منذ عهد الأسطورة الكوميدية الراحلة "إسماعيل ياسين" حتى يومنا هذا؛ عانينا من نفس الأزمة، دون أن نجد لها حلاً، ودون أن يعترف البعض أنها أزمة من الأساس! الأمر بدأ باستغلال "سُمعة" ل "كاراكتر" الشاويش الغبي الذي يعشق الناس فيه طيبته وتلقائيته وإنسانيته المفرطة، ويضحكون على غبائه غير المقصود، ليتحول إلى سلسلة أفلام حققت نجاحاً كبيراً مع الجمهور.
ومن وقتها حتى يومنا هذا، انتقلت عدوى هذه الظاهرة من "إسماعيل ياسين" إلى معظم فناني عصرنا الحالي؛ بفارق أن أحداً من الممثلين الذين ساروا على هذا النهج، ليس "إسماعيل ياسين"، وليس مشاهدو تلك الأيام هم نفس جمهور الخمسينيات والستينيات!
فسيناريو استغلال الفنانين لشخصيات قدموها من قبل في أعمال كأدوار صغيرة، وبعد نجاحها يستغلونها في أدوار بطولة لأفلام تحمل اسم الشخصية؛ ما زال مستمراً، ولم يتوقف عند الفنان محمد سعد أو "اللمبي" الذي قدّم شخصية "اللمبي" من خلال دور صغير في فيلم "الناظر"، وبعد نجاح الشخصية مع الجمهور قدم فيلم "اللمبي"، وبعدها فيلم "اللي بالي بالك"، كما يحضّر حالياً لمسلسل يحمل اسم "ألف لمبي ولمبي"، وكان من المفترض أن يكون اسم فيلمه الجديد الذي يصوره حالياً "اللمبي 8 جيجا"!
في فيلم "اللمبي" نفسه الذي قام على شخصية فرعية في فيلم سابق، ظهرت شخصية فرعية أخرى هي "فرنسا" التي أدّتها الفنانة الكبيرة "عبلة كامل"؛ لتستغل بعدها نفس الشخصية في فيلم مستقل يحمل "كلِّم ماما"، قبل أن تواصل استغلال الشخصية أكثر في فيلم حمل اسمها وجاء بعنوان "خالتي فرنسا".
أما الفنان "أحمد مكي"؛ فكانت له نفس التجربة من خلال استغلاله لنجاح شخصية "دبور" التي قدمها في مسلسل "تامر وشوقية"، ثم ظهر بها مع عادل إمام في فيلم "مرجان أحمد مرجان"، ثم قدم باسمها أيضاً فيلماً منفصلاً بعنوان "إتش دبور" ولعب فيه نفس الشخصية.
وبشكل مختلف قدمت الفنانة "مي عز الدين" نفس "الكاركتر" في أكثر من عمل من خلال شخصية "جميلة" الفتاة السمينة التي تعشق الأكل، والتي جسدتها في فيلم "أيظن"، ثم استغلتها مرة أخرى تحت اسم "نسمة" في فيلم "حبيبي نائماً"!
ومن "حبيبي نائماً" ل"حين ميسرة" الذي قدم فيه الفنان الموهوب "عمرو عبد الجليل" شخصية "فتحي"؛ ذلك المواطن البسيط الذي يبدّل ترتيب حروف كلماته بطريقة كوميدية، ليواصل تقديم نفس الشخصية باسم مختلف في فيلم "دكان شحاتة" قبل أن يستقل بها في فيلم جديد بعنوان "كلمني شكراً" تحت اسم "إبراهيم توشكى".
وفي "كلمني شكراً" ظهرت شخصية "صلاح معارك" التي قدمها الفنان ماجد المصري، ونشرت "اليوم السابع" خبراً يفيد بتحويلها إلى فيلم منفصل تدور أحداثه حول شخصية "معارك"!
والآن.. وبعد كل هذا الكمّ من التكرار والاستغلال.. دعونا نتساءل.. هل عملية إعادة الصنع، أو ال "Remake" -كما يطلق عليها صناع السينما ونقادها- في مصلحة الجمهور أم ضده؟ ولماذا أصبح تفكير البعض يتشابه مع مبدأ الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" القائل: "أنا أفكر إذن أنا موجود" مع إدخال التعديل عليها لتصبح: "أنا لمبي إذن أنا موجود"؟!
البعض يُرجع الأمر إلى رغبات الجمهور التي يغازلها المنتجون، ويشكّلون، بناء عليها، أفلامهم؛ لضمان النجاح والإيرادات، وأن المشاهد المصري إذا لم تكن هذه الظاهرة تروق له؛ لما حققت غالبية تلك الأفلام كل هذه الإيرادات التي حققتها، وبالتالي ليس من حق أي شخص أن ينتقد الفنان، أو المؤلف، أو المخرج، أو المنتج المسئول عن إعادة استغلال وتصنيع أفلام تعتمد على "كاراكتر" أحبه الجمهور؛ لأن العملية في النهاية تخضع لقانون "العرض والطلب"!
البعض الآخر يؤكد أن ما يحدث لا يمكن وصفه سوى أنه إفلاس فكري، وفقر فني من جانب الممثل الذي من المفترض أن يعتمد على التنوع وعدم التكرار؛ حتى لو كانت هذه الشخصية قد قدمها في دور ثانوي على الشاشة؛ فلا بد وأن يبحث عن التنوع والاختلاف حتى لا يصاب الجمهور بالملل من أدائه، بشكل يضر بهذا الفنان ويؤثر على مشواره الفني، وأن الجمهور -ليس كله- على قدر من المسئولية والنضج؛ بل إن بعضه في حاجة لعمل فني جيّد، وفكرة متميزة تعالج واقعه، وترتقي بفكره ووجدانه، ولو سلمنا لرغباته وأذواقه بشكل تام فسننحدر خلف بعض الجمهور الذي ليس على قدر من المسئولية لاختيار السلعة الفنية المناسبة، ولظلمنا قطاعاً من الجمهور يبحث عن عمل فني هادف، وسلعة فنية راقية!
البعض الثالث يطالب بألا نحمّل هؤلاء الفنانين فوق طاقتهم؛ إذ إن هذا "آخرهم" وأقصى ما لديهم من موهبة وقدرات فنية، وأنهم من البداية يؤكدون أن هدفهم هو تقديم أعمال مسلية فقط، وأنهم ليسوا مناضلين أو مفكرين.
ولا تزال الآراء تختلف وتتنوع، ولا تزال الظاهرة مستمرة.. فماذا عنك أنت عزيزي القارئ؟ هل أنت مع هذه الظاهرة أم ضدها؟ وأي هذه الآراء تتبنى؟