يمكنك أن تقول باطمئنان إن فيلم "مصور قتيل" من نوعية الأفلام التي ترتكز على ميزانية محدودة، دون وجود نجوم كبار يلتهمون نصف الميزانية أو مؤثرات مكلفة أو مطاردات تقصم ظهر المنتج، فهو فيلم يعتمد على السيناريو واختلاف موضوعه عن السائد في السينما المصرية، حيث كتبه سيناريست متميز هو عمرو سلامة، وأخرجه كريم العدل، وقام ببطولته فنانون مجتهدون، هم: إياد نصّار، درّة، أحمد فهمي، حورية فرغلي، رحمة، وعمر السعيد. كاميرا قديمة، ومصور موهوب، وجريمة غامضة! "أحمد صقر – إياد نصار" مصور موهوب، ميزته الكبرى أنه يظهر دائما في أماكن الجرائم، وربما قبلها، مما يجعله يحوز دائما بالسبق بين زملائه الصحفيين، الذين يحسدونه على تفوقه هذا، وقبل نزول التترات نرى أن زوجته "مريم - رحمة" تُقتل بشكل غامض، طبعا كما توقعنا فإن الزوج هنا يعيش فترة صعبة مليئة بالحزن والصمت، ونراه بعد مقتل زوجته بعام ونصف تقريبا، وقد قرّر أن يترك مهنة الصحافة إلى الأبد. والسبب.. أنه تعب من رؤية الموتى! كان ذلك قبل أن يحصل على صفقة ممتازة، لعمل كتاب يحتوي على صور حقيقية دون رتوش أو فوتوشوب، الصور كلها كاملة إلا من صورة واحدة تصيبه بالحيرة، صورة واحدة تنقص الكتاب ليكتمل. المهم أنه يقابل رجلا متشردا، يحدّثه عن كاميرا قديمة للأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل (لا أعرف إن كانت هذه المعلومة حقيقية أم من خيال المؤلف)، ويتحرك فضول الشاب فيشتريها فعلا، لكن المتشرد ينبهه أنه لن يقبل عودة الكاميرا مرة أخرى إليه، قبل أن يكتشف "أحمد" أن الكاميرا تصور أحداثا مستقبلية. ومن ناحية أخرى نكتشف أن هناك علاقة متوترة بين المصور "أحمد" وزوج شقيقته "عثمان – أحمد فهمي"، الذي يعمل كرجل شرطة، والسبب أنه يتهمه -بشكل ضمني- بأنه قصّر في البحث عن قاتل زوجته الذي يبدو أنه سفّاح بارع، استطاع قتل مجموعة من الناس لا يوجد رابط بينهم، إلا أنهم فئة من أصحاب السوابق والجرائم، فلماذا قتل "مريم" زوجة "أحمد" إذن؟! هنا ينقسم الفيلم إلى خطين بالتوازي، يتقاطعان تارة ويبتعدان تارة أخرى، الخط الأول خاص بالمصور "أحمد"، والكاميرا القديمة التي يلتقط بها بعض الصور، والتي يظن أنها تمتلك قدرة غريبة على تصوير المستقبل قبل حدوثه، والخط الثاني خاص بالضابط "عثمان"، وبحثه الدءوب من أجل العثور على قاتل "مريم"، وإبراء ذمته أمام شقيق زوجته "أحمد"، حتى لا يتهمه بالخذلان والتقصير في واجبه المهني، قبل أن تظهر في حياة "أحمد" الدكتورة "خديجة – درة"، التي تطلب منه أن يتولى تصوير أحد المستشفيات النفسية، التي تتصف بإهمال فوضوي. ودون حرق الأحداث يتلاقى الخطّان في النهاية، لندرك أن كاتب السيناريو كان يخدعنا منذ البداية، فهو ينثر قطع البازل هنا وهناك دون ترابط، لتتجمع في النهاية وتنكشف الحقيقة. إياد نصار تألق في دور المصور مميزات وعيوب أعترف أنها المرة الأولى التي أرى فيها عملا لعمرو سلامة، سواء ككاتب سيناريو هنا أو كمؤلف ومخرج في فيلميه السابقين، لكني تيقنت من أنه شاب موهوب وطموح ويحمل أفكارا مختلفة عن السائد، وينبئ بهذا عمله وتدويناته، ومواقفه السياسية أيضا. فالسيناريو يتميز بتشويق منذ المشهد الأول، ويمكنك القول بقلب مستريح إنه لا توجد مشاهد زائدة به، خصوصا مع إياد نصّار الذي نجح في أن يشعرنا بأزمته وهمومه كرجل فقد زوجته -التي يحبها جدا- في حادثة بشعة، والجميل أن ذلك لم يكن بالكلام، فهو لم يتكلم كثيرا على كل حال، بل من خلال نظراته، وألمه الذي يتبدى في عينيه وملامح وجهه. أحمد فهمي كان موفّقا في دور الضابط الهادئ دون انفعالات صارخة، بل كان يؤديه ببساطة، وخصوصا بالنيولوك المميز الذي أعطاه مهابة وعمرا إضافيا فوق عمره الحقيقي. أما درّة فكانت وجها لطيفا تُحبّ أن تراه لكن دون تميز حقيقي، ولم تقنعني بدور الطبيبة النفسية، وليس لمجرد أنها قامت بتنويم المصور "أحمد" فلا بد أن أقتنع بكونها كذلك. حورية فرغلي كانت جيدة في دور "مروة" شقيقة "أحمد". التصوير كان جيدا ومعبرا، ومونتاج سُلافة نور الدين كان متميزا، والمخرج كريم العدل بذل جهدا واضحا يُحسب له، وهو ما يؤكد نضجه بعد عمله السابق "ولد وبنت". وبشكل عام يُحسب للمؤلف والمنتج والمخرج، القيام بتجربة منفردة وذات مذاق مختلف عن الأفلام الأخرى، في أول فيلم تشويق "بجد"، على غرار الأعمال الأجنبية، بغضّ النظر عن كل ما سأقوله لاحقا. فالحقيقة أن الشعور الذي انتابني بعد رؤية الفيلم أنه يُرى لمرة واحدة في العمر، لم يعلق منه بذهني مشهد هزّني من الداخل، ولم أتعاطف مع أيّ شخصية من شخصياته، وهذا هو الخطأ الفادح -من وجهة نظري- الذي وقع فيه كاتب السيناريو. فمشكلة الأفلام التي تعتمد على التشويق والغموض أن رسم تفاصيل الحركة والاهتمام بكيفية عمل الغموض بدقة، قد تجعل الكاتب ينسى أن الشخصيات التي يرسمها على الورق من لحم ودمّ، ومهم جدا أن يتفاعل المشاهد ويتوحد معها بشكل إيجابي أو سلبي، لكن هذا لم يحدث طوال أحداث الفيلم. لم أشعر بتعاطف مطلقا مع شخصيات الفيلم، بما فيهم الشخصية الرئيسية "أحمد صقر"، وحتى النهاية -المتوقعة نوعا- لم تجعلني أصفق له أو أن تدمع عينيّ تأثرا أو حتى أستحسن تصرفاته. من فرط تفكير الكاتب في الحبكة والإيقاع والتشويق سقط منه الجانب الإنساني، والذي يجعل مشاعرنا تتحرك ليبقى شيء ما منها في الذاكرة والقلب، وهو ما أرجو أن ينتبه الكاتب له في مرات قادمة. وبرغم كل هذا، فقد كسبنا مخرجا ومنتجا وكاتب سيناريو متميزين، مع الإشادة بتمثيل إياد نصّار، وأحمد فهمي، وحورية فرغلي التي تغلبت بحضورها على درّة، وتقدير خاص لمونتاج سُلافة نور الدين المتميز. شاهد تريللر الفيلم إضغط لمشاهدة الفيديو: