن كذلك إلا أن قيمة طاعة الوالدين مترسخة في الفرد لدرجة أن الأب هو الذي يوجه ابنه حسبما يراه في مصلحته، ثم تخرجت في كلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة عام 1969 وكنت الأول علي دفعتي، وصادفت صعوبات في تعييني آنذاك كمعيد بالكلية بسبب أنني من الصعيد ولم ينصفني إلا الشيخ أحمد الباقوري رحمه الله وعبدالعزيز كامل وزير الأوقاف وشئون الأزهر آنذاك. تدرجت في سلك أعضاء هيئة التدريس وحصلت علي الماجستير في «مشكلة الجبر والاختيار في العقيدة الإسلامية»، ثم حصلت علي الدكتوراه عن دراسة عن فيلسوف نشأ يهودياً في القرن الخامس الهجري وهو «أبوالبركات البغدادي» ثم أسلم في آخر عمره وكان له نقد دقيق لفلسفة أرسطو وابن سينا، وقبل حصولي علي الدكتوراه سافرت إلي فرنسا في منحة لجامعة السوربون لأقل من عام لجمع المادة العلمية، ثم ناقشت الرسالة هنا في مصر وسافرت مرة أخري إلي فرنسا في منحة 9 أشهر تعرفت خلالها علي أساتذة فرنسيين متخصصين في الفلسفة الإسلامية.. وسكنت مع أسرة فرنسية بالحي اللاتيني، وكانت أسرة مثقفة استفدت منها الكثير وهذه الأسرة دخلت الإسلام بعد أن تركتها بشهرين، حيث جاءت إلي القاهرة وأشهرت إسلامها، وهي الآن تقيم بين مصر وفرنسا، وقد صرح لي أفراد هذه الأسرة بأنهم لاحظوا أثناء إقامتي معهم بأن هناك انضباطاً في السلوك من شاب في هذه السن مما كان غريباً بالنسبة لهم كما لاحظوا مسألة غض البصر واقتداءً بالرسول صلي الله عليه وسلم الذي كان إذا طرق الباب تيمن أو تيسر عنه حتي لا يقع بصره علي من بداخل الدار، كان ذلك الأدب النبوي هو الذي شد هذه الأسرة إلي الإسلام. وأكد شيخ الأزهر أن الفتوي تختلف باختلاف المكان والزمان، فمثلاً في أوروبا الآن هناك مجلس أعلي للفتوي مقره بريطانيا يراعي حالة المرأة المسلمة التي تعيش في دولة غير مسلمة، ولا يلزمها المجلس بالحجاب لأنه قد يعرضها للأذي، كما أباح للناس أن يتعاملوا مع البنوك التي تعطي فوائد علي الودائع لأنهم لا يجدون وسيلة أخري لاستثمار أموالهم، كما أجازوا للمسلم الأوروبي أن يرث والديه غير المسلمين حتي لايكون الإسلام عقوبة له، ومثل هذه الفتوي لها أصول في التراث حيث إن «أبوحنيفة» يري أن المسلم إذا عاش في مجتمع غير إسلامي فإنه لا تلزمه أحكام كثيرة مما يلتزم به المسلمون في الدول الإسلامية، وأضاف «الطيب»: لقد سافرت إلي السعودية عام 1979 وأمضيت بها سنة واحدة في التدريس بجامعة «محمد بن سعود» بمدينة الرياض، وقد كان لتجربتي في العمل بالمملكة أثر كبير في نفسي، رغم قصر مدة إقامتي بالرياض حيث استفدت كثيراً من احتكاكي المباشر بعلماء المملكة، ثم سافرت إلي قطر من عام 81 حتي عام 1984، ثم إلي الإمارات لمدة سنة، ثم قطر مرة أخري من عام 92 إلي عام 1995، كما قمت بالتدريس في مدينة إسلام أباد الباكستانية بالجامعة الإسلامية العالمية لمدة عام من 99 إلي 2000 وكنت عميداً لكلية أصول الدين هناك.. وكنت أستاذاً زائراً في «قريبور» بسويسرا لمدة شهر حيث جري حوار حول الإسلام والمسيحية، كما حضرت عدة مؤتمرات في المغرب حول الصوفي الشهير «محيي الدين بن عربي» وحضرت مؤتمرات في باريس عام 1997 لمدة أسبوع عن الشيخ «مصطفي عبدالرازق» المفتري عليه وكان بحثي لتبرئته من تهمة أنه كان يهاجم سيرة السيد البدوي الذي وضعوا علي لسانه قوله بأنه كان جاسوساً للدولة الفاطمية، وقابلت ابنه السفير ممدوح عبدالرازق فنفي قطعياً أن يكون والده قد تعرض لمثل هذا الكلام. وحول المرأة وقضاياها قال الدكتور أحمد الطيب: إن المرأة هي الأم والأخت والابنة.. وأنا مع حقوقها الإسلامية كاملة، وأري المرأة العربية والمسلمة علي قدر كبير من الأخلاق والقيم لكنني أشفق عليها من تسلط الرجل ودائما أحارب النظرة الدونية عند الرجل الشرقي للمرأة، فالمرأة مخلوق له كل الاحترام والتقدير والمنزلة التي يتمتع بها الرجل الشرقي والتي عودته علي الغطرسة أحياناً، ومن واجبه إذا كانت المرأة علي خلق وصالحة ومتمسكة بدينها أن يشكرها خاصة علي ما تقوم به في البيت، كما يجب أن يكون دائم الحديث معها بطيب وحلو الكلام حتي تتحقق له السعادة ويتقي المشاحنات، أما أن ينظر إليها علي أنها مجرد منظفة للبيت ومعدة للطعام ومربية للأولاد دون النظر إليها علي أنها عنصر مهم في البيت وفعال يُحترم في رأيه ومشورته فهذا غير معقول من الزوج، أما الزوجة فعليها أن تهتم بزينتها أمام زوجها وأن تهتم به قدر اهتمامها بأطفالها فهذا يجعل الحياة الزوجية مستقرة وبعيدة عن الخلافات والاضطرابات وهذا ما رسمه الإسلام لكل منهما. وحول تأثر فتاويه بصوفيته قال: لا نستطيع القول بأن التصوف يؤثر في الفتوي، حيث إن الفتوي حكم شرعي منضبط بضوابط معينة، وقد جمع كثير من العلماء بين التصوف والفقه، وخير مثال علي ذلك الإمام «أبوحامد الغزالي» الذي كان قمة في التصوف كما كان في الفقه وأصوله.