تُعدّ اللوحة الملعونة أو لوحة L.H.O.O.Q من أكثر اللوحات التي أثارت ضجة كبيرة داخل الوسط الفني، حيث اعتبرها البعض صدمة للعديد من الفنانين والنقاد، وصفعة قوية للوحة الموناليزا الأصلية للفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي. قام الفنان الفرنسي مارسيل دوشان برسم هذه اللوحة عام 1919، حيث أعاد تشكيل لوحة الموناليزا من جديد مضيفا إليها شاربا ولحية صغيرة بشكل هزلي، وعقب ذلك انتقده الكثيرون لأنه استهتر بأساليب الفن التقليدية، وخالف الأساليب التي كانت مُتّبعة في عصر النهضة، وقام بتشويه لوحة الموناليزا الأصلية. كان دوشان قد ولد في فرنسا عام 1887، وظل فنانا مجهولا لدى الكثيرين بسبب محاولة الإعلام والوسط الفني التعتيم عليه وعلى أعماله، لكنه بالرغم من ذلك كان من أكثر الفنانين تأثيرا في القرن العشرين، وأكثرهم جرأة بأفكاره. تبنى دوشان فكرة الفن كعدم، فابتعد عن كل ما هو تقليدي، وأضاف إليه كل ما هو غير تقليدي وغير مُتّبع في ذلك الوقت، بهدف السخرية من النقاد ومن تقاليد فنون القرون الوسطى الراسخة والجامدة. قدّم دوشان إصدارات متعددة من لوحته بأحجام مختلفة على مدى حياته المهنية، كان من ضمنها نسخة أبيض وأسود من لوحة الموناليزا المعدّلة، وتحمل اللوحة اسم L.H.O.O.Q الذي أطلقه عليها دوشان، إشارة إلى الأنثى المسترجلة عند نطقه بالفرنسية. وقد فسر بعض النقاد سبب رسم دوشان لهذه اللوحة، بأنه كان يقصد الإشارة إلى الازدواجية الجنسية للفنان ليوناردو دافينشي، حيث أشار بعض النقاد والمحللين إلى أن لوحة الموناليزا ما هي إلا بورتريه شخصي لدافينشي الذي يرى في نفسه جانبا أنثويا، واعتقد العالم النفسي سيجموند فرويد أن دافينشي كان مثليا جنسيا، ولم تكن الموناليزا غير صورة للأنثى التي بداخله، لذلك قام دوشان بتأكيد هذا الاعتقاد مضيفا بعض الملامح الذكورية على اللوحة حتى يبرز الازدواجية الجنسية لدافينشي. يُسمى هذا الأسلوب الذي اتبعه دوشان في رسم هذه اللوحة، أسلوب اللوحات الجاهزة أو الاستنساخ، وهو إضفاء بعض اللمسات الجمالية على لوحة مرسومة من قبل، ويعتبر دوشان رائدا لهذا الأسلوب. وقد أثار دوشان فضيحة فنية برفعه مرحاضا إلى مقام التحفة الفنية في أحد أعماله السريالية، لكن الوسط الفني الفرنسي رفضه ورفض أفكاره واعتبرها نوعا من أنواع التشويه للفن، بينما وصفه الفنان والناقد أندريه بريتون -مؤسس المدرسة السوريالية- ب"منارة السريالية"، وأكد أنه الرجل الأكثر ذكاء في القرن العشرين. كان دوشان أقل إثارة للانتباه عن سائر الفنانين المعاصرين له، وحين توفي عام 1986 لم يهتم لوفاته الكثيرون، سوى جريدة ألفيجارو التي نشرت هذا الخبر في إحدى زواياها بينما خصصت نيويورك تايمز صفحتها الأولى لهذا الحدث. وبعد وفاة الفنان مارسيل دوشان اشتهرت أعماله وفنه، وأصبح لكل فنان مدرسة ولكل فنان فلسفة يؤمن بها وتتضح بطريقة عمله ويقودها بنفسه، لذلك أصبح الفن المعاصر فنا متماهيا يرتكز على بعض المبادئ التي تمثل العصر من فكر وثقافة وأيدولوجية دينية وعرقية. وأنت عزيزي القارئ.. هل كنت تعلم من قبل عن وجود تلك اللوحة؟
يمكنك الاطلاع على: "الطفل الباكي".. اللوحة التي أحرقت العالم! "العشاء الأخير".. لوحة تحوي سر نهاية العالم! هل كانت "الموناليزا" تُعاني الشلل؟