تعالوا معي نسرح بخيالنا بعض الشيء في هذا السيناريو: طائرة ركاب يتم اختطافها فور إقلاعها من مطار القاهرة يوم 11 سبتمبر عام 2001، على يد بعض الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم القاعدة، ويجبرون طاقم القيادة على الاتجاه بالطائرة نحو القصر الرئاسي بالعاصمة المصرية، قبل أن تصبح حطاما وتهدم القصر الرئاسي برمّته من جرّاء الاصطدام بالأخير، وربما تودي بحياة الرئيس المصري السابق نفسه أو أفراد من عائلته، بخلاف مئات الضحايا التي قد يخلفها هذا العمل الإرهابي البشع. ربما قد يرى البعض أن هذا السيناريو من محض خيال الكاتب نفسه، لا سيما أن المخطط الواقعي لعمل إرهابي مماثل حدث في اليوم نفسه على الأراضي الأمريكية قبل 11 عاما، وأسفر عن انهيار برجي التجارة العالمية وتضرر مبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، ناهيك بقتل الآلاف من المدنيين وقتذاك. ولكن، وفقا ل"جاسوس بن لادن في المخابرات الأمريكية" أو ضابط الجيش المصري السابق، وأيضا الضابط في الجيش الأمريكي وعميل المخابرات المركزية الأمريكية والمباحث الفيدرالية "علي محمد"، خطط تنظيم القاعدة برئاسة بن لادن لتنفيذ السيناريو السابق، عقابا للقيادة السياسية المصرية، على ما يبدو، التي كانت تربطها علاقات وثيقة بأمريكا وإسرائيل. في عام 2006 عرضت قناة "ناشيونال جيوجرافيك" فيلما وثائقيا بعنوان Triple Cross: Bin Laden's Spy in America أو "العبور الثلاثي: جاسوس بن لادن في أمريكا"، يتمحور حول "علي محمد"، أحد رجال القاعدة الذين ساهموا في تأسيس التنظيم الجهادي الغني عن التعريف، وتكوين شبكة له في جميع أرجاء المعمورة.. "علي محمد" كان ضابطا في الجيش المصري وقت أن قُتل الرئيس المصري أنور السادات، وكان يتميز بآرائه المتطرفة الأمر الذي أدى إلى خروجه من الجيش في نهاية المطاف، وبأوامر مباشرة من المصري الآخر أيمن الظواهري، توجّه "علي" إلى مبنى السفارة الأمريكية في منطقة جاردن سيتي، ليقابل مدير مكتب المخابرات المركزية الأمريكية في القاهرة، عرض "علي" على الأمريكيين أن يكون عميلا للمخابرات الأمريكية، انطلاقا من كونه ضابطا سابقا ووثيق الصلة بالحركات المتطرفة في مصر وقتذاك، كما استند على أن الأمن المصري يُضيّق عليه الخناق في مصر.. ولغرابة الأمر، "جندته" المخابرات الأمريكية وساعدته على الخروج من مصر، وأوكلت إليه بعض المهمات في أوروبا للكشف عن الحركات المتطرفة التي تعمل باسم الإسلام. ورغم أن المخابرات المركزية الأمريكية قد وضعته تحت المراقبة، إلا أنه بسبب تعاقب الإدارات الأمريكية وتغيير قادتها خلال الثمانينيات، ضعفت الرقابة على "علي محمد"، مما مكنه من السفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وزواجه من أمريكية الجنسية، ومن ثَم التجنّس، بل والالتحاق بالجيش الأمريكي مستندا على خبرته كضابط سابق، وعلى الرغم من التحذيرات المصرية من خطورة "علي" وكشف علاقته بأيمن الظواهري للمخابرات الأمريكية، لكنها لم تلق آذانا صاغية لدى ال CIA، وهو ما جرى تبريره بعد ذلك بأن التنظيمات الإسلامية المتطرفة لم تكن تشكّل خطورة على الأمريكيين آنذاك. وبمعزل عن صدق ذلك الفيلم الوثائقي من عدمه، إلا أنه يحبس الأنفاس، وقد يحمل بين طيّاته الكثير من الحقائق المخفية عن عمد، حيث يلقي الفيلم الضوء على علاقة "علي محمد" بتنظيم القاعدة ورجله الأول أسامة بن لادن، بعدما طلب الأخير منه تأسيس فرع للقاعدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتسريب العديد من الوثائق السرية عن برامج تدريب الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى تدريب كوادر التنظيم، بل وتدريب الحراس الشخصيين لأسامة بن لادن نفسه. يكشف الفيلم الوثائقي كذلك عن الرحلات المكوكية ل"علي" في أفغانستان وكينيا وتنزانيا والصومال والسودان، حيث كان عضوا رئيسيا في الهجمات التي نفذتها القاعدة على مقار السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا من خلال عمليات مراقبة احترافية لتلك المقار وإرسالها إلى التنظيم الجهادي، كما تورط "علي" في قضية الشيخ عمر عبد الرحمن، والتي تتعلق بمحاولة تفجير أنفاق وجسور نيويورك، حيث ورد اسمه في قائمة المتهمين رقم 109، بينما حل بن لادن في المرتبة ال 95 بالقائمة، ولكن لم يتم اعتقال "علي" الذي كان يعمل للمخابرات الأمريكية وقتذاك أو حتى استجوابه، خشية الزج باسم المخابرات الأمريكية ودورها في دعم المجاهدين الأفغان، ومن ضمنهم بن لادن، إبان الحرب السوفيتية - الأفغانية. وفي عام 1998 تم إلقاء القبض على "علي محمد" بعدما بات واضحا لدى الأمريكيين دون أي مجال للشك مدى تورط "علي" في الهجوم الإرهابي على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، جرى التحقيق مع "علي" وقتا طويلا استمر حتى عام 2000، عندما تمت إدانته بالتآمر على قتل الأمريكيين وتدمير الملكيات الأمريكية. بحسب الفيلم الوثائقي، لم يتم إصدار أي ورقة رسمية بإدانة "علي" ولم يتم إصدار حُكم عليه، وإنما لا يزال محبوسا بأحد الأماكن السرية ويتم التعاون بينه وبين المخابرات الأمريكية والمباحث الفيدرالية في الكشف عن مخططات تنظيم القاعدة والحركات المتطرفة بوصفه "كنزا ثمينا" للأمريكيين. ويسرد الفيلم الوثائقي كيف أن الرئيس الأمريكي بوش الابن قد تسلم تقريرا من المخابرات المركزية الأمريكية في أغسطس عام 2001 بعنوان "بن لادن يعتزم مهاجمة الأراضي الأمريكية"، وعلى ما يبدو فإن بعض المعلومات المستقاة من "علي" وجدت طريقها إلى الرئيس الأمريكي، وعلى الرغم من أن "علي" كان محبوسا وقت أن تمت أحداث 11 سبتمبر وبات معزولا عن العالم الخارجي منذ اعتقاله، إلا أنه أفصح للمحقق الأمريكي جاك كلومان عن تفاصيل عملية اختطاف الطائرات بحذافيرها، إلى أن يتم ضرب برج التجارة العالمي، بل وقبل ذلك وفي إحدى جلسات استقاء المعلومات من "علي"، كشف الضابط السابق بالجيش المصري عن مخطط القاعدة لضرب طائرة لقصر الرئاسة في القاهرة.. وكان من بين مخططات القاعدة منذ التسعينيات استخدام الطائرات كقذائف تستهدف المباني الهامة الأمريكية، وتدربت الكوادر التنظيمية بالقاعدة على ذلك، وكشف الفيلم كذلك عن محاولات لتفجير مبني التجارة العالمي من قبل باءت بالفشل.. ومن ضمن المعلومات الهامة التي أدلى بها "علي" للمخابرات الأمريكية كيفية مهاجمة القاعدة لمقار الأممالمتحدة والبوارج الحربية الأمريكية في الخليج الفارسي، ناهيك بذكر علاقة حزب الله بتنظيم القاعدة في أكثر من موضع بالفيلم التسجيلي. وبالعودة مُجددا إلى السيناريو "الخيالي" الأول، ماذا قد يكون رد الفعل المصري إذا ما تم استهداف قصر رئاسي؟ هل تتحرك مصر تحت مظلة الأممالمتحدة لشن هجمات على تنظيم القاعدة في أفغانستان؟ هل تنجح مصر في حشد الرأي العام العالمي ضد إرهاب القاعدة؟ هل ستزيد أواصر التعاون بين مصر من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى وتوحيد الراية ضد عدو واحد؟ كلها أسئلة تخيلية تبحث عن إجابات..