الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرتين قادمتين من الشرق في إيلات    بالأسود.. لجين عمران تتألق في إطلالة جذابة وساحرة بمشاركتها بأسبوع الموضة بالرياض|شاهد    استشهاد 3 بينهم طفلان في غارة للإحتلال على غزة وتواصل القصف على شمال القطاع    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23-10- 2024 مع بداية التعاملات    جودة عبد الخالق: سكة صندوق النقد طريق سد.. والتباطؤ سيخفف الضغط لكنه لن يفيد    اليوم، استلام الشحنة الثانية من "البيض" المستورد لطرحه بالمجمعات الاستهلاكية    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    سلامة: المجلس الوطني للتعليم يضم بعض الوزراء والخبراء ورجال الأعمال    متوفرة في كل منزل.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة    سعر الجنيه أمام عملات دول البريكس اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 بعد انضمام مصر    نجم الأهلي السابق: كولر كسب الرهان على «طاهر محمد طاهر»    إبراهيم عيسى: اختلاف الرأي ثقافة لا تسود في مجتمعنا.. نعيش قمة الفاشية    عبد الرحيم حسن: فارس بلا جواد ربطني باقي العمر بمحمد صبحي.. وكان نقلة في مشواري    أصولي صعيدية.. نهى عابدين تكشف أسرارًا من حياتها الأسرية |فيديو    وزير التعليم: لا يوجد نظام في العالم لا يعمل بدون تقييمات أسبوعية    حالة وفاة وعشرات المصابين في أمريكا تناولوا وجبات ماكدونالدز، والكارثة في البصل    لمدة 4 أيام.. تفاصيل جدول امتحان شهر أكتوبر للصف الرابع الابتدائي    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    بريطانيا: ضربات روسيا بالبحر الأسود تؤخر إمدادات الحبوب للفلسطينيين ومصر    عشرات الغارات يشنها الاحتلال على بيروت ومناطق متفرقة في لبنان    ثروت سويلم: ما حدث عقب مباراة الزمالك وبيراميدز إساءة والدولة مش هتعديه دون محاسبة    ضبط المتهمين بسرقة مخزن شركة بالتجمع الأول    قبل أيام من الكلاسيكو.. رودريجو يوجه رسالة لجماهير ريال مدريد بعد إصابته    منصور المحمدي يُعلن ترشحه لمنصب نائب رئيس اتحاد الطائرة بقائمة مخلوف    أنتوني بلينكن: مقتل "السنوار" يوفر فرصة لإنهاء الحرب في غزة    بحفل كامل العدد|هاني شاكر يتربع على عرش قلوب محبيه بمهرجان الموسيقى العربية|صور    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    رياح وأمطار بهذه المناطق.. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة    «اللي حصل جريمة وكارثة».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على عقوبات الأهلي ضد كهربا    موعد مباراة مانشستر ستي وسبارتا براج في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    أمن كفر الشيخ يكشف لغز العثور على جثة شاب ملقاه بترعة في بيلا    نيللي كريم: لو حد عاوز يشتكي أوبر يكلم مين؟ وجمهورها يقدم لها الحل    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    القبض على المتهمين بقتل طفلة فى المقطم    بدلا من الذهب.. نقابة المصوغات والمجوهرات تنصح المواطنين بالاستثمار في الفضة    بينها عادات سيئة .. هؤلاء الأشخاص أكثر عُرضة لالتهاب الجيوب الأنفية    أرباح لوكهيد مارتن خلال الربع الثالث تتجاوز التقديرات    وزير المالية: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الإفريقية في مواجهة التحديات العالمية    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    الفنانة عبير منير تكشف كواليس تعارفها بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة: "عشنا مع بعض 4 سنين"    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مع نظيره الروسي    القبض على سائق سيارة نقل تسبب في وفاة شخصين بالتجمع    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    نائب الرئاسي الليبي يبحث مع مسؤولة أممية التطورات السياسية في ليبيا    أدباء وحقوقيون ينتقدون اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق    حلوى الدببة الجيلاتينية التى تباع في آلات البيع الألمانية تحتوى على سم الفطر    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    هل الإيمان بالغيب فطرة إنسانية؟.. أسامة الحديدي يجيب    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    قومي المرأة يهنئ المستشار سناء خليل لتكريمه في احتفالية "الأب القدوة"    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التبرير ل"القاعدة": الجحر الذي نلدغ منه مرات
نشر في بص وطل يوم 24 - 01 - 2013


يوسف الديني
إذا كنت تعتقد أن من حق أي جماعة متطرفة إعلان الجهاد، ورفع السلاح والخروج على الدولة بحجة تطبيق الشريعة، أو بناء معسكرات تدريب وتهريب السلاح، واستقبال أفواج من المقاتلين من كل أنحاء العالم، فلا تتعب نفسك بقراءة هذا المقال، ولتفعل ذلك إذا كنت تظن أن ثمة حربا صليبية دينية ضد الشعب المالي تقودها فرنسا وليس المجتمع الدولي، بدعم وطلب من حكومة مالي المحلية، التي لديها مع فرنسا اتفاقيات حماية تمتد إلى مرحلة ما بعد الاستعمار.

بالطبع إذا كنت من "قاعدة التبرير" وهم يملؤون الأرض طولا وعرضا، مدافعين عن فكر تنظيم القاعدة مع ادعائهم الوسطية والاعتدال والعمل السلمي، شريطة أن لا يمس عمل التنظيم بلدانهم، فخلافك مع تنظيم القاعدة هو خلاف في الفروع وليس الأصول في التكتيك وآلية العمل، وليس الأهداف العامة، وعلى رأسها تطبيق الشريعة على الطريقة الطالبانية، وقسر المجتمع على قناعات متطرفة، عبر بث الفوضى والترويع والتهجير.

عزيزي القارئ.. إذا كانت مصادر تكوين رأيك هي تويتر وأخواته، فأرجو أن لا تغلق متصفحك واذهب إلى يوتيوب، وابحث عن فيلم وثائقي من ساعتين عن الطوارق وطالبان إفريقيا، وهو فيلم تبجيلي لمتعاطفين يوثق مسيرة "القاعدة" في تلك المنطقة، وستجد حديث قيادات التنظيم عن أفكارهم المتطرفة كحال كل الأذرع الإعلامية للتنظيمات المتطرفة في التبرير لإرهابها واستهدافها للأجانب وكل الشخصيات المناوئة لها، بمعنى آخر هو توثيق ومقابلات حيّة مع التنظيم يساعدك في فهم ما يجري بعيدا عن شغب تويتر وضجيجه.

ل"القاعدة" في مالي وشمال إفريقيا تاريخ طويل يمتد إلى أكثر من 10 سنوات، حيث تمركزت مجموعات صغيرة من التنظيم في منطقة أزواد الصحراوية في الطرف الغربي لصحراء شاسعة تتصل حدودها بمالي والنيجر والجزائر، وفي 2004 أصبح المختار بن محمد بن المختار (جزائري من مواليد 1972) المعروف باسمه الحركي خالد أبو العباس أميرا للصحراء، بعد تعيينه من قبل عبد الملك دوركدال المعروف ب"أبو مصعب عبد الودود".

وبعد استقرار الأول في الصحراء، نشط في نشر الدعوة في المجتمع الأزوادي بشقيه العربي والطوارقي ومجموعات الزنوج، وكما هي الحال حين تغيب مركزية الدولة ودورها في الاستقرار وتلبية الحد الأدنى من أساسيات العيش، ومنها الأمن، فإن هذا يشي بولادة "القاعدة" متى ما توفرت هذه الظروف المثالية، من غياب الأمن وانتشار الفوضى وسهولة تهريب السلاح، ووقوع المنطقة بين دول تعيش أوضاعا غير مستقرة، لا سيما ليبيا التي ساهم مقاتلوها في مرحلة ما بعد سقوط القذافي في تكوين أكبر منطقة للسلاح واستقطاب المقاتلين.

لاحقا.. انفرطت سبحة التنظيمات المسلحة في المنطقة، وبلغت حتى الآن أكثر من 10 تنظيمات تختلف في التفاصيل الصغيرة، لكنها وفقا لصورة مكبرة تحاول بعث التجربة الطالبانية من جديد لكن بشكل أممي يستهدف المصالح الغربية، والأخطر أنه يملك زمام الحدود لكل الدول المجاورة لمالي، وصولا إلى تونس والمغرب وليبيا، بحيث يستطيع خلق ممرات آمنة وسهلة التنقل لعناصره، وبالطبع ساهم تململ المجتمع الدولي من الحرب الطويلة على الإرهاب والربيع العربي في غض النظر عن هذا النشاط الكبير ل"القاعدة" هناك، كما أن تردي الحالة الاقتصادية وعدم الرغبة في الدخول في أتون معارك جديدة جعل الولايات المتحدة تعامل "القاعدة" على طريقة "دعوني ما تركتكم"، وهذا ما نراه جليّا في الحالة اليمنية التي يتخلق فيها التنظيم في جنوب اليمن، مكررا تجربة مالي لكن برؤية مختلفة تستهدف الاستقرار أكثر من استعداء الغرب وجلبهم للمنطقة.

اللافت في الأمر نبوءة القذافي حول انفجار الأنبوب القاعدي في المنطقة في حال سقوطه، وهو ما يؤكد العلاقة التي كانت بين نظامه والمجموعات المسلحة ذات الطابع الثوري، والتي كانت تحوي قيادات من أزواد لم تتحول إلى الخط القاعدي إلا بعد سقوطه، كما هي الحال في قصة الزعيم التقليدي إياد غالي، وهو من أبناء القيادات التاريخية لقبائل الإيفوغاس الطوارقية، وكان غالي قد قاد في بداية التسعينيات من القرن الماضي تمردا ضد الحكومة المالية انتهى بتوقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992، وانتقل للعمل الدبلوماسي قنصلا عاما لجمهورية مالي في جدة، قبل أن ينتهي به المطاف مجددا إلى اعتناق فكر تنظيم القاعدة وتأسيس حركة أنصار الدين، بعدما نجح في استقطاب المئات من أبناء قبيلته الإيفوغاس وقبائل طوارقية أخرى، وعقب مرحلة التأسيس التي تمت في معزل عن العالم كله المشغول بالربيع العربي والتمجيد له، تم الانتقال إلى مرحلة الاندماج مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وهو الأمر الذي يعيد التحالف ذاته بين تنظيم القاعدة وطالبان في مرحلة ما بعد سقوط كابل.

لكن التاريخ لا يعيد نفسه دائما بالوتيرة ذاتها، وهنا أزعم أن هذه الموجة الخامسة من تنظيم القاعدة المتمثلة في التحالف مع "القبيلة" ستكون أكثر عنفا ودويا بحكم الحدود المفتوحة على مصراعيها، وأيضا سهولة استقطاب المزيد من الأنصار، والعمل الدعائي غير المسبوق بحجة أنها حرب صليبية، وهو شعار كان من المفترض أن يتحول إلى مزحة مكشوفة، لا سيما أن مالي بلد العلم والعلماء والطرق الصوفية والمحاضر، وهم أكثر الرافضين لجسد "القاعدة" الطارئ عليهم، وليس من سبيل الاستطراد القول بأن مالي خرّجت كثيرا من العلماء الكبار في العالم الإسلامي، وكانت محطّة لاستقطاب طلبة العلم بالطرائق التقليدية ذات الامتداد التاريخي عبر دراسة المتون وأخذ الإجازات، تشرفت بالدراسة على العلامة النحوي محمد الصالح التنبكتي الأنصاري -رحمه الله- الذي درس في المسجد الحرام على مدى 20 عاما، بعد أن هاجر إلى المملكة هو والمحدث الكبير حماد الأنصاري والعلامة المحدث إسماعيل الأنصاري عضو هيئة كبار العلماء، وأحد أهم الشخصيات العلمية المؤثرة في تيار السلفية العلمية في السعودية، وكل هؤلاء تعود أصولهم إلى مالي.

فإذن فكرة تطبيق الشريعة التي يرفعها تنظيم أنصار الدين هي تماما كهشاشة فكرة الحرب الصليبية؛ لا تستند إلى حقيقة على الأرض، وإنما متخيّل يحاول المتطرفون الترويج له، فالمجتمع المالي متدين في مجمله سني مالكي المذهب يميل إلى التصوف الروحاني بمنطقه الزهدي الذي يتناسب مع طبيعة صحراء تلك المنطقة الجميلة.

الوضع خطر في مالي، والحرب التي تقودها فرنسا وإن كانت بطلب من أهل الديار ربما سحقت التنظيمات القاعدية وأبعدتها عن المدن الرئيسية، لكنها ستُكسبها شرعية بسبب المظلومية التي سيغدقها عليها الفرنسيون بضرباتهم، كما أن وقوع ضحايا مدنيين في حال اختباء أعضاء التنظيم داخل المدن سيحوّل الوضع إلى كارثة إنسانية، وبالتالي ستتحول الصحراء إلى منطقة جاذبة للجهاديين في العالم كله، الذين بدأوا يتململون من الأوضاع في الربيع العربي حيث التغيير ووصول فصائل إسلامية إلى سدة الحكم لم يهذب من شراسة هذه التنظيمات، بل قادها إلى إعادة ترتيب نفسها لتصبح أكثر قوة وجاهزية، كما هي الحال في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في اليمن، والحال ذاتها في المجموعات المسلحة في سيناء، وتلك التي تقاتل في الداخل السوري، وصولا إلى الصومال الذي يحاول التنظيم هناك بذكاء عدم لفت الأنظار إليه، في ظل منافسة قوية مع فصائل إسلامية معتدلة.

مكمن الخطر في حالة مالي هو التنظيمات المسلحة قائمة على فزر قبلي، فالقبيلة تعتنق التنظيم، وليست الحال كما في تاريخ "القاعدة" أنها تفتت القبيلة وتدمجها في نسقها العام، في مالي التنظيم الجهادي لأبناء قبائل الطوارق، و"التوحيد والجهاد" للعرب المنشقين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، و"أنصار الشريعة" يمثل باقي العرقيات.

لبّ القصيد في حالة مالي كما هي الحال في التعامل مع "القاعدة" هو أن الحلول الأمنية والحرب المضادة لا تعطي سوى نتائج محدودة وقتية مع آثار سلبية على الأهالي المدنيين، لا يمكن أن يوجد حل في بلد دخله تنظيم القاعدة إلا بإعادة بناء الدولة سياسيا وديمقراطيا واقتصاديا وأمنيا، وهذا ما لم يعِه الأمريكيون في حربهم الطويلة على الإرهاب، ويبدو أن الفرنسيين أيضا لم يستوعبوا الدرس.
نُشر بجريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.