عمر غازي في عالمنا العربي نصطدم بخطابين سائدين على النقيض حيال المسألة الإيرانية؛ الأول يرتكز على التهديد الطائفي والخطر العقائدي، والآخر يواجه هذا الخطاب على أنه استسلام إلى فوبيا التشيع الناتجة عن نَفَس طائفي يجب القفز عليه ومواجهته في سبيل وحدة الأمة ومواجهة العدو المشترك، بالإضافة إلى اعتقاد أصحاب هذا الاتجاه بمساهمة الدعاية الموجهة من قبل أعداء الأمة لتفريقها وشرذمتها في صعود هذا الانقسام، ومن المنطقي جدا أن ترتفع الأصوات من الطرفين الآن، خصوصا في مصر، في ظل النظام الإخواني المنفتح سياسيا واقتصاديا على إيران بعد عقود من التوتر. والواقع أن المسألة الإيرانية الراهنة تأخذ بُعدا آخر وإن تم تغليفه ظاهريا بالتشيع (الإثنى عشري)، وذلك لأنه قبل وصول نظام ولاية الفقيه للحكم عام 1979م، لم تكن الحالة الشيعية تشكل تهديدا في مجتمعاتها، بالرغم من وجود نفس التركيبة السكانية في بلداننا العربية، وعلى الرغم من ذلك لم يتم استدعاء هذا البعد الطائفي بين السنّة والشيعة في تلك الأقطار، سواء على المستوى السياسي أو الديني، كما أنه ليس من المعقول أن تكون المشكلة بحد ذاتها في تواجد الطوائف أو تنافسها داخل مجتمعاتها، بل إنها قد تشكل عاملا للإثراء الثقافي والحضاري، وإن وُجد بلا شك تيار من المتعصبين من جميع الطوائف يرتفع تارة ويخبو تارة أخرى وسط إطار من التعايش تفرضه الفطرة الإنسانية، وقواسم العيش المشترك. وهو ما يستوجب إعادة النظر في قراءة العوامل التي ساهمت في بروز هذه النزعة الطائفية والصراعات الحالية، حتى أصبح الشيعة متهمين في بلدانهم بولاءات خارجية تهدد النسيج الوطني منذ صعود الخميني لسدة الحكم في إيران. حمل نظام ولاية الفقيه على عاتقه منذ سقوط نظام الشاه تصدير الثورة لبلدان الجوار، مستخدما الأقليات الشيعية كمطية لقلب الأنظمة السياسية عن طريق النهج الثوري الانقلابي، إلى جانب قيامه بمد العلاقات من الحركات الإسلامية السنية التي تخاصم الأنظمة، مستخدما غطاء إسلاميا وشعارات معادية للكيان الصهيوني وأمريكا تعطيه جاذبية كبيرة، بالإضافة إلى بريق المطالب العادلة المتمثلة في العدالة الاجتماعية وإنهاء الاستبداد. وإلى جانب هذا الغطاء الذي يجد قبولا شعبيا وعاطفيا كبيرا، عمد إلى مد أذرعه السياسية في العديد من البلدان كلبنان والبحرين والكويت والسعودية وأخيرا اليمن وغيرها. استطاع النظام الإيراني وبدهاء سياسي أن يعكس البوصلة عن أهدافه ومواقفه العدائية الظاهرة كخلايا التجسس في بلدان الخليج، واحتلال الجزر الإماراتية، والتلويح بأن البحرين محافظة إيرانية، والتدخل في شئون بعض البلدان التي تضم أذرعا إيرانية، بالإضافة إلى محاولات تهديد أمن الحرمين الشريفين في الثمانينيات والتسعينيات، حتى بات موسم الحج ملعبا سياسيا بامتياز للمتظاهرين الإيرانيين. ناهيك عن الاضطهاد الذي لا تخطئه العين لعرب الأحواز رغم أكثريتهم الشيعية، والاستبداد الواقع ضد أهل السنة والجماعة في الداخل الإيراني، فاستطاع نظام الملالي عبر عملائه وأذرعه وإعلامه في الخارج، أن يقدم صورة مغايرة تماما بوصفه راعي المقاومة والممانعة وسط تخاذل وخذلان عربي، فانخدع البعض بمساعدته لحماس وأحداث لبنان 2006م، وشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل في الوقت الذي تُفاوض فيه إيرانالولاياتالمتحدة حول برنامجها النووي، وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى الآن للاسترسال في إظهار الوجه القبيح لإيران وذراعها في المنطقة العربية -حزب الله- لأن الثورة السورية بالفعل أسقطت القناع لكثير من المخدوعين بإيران وشعاراتها. خلاصة القول: الخطر السياسي من الوجود الإيراني في مصر يتجاوز المد الشيعي، فليست المشكلة مع التشيع في حد ذاته، وما يؤيد ذلك أن الكثير من الشيعة العرب أنفسهم لمسوا هذا البعد الشعبي القائم على أحقاد قديمة، ووقفوا في الصف المعارض لنظام ولاية الفقيه، ومنهم رجال دين ومرجعيات لها قيمتها الأدبية والعلمية. فطهران تمتلك مشروعا إقليميا معاديا للعروبة ولها أجندتها التي تعمل بكل جد واجتهاد على تنفيذها، وبالفعل قطعت فيها أشواطا كبيرة. إيران لديها حلم بإمبراطورية تطوّق جيرانها العرب كخيار أول، إن لم تستطع تحقيقه، فهي قادرة -على الأقل- على تصدير الطائفية إليهم وإشغالهم بالمزيد من الصراع الداخلي كما هو الحال الآن مع مصر السنية. التصدي لمثل هذا المشروع لن يكون إلا بنفس الأدوات التي يستخدمها، ونقل المعركة بعيدا إلى الداخل الإيراني الذي هو بالأساس مليء بالمشكلات. ويبقى السؤال: هل يعي الإخوان تلك المخاوف خصوصا وأن نظراءهم في سوريا اتضحت عندهم الصورة كاملة؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتعاملون معها بحذر؟ ربما يمثل التقارب الإيراني ورقة استراتيجية في مواجهة الخليج المتخوف منهم، أو قد يكون الإخوان مدينين لإيران!! ربما.. نُشر بمركز الدين والسياسة للدراسات