تسعى معظم دول العالم لاستغلال الطاقة الخضراء في معظم نواحي الحياة؛ فبعدما استغل الإنسان طاقة الكوكب وثرواته ضده واستنفذ معظمها بدأ في البحث عن وسائل بديلة وجديدة للطاقة حتى يحافظ على البقية الباقية من عمر هذا الكوكب، ويحاول بشتى الطرق إصلاح ما يمكن إصلاحه؛ لذلك لجأ لابتكار ما يسمى بالطاقة الخضراء، وهو المصطلح الذي يشير إلى مصادر الطاقة صديقة البيئة وغير الملوثة له، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية، ولقد لقبت هذه الطاقة بالخضراء لأنها تساعد على تقليل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكاربون الملوث للبيئة، ويتناقض هذا النوع من أنواع الطاقة مع "الطاقة البُنية" وهو المصطلح الذي يطلق على كل نوع من أنواع الطاقة الصادر عن مصدر ملوث للبيئة. فانتبهت دول العالم الأول لأهمية استغلال الطاقة الخضراء؛ فطرحت سيارات تعمل بالكهرباء والوقود العضوي، واخترع علماؤها بعض الاختراعات التي تعتمد في عملها على خلايا الطاقة الشمسية؛ بل والطريف أن هناك بعضاً من تلك الاختراعات اتخذت الأسمدة ومحاليل السكر والليمون والحركة مصدراً للطاقة.
مصر والسحابة السوداء: ولعل ما يلفت النظر هو أن مصر جاءت في آخر قائمة المستفيدين من تلك الطاقة الخضراء؛ رغم محاولتها المستميتة ومحاولة كل من وزارة الكهرباء والطاقة ووزارة البيئة استغلالها للحد من تلوث البيئة، وبالرغم من التصريحات والبيانات والاجتماعات والمؤتمرات المنعقدة بهذا الشأن تُفاجئنا السحابة السوداء بإخراج لسانها لكل المصريين وتعاود الظهور كل عام لتثبت لنا الفشل الذريع الذي نواجهه؛ هذا فضلاً عن إهدار الطاقة المستمر في العديد من القطاعات، ولهذا فضلنا أن نتأكد بأنفسنا من موقف مصر تجاه هذه الطاقة وكانت النتيجة كالآتي:
بادرنا نحن موسى عمران (وكيل أول وزارة الكهرباء والطاقة) قائلاً: لقد وضع قطاع الكهرباء والطاقة استراتيجية لمشاركة الطاقة المتجددة والخضراء بنسبة 20 % من إجمالى إنتاج الطاقة لعام 2020، وسوف يدعمها مشاركة القطاع الخاص، وقد بدأت طاقة الرياح في التزايد فيقوم قطاع الكهرباء والطاقة حاليا بتشغيل 310 ميجاوات، بالإضافة إلى 240 ميجاوات يتم تنفيذها، ومن المخطط أن تصل إلى أكثر من 7200 ميجاوات بحلول عام 2021.
وحاول عمران نفي تهمة عدم استفادة مصر من الطاقة الخضراء فأشار إلى بعض الخطوات التي قامت بها الوزارة للحفاظ على الطاقة؛ حيث بدأ قطاع الكهرباء والطاقة في وضع ملصقات توضح استهلاك الطاقة على بعض الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات، وهذه الملصقات عبارة عن ملصقات تثقيفية يوصف فيها باختصار أداء الجهاز (استهلاك الطاقة أو تكلفة الطاقة)؛ وذلك لتزود المستهلكين ببعضِ المعلومات الضرورية قبل الشراء.
كما تم تفعيل العمل بأنظمة الإضاءة الموفرة للطاقة، وهناك إعلان شهير يعرض كثيراً في التليفزيون يحث المواطنين على استخدام اللمبات الموفّرة للطاقة، بالإضافة إلى تحسين القدرات غير الفعالة في الحفاظ على الطاقة وتطبيق برامج مراجعات الطاقة.
وأيده في كلامه علي حسن (خبير أول مركز تكنولوجيا الإنتاج الأنظف التابع لوزارة التجارة والصناعة) قائلاً: المركز يقوم بدور مهم في استغلال الطاقات المهدرة والمخلفات الزراعية وتحويلها لطاقة نظيفة تمكننا من استغلالها بشكل لا يضر البيئة، وأما فيما يخص مشكلة السحابة السوداء الناتجة عن حرق قش الأرز؛ فقمنا بالفعل ببعض الأبحاث التي تجرى على القش وتوصلنا لاستخراج مركب الإيثانول منه والذي يعتبر نوعاً من أنواع المركبات التي تستخدمها بعض الدول كوقود نظيف للسيارات.
وأضاف حسن قائلاً: لقد أنجزت مصر تقدما ملحوظًا في طاقة الرياح كما تحسن خلال العقدين الماضيين معدل استهلاك الوقود ب 36% وقلت الطاقة الضائعة في أسلاك النقل وشبكات التوزيع ب 33% فضلاً عن تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو وات ساعة ب 50%.
إهدار الطاقة والتلويث موجود إهدار الطاقة والتلويث موجود:
"تعمل الكثير من المصانع والمؤسسات في مصر بالتكنولوجيا البدائية الملوثة للبيئة، وسيتطلب عملية تحويل تلك المصانع والمؤسسات للعمل بالطاقة الخضراء بعض الوقت والمجهود" هذا وفقاً لما جاء على لسان محمد حنفي (مدير عام غرفة الصناعات المعدنية) واعترف لنا به، وكان الحل من وجهة نظره متمثلا في دور الرقابة؛ حيث تتكاتف هيئات رقابية حكومية متمثلة في وزارة البيئة ومركز تحديث الصناعة وإدارة البيئة باتحاد الصناعات بوزارة الصناعة والتجارة والتي تتعاون لرفض أي مصنع غير ملتزم بالتكنولجيا النظيفة أو الخضراء.
ولكن جاء الدكتور محمد بيومي (مساعد ممثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في المجال البيئي) ليؤكد لنا أن وزارة البيئة ستتعاون خلال الفترة القادمة مع مؤسسات القطاع العام والخاص والهيئات العالمية؛ بحيث تصل نسبة إنتاج مصر من مصادر الطاقة المتجددة نحو 20% من إجمالي الطاقة التي تنتجها مصر؛ وذلك بحلول العام 2020.
وأشار إلى ان هذه الخطوة تأتي في إطار الإستراتيجية القومية لترشيد الطاقة التي وضعها المجلس الأعلى للطاقة برئاسة رئيس الوزراء أحمد نظيف والذي يولي أهمية خاصة لهذه القضية، وخاصة مع التوقعات باستمرار الزيادة المضطردة في أسعار مصادر الطاقة التقليدية وتأثيرات ذلك على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومن ثم وضع مزيد من الأعباء على كاهل المواطن.
مكاتب لتقليص الاستهلاك: وأضاف بيومي أن وزارة البيئة تقوم بالتنسيق مع الوزارات المعنية، ومنها وزارة الكهرباء والطاقة ووزارة النقل والمواصلات لتقليص نسبة استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات الحكومية بالإضافة إلى استحداث مكاتب مراجعة الطاقة وهي مكاتب تقوم بالإشراف على استهلاك الطاقة في المؤسسات والهيئات التي تتميز بارتفاع استهلاكها للطاقة والتأكد من عدم وجود هدر فيها والذي يجري حاليا دراسة إمكانية تطبيقها.
وأوضح أن وزارة البيئة تعاونت خلال الفترة الماضية مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لزيادة عدد الشركات العاملة في مجال الخدمات البيئة والشركات التي تقدم الحلول الموفرة للطاقة وتوفير القروض لها، وأن الوزارة ستواصل جهودها خلال الفترة القادمة للتعاون مع شركات تكنولوجيا المعلومات لتوفير حزم من الأجهزة التي تساعد على ترشيد القطاع المؤسسي للطاقة والعمل على رفع الوعي داخل هذا القطاع بأهمية تبني هذه التقنيات.
ومن جهته كشف أن البرنامج سيواصل تعاونه مع وزارة الكهرباء والطاقة ووزارة البيئة في إنشاء المعامل التي تدعم بحوث الطاقة المتجددة ومعامل لاختبارات الأجهزة المنزلية الموفرة للطاقة، بالإضافة إلى الحملات لرفع الوعي في المجتمع المصري بأهمية هذه القضية.
وكان قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الغرب من أوائل القطاعات التي بادرت بابتكار وسائل وطرق لاستغلال الطاقة الخضراء في الحفاظ على البيئة فهل سينوب مصر "من الحب جانب" وتستفيد من تلك التكنولوجيا الخضراء؟
يجيبنا على هذا التساؤل طه خليفة (مدير شركة إنتل مصر والشرق الأوسط) قائلاً: كانت للشركة الريادة في مجال الطاقة الخضراء؛ خاصة بعد إعلانها عن إطلاق معالجها الأسرع Nehalem والذي يعتبر الجيل الأحدث لمعالجات Core 2 Duo, Core 2 Quadو Xeon ويتميز بأدائه الجبار وتخفيضه لنسبة كبيرة من الاستخدام الشامل للطاقة؛ مما جعل من إطلاقه خطوة البداية في طريق الحد من استخدام المواد الخطرة على البيئة والموجودة بكثرة داخل الكمبيوتر والوسائل التكنولوجية بشكل عام؛ حيث تعترف إنتل بأهمية الحفاظ على الطاقة من الإهدار خاصة في ظل التهديدات التي تواجه البيئة خلال السنوات القادمة، وستتمكن مصر من الاستفادة من معالج Nehalem قريباً جداً.
وأكد على كلامه حسني العاصي (مدير عام سوني إريكسون بالشرق الأوسط) قائلاً: ندرك جيداً أهمية الحفاظ على البيئة؛ لذلك راعينا في منتجاتنا أن نطبق هذا بشكل أكثر عملية فطرحنا مؤخراً الهاتفين الجديدين سوني إريكسون "إلم" Elm و "هازيل" Hazel واللذين راعينا أن يتم تصنيعهما من البلاستيك المعاد تدويره، كما تم دمجهما ببعض التطبيقات الخاصة بالحفاظ على البيئة، وسوف يتوافران قريباً في أسواق الشرق الأوسط ومصر حتى تتمكن هذه الأسواق من التمتع بالتكنولوجيا الجديدة واللحاق بركب الحفاظ على الطاقة من الاندثار وعلى البيئة من التلوث.
"هو فين الخضار؟!" كانت هذه وجهة نظر الخبراء والمسئولين، أما رأي المواطنين المصريين فكان مفاجئاً وطريفاً كالتالي: "طاقة إيه وخضرة إيه هو فين الخضار ده... إحنا كل اللي شايفينه حوالينا زبالة في زبالة ودخان عربيات وسحابة سوداء!!" هذا ما جاء على لسان محمود عبد الله -مدرس رياضيات بإحدى المدارس الخاصة- وأضاف قائلاً: "كل شوية بنسمع عن تصريحات المسئولين؛ بس مش بنشوف حاجة تثبت لنا صحة هذه التصريحات، ده حتى تدوير الزبالة اللي في بلاد بره موجود من زمان مش موجود عندنا، والشوارع كلها غرقانة في الزبالة ومش موجود حتى حد يشيلها مش يدورها"!!
ويختلف معه في الرأي أحمد رأفت -موظف حسابات- قائلاً: "بصراحة أكثر حاجة ممكن تكون لفتت نظري في موضوع الطاقة هو إعلان اللمبات الموفرة واللي بتذيعه الحكومة دايماً، وكمان اللمبات دي بقت متوفرة في كل مكان؛ لكن مش متذكر شيء تاني ممكن تكون مصر عملته علشان تستغل الطاقة الخضراء دي، ورأيي إن البلاد المتقدمة بتعرف إزاي تستفيد من الطاقة الخضراء؛ بس للأسف إحنا لسه أمامنا وقت كبير".
وتتفق معه عبير جمال -الفرقة الثالثة بكلية إعلام القاهرة- قائلة: "أنا كل يوم باشوف وباسمع عن اختراعات بيقدمها الغرب بيستفيد منها بالطاقة الخضراء، ويمكن آخر حاجة قرأتها كانت عن التكييف اللي بيشتغل بالطاقة الشمسية، وده هيقدر يوفر لنا كمية طاقة كبيرة أوي لو قدرنا نعمل زيه في مصر؛ بس للأسف إحنا مش قادرين نستغل الطاقة الخضراء دي زي الغرب؛ بل بالعكس إحنا بنساعد أكثر في إهدار الطاقة وتلويث بيئتنا".
وتؤيدها رنا حسين -محررة صحافية- قائلة: "اللي مضايقني إن مصر مش بتستفيد بشكل فعال بالطاقات الخضراء مع أنها مليئة بمصادر الطاقة دي، واللي ممكن تستغلها صح زي الشمس والرياح، وده بالإضافة لوجود طاقات بشرية كثيرة عندها أفكار واقتراحات ممكن أنها تضع مصر في مقدمة صفوف المستفيدين من الطاقة الخضراء إلا أن الحكومة مش بتستفيد منهم كما ينبغي".
وبالرغم من تصريحات المسؤولين والتي أكد معظمها أن مصر من أهم المستفيدين من الطاقة الخضراء لازال الواقع يثبت العكس؛ سواء في تلوث الهواء المحيط بنا أو عدم تفعيل نظام تدوير القمامة والاستفادة منها بين فئات الشعب المختلفة؛ فضلاً عن إستمرارية عمل بعض المصانع بالأسلوب المهدر للطاقة والملوث للبيئة، والذي يندر أن نراه في الدول المتقدمة؛ ولكن الزمن وحده كفيل بإثبات صحة هذه التصريحات.
هل تعتقد أن مصر تستفيد من الطاقة الخضراء؟ أه مش واخذ بالي! لأ طبعاً مش مهتم