يوم 21 فبراير 1965 صعد مالكوم إكس ليلقي محاضرة بجامعة نيويورك حول سماحة الإسلام و"جماعة أهل السنة" التي يتزعمها، وأثناء المحاضرة نشبت مشاجرة في الصفوف الخلفية، فالتفت الناس إليها، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثة أشخاص من الصف الأول 18 رصاصة بصدر مالكوم ليودع العالم تاركاً ذكرى أكبر من النسيان. مالكوم الإفريقي الأمريكي المسلم، تستطيع بسهولة أن تجد قصة حياته على ويكيبيديا والكثير من المواقع الأخرى، يكفي أن تكتب اسمه بمحرك البحث جوجل لتجد كل المعلومات عن الرجل المسلم الذي لا يعرفه الكثير من المسلمين.
لذلك لن نقدم لكم اليوم نفس السيرة الذاتية المعادة، ولكم أن تبحثوا عنها إذا أردتم أن تعرفوا المزيد عن الرجل، ولكننا سنقدم شيئا جديدا وهو فصل من حياة الرجل منقولا من أحد مقالاته، فربما يخبركم موقفه من هو مالكوم إكس لتبحثوا عنه وتعرفوا تاريخه.
يحكي مالكوم إكس في مقاله "تعلّم أن تقرأ" عن تجربته داخل السجن الذي دخله قبل أن يتم عامه الحادي والعشرين، وهناك عرف عجزه عن كتابة بعض الخطابات، ولذلك قرر أن يعلّم نفسه بنفسه، يقول مالكوم إنه كان محبطا جدا عندما اكتشف أنه لا يستطيع التعبير عن نفسه أو عما يريد قوله في خطاباته، خاصة تلك التي كان يرسلها إلى "إليجا محمد"، وإنه اكتشف رغم قدراته اللغوية الكبيرة وذكائه الذي كان يظهر أثناء حديثه في الشوارع، أنه لم يستطع أن يكتب جملة واحدة كاملة وصحيحة، فلغته في ذلك الوقت كانت أشبه بتلك المصطلحات والاختصارات التي يستخدمها شباب اليوم، ولا علاقة لها باللغة الحقيقية.
ولكن الناس الذين سمعوه بعد ذلك يتحدث في محاضراته أو في التليفزيون لم يكونوا ليصدقوا أنه لم يكمل تعليمه، وأن كل هذا العلم قد تعلمه خلال 7 سنوات قضاها بالسجن.
في البداية أثار غيرته صديقه "بمبي" الذي كان مهتما بالمعرفة، والذي شبهه بموسوعة تمشي على قدمين، وحاول أن يقلده، ولكن محاولاته في القراءة كانت تبوء بالفشل؛ فهو لا يعرف معظم الكلمات المكتوبة وكأنها باللغة الصينية، ولكن هذا خلق لديه دافعا قويا ليدرس اللغة عن طريق القاموس، لذا طلب قاموسا وبعض الأوراق من سجانه، وعندما جاءه القاموس ظل ليومين يقلّب في صفحاته مندهشاً؛ فلم يكن يصدِّق أن هناك هذا العدد الهائل من الكلمات، ولم يكن يعرف أي الكلمات أكثر أهمية ليدرسها، لذا بدأ في كتابة القاموس، فقام بنسخ الصفحة الأولى كما هي تماما، حتى العلامات الموجودة بالصفحة قام بنقلها، وقد أخذ هذا منه يوما كاملا، بعدها بدأ في قراءة ما خطه بيده بصوت عالٍ، مرة تلو الأخرى لنفسه، وفي اليوم التالي لم يكن سعيدا فقط بالتعرف على كلمات جديدة، ولكنه كان سعيدا لاكتشافه معاني هذه الكلمات، فقد فتح له بحورا جديدة من المعرفة.
ويوم بعد يوم بدأ يعرف مالكوم إكس عالما جديدا من خلال الكلمات؛ أماكن وأحداثا وأشخاصا... وصفحة بعد صفحة وقسم بعد قسم، ومع الممارسة أصبحت العملية تتم بشكل أسرع، ويقول مالكوم إنه بكتابته للقاموس وللخطابات يكون قد كتب أكثر من مليون كلمة داخل السجن.
وبعد أن درس مالكوم هذا العدد الهائل من الكلمات استطاع ولأول مرة أن يلتقط كتاباً ويقرأه بشكل كامل، ومنذ ذلك الوقت وبعد خروجه من السجن كان يقضي كل أوقات فراغه في القراءة، والتي يقول عنها: "إنها جعلت الشهور تمر بدون حتى أن أشعر أنني مسجون، في الحقيقة إنني لم أكن حرا في حياتي مثلما كنت في ذلك الوقت".
هذا هو مالكوم إكس الذي علّم نفسه بنفسه، ولم يتوانَ عن التراجع عن الأفكار الخاطئة والمعتقدات التي ظل لسنوات مؤمناً بها، وتابعا لمروِّجها "إليجا محمد" بعد رحلته إلى الحج واكتشافه حقيقة الإسلام، وعودته إلى أمريكا، ورغبته في نشر صورة حقيقية ونقية عن الإسلام الذي لا يفرق بين أسود أو أبيض ولا بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى، قتله المتطرفون كما يقتلون كل شيء جميل في حياتنا.