في صيف عام 2002 انقسمت الأمة العربية حول النوايا الأمريكية حيال العراق؛ فهنالك من رأى استحالة قيام أمريكا وحلفائها بضرب العراق، بينما رأى فريق آخر أن هذا سيحدث وستفشل أمريكا في غزو العراق، بينما رأى فريق ثالث أن أمريكا ستغزو العراق وستستقر فيه لسنوات. وكان الفريق الذي يرى استحالة قيام أمريكا بغزو العراق هو الفريق الأعلى صوتاً الذي راح يُعدد لنا قوة العراق، إلى أن دقت ساعة الحقيقة ورأينا سقوط العراق في قبضة الأمريكان وانهيار نظام صدام حسين الذي أقلق إسرائيل كثيراً. ويمكن القول إن التاريخ يُعيد نفسه؛ فاليوم هناك فريق كبير في العالم العربي يصطلح أن يطلق عليه (اللوبي الفارسي)، يؤكد أن نهاية أمريكا ستكون بعد ضرب إيران، وأن إيران سترد الصاع صاعين إلى آخر العرائض الخطابية التي قيلت بحق صدام حسين قبل غزو العراق. وبعيداً عن كل مظاهر محاولة إرساء حوار بين طهرانوواشنطن، فإن الإدارة الأمريكية وضعت مخططا لضرب إيران بالفعل، حيث قال الجنرال ديفيد بترايوس -قائد القيادة الأمريكية الوسطى لقناة "CNN" الأمريكية في 10 يناير 2010 الماضي: "نعم يمكننا ضربها.. ستكون القيادة الوسطى غير مسئولة إذا لم تكن وضعت خططا لكل الاحتمالات، وإذا لم تكن فكّرت فيما يمكن أن يحدث بعد فترة معينة، وبالتأكيد سيأتي وقت التحرّك". وكشفت الصحافة الفرنسية في 1 ديسمبر 2009 عن سلسلة اجتماعات ترأسها الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي مع مستشاريه وأركان جيشه؛ من أجل بحث تفاصيل وتداعيات ضرب إيران، ونشر موقع قناة العربية الإخبارية تقريراً عن هذا الاجتماع في اليوم ذاته. ولكن لماذا التأخير.. وماذا تنتظر أمريكا وحلفاؤها؟ يُدرك النظام الدولي جيدا النفوذ الإيراني الواسع في العراق وأفغانستان، سواء على المستوى السياسي أو حتى العسكري، لذا من المرجح أن يكمل الاستعمار الغربي انسحابه من العراق في 31 ديسمبر 2010المقبل، كما سيتم تقليص التواجد العسكري في أفغانستان في 2011، وقتها فقط سيتم الإغارة على إيران. فالأمريكان وحلفاؤهم لن يغامروا بترك قرابة 200 ألف جندي غربي في العراق رهينة في أيدي الميليشيات الشيعية الموالية، لذا فإن إتمام الانسحاب الأمريكي من العراق والاكتفاء ببعض القواعد العسكرية على الطريقة الخليجية سيكون أفضل كثيراً. وتعتبر مهادنة القوى السياسية الموالية لإيران في العراق ولبنان وفلسطين عام 2009 وحتى إتمام الضربة الأمريكيةلإيران من أهم المراحل الحرجة التي تمر بها الخطة، فلا عجب أن رأينا حكومة سعد الحريري تشكل في لبنان وفق رغبة حزب الله وميشيل عون، رغم أن سعد الحريري ورفاقه هم أصحاب الأغلبية البرلمانية، ولا عجب إذا ما شكّل حلفاء إيران الحكومة العراقية في مارس المقبل. أما القوى العسكرية الموالية لإيران في لبنان وفلسطين، فإنه يجب -وفقاً للمخطط الغربي- على إسرائيل القضاء على هذه الميليشيات، ومن المنتظر أن تحدث مواجهة عسكرية بين إسرائيل من جهة وحركة حماس الفلسطينة وحزب الله اللبناني من جهة أخرى قبل التحرّك الغربي الشامل حيال إيران. ولهذا السبب ارتفعت وتيرة التوتر بين إسرائيل وحزب الله هذه الأيام، فإسرائيل متعجلة للغاية في توجيه الضربة الساحقة لحزب الله وحماس، بينما واشنطن لا تتعجل هذه الخطوة وترى أن تمهيد الساحة العراقية والأفغانية لهذا الحدث أفضل. كما أن إدارة أوباما تفكّر في جعل الضربة الأمريكية على إيران في صيف 2012 قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر 2012. وحتى الآن لا توجد معلومات عن الإدارة الإيرانية البديلة المقرر أن تحكم إيران عقب الضربة الأمريكية، مما يلقي تساؤلاً مخيفاً حول عدم وجود مخطط أمريكي لتنصيب وصنع حكومة مركزية من الأساس، وترك القوميات والعرقيات داخل الدولة الإيرانية تتصارع وتعلن قيام الدويلات الطائفية والعرقية الواحدة تلو الأخرى، خاصة أن قيام دويلات في عربستان وخراسان وكردستان وأذربيجان وغيرها من الولاياتالإيرانية أمر جاهز بالنسبة لقادة الانتفاضات في تلك الأقاليم والولايات، ولن يلزمه وقتذاك غير ضوء أخضر أمريكي. ولكن أخطر معلومة في هذا الشأن، أن الطبقة السياسية الحاكمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية حسمت موعد نهاية الملف الإيراني وتصفيته بالكامل، فحينما يحل عام 2016 -وفقاً للحسابات الأمريكية- لن يكون هناك خطر قادم من إيران، وسوف تكون الأخيرة دولة مثل العراق اليوم.. أو تقسّم ويختفي اسم إيران من خارطة العالَم.