فجأة، وبلا مقدمات، ومع التفاتة ذلك الرجل، اختفت تلك الشاشة الكبيرة.... وشهق (جو)، وهو يتراجع في حركة حادة.... واتسعت عيناه في ذهول.... وبكل ما تفجَّر في أعماقه من انفعالات، حدَّق (جو) في ذلك الممر الطويل، الذي انكشف خلف الشاشة الكبيرة، فور اختفائها... كان ممراً طويلاً، يبدو وكأنه بلا نهاية..... وفي ذهول مذعور، التفت (جو) إلى ذلك الرجل، بنظرة ملؤها التساؤلات والتوتر؛ فأشار الرجل إلى الممر، وهو يقول: -من بعدك يا سيد (جو).. هز (جو) رأسه نفياً في قوة، وقال: -أنت أولاً يا سيد.... تردَّد منتظراً أن يجيبه الرجل، إلا أن هذا الأخير تجاهل هذا التلميح تماماً، وهو يقول: - لا بأس.. اتجه في خطوات واثقة إلى الممر، وهو يقول في حزم: - اتبعني.. تردَّد (جو) بضع لحظات؛ إلا أنه لم يبد له هناك أي مخرج من الأمر؛ فتبع الرجل في خطوات متردَّدة، وما إن وضع قدمه على أرضية الممر، حتى انتفض جسده في قوة.... لقد كانت أرضية متحركة.... أرضية حملتهما عبر الممر، و(جو) يقول في توتر: -أين نحن بالضبط؟!... أجابه الرجل في بساطة، دون أن يلتفت إليه: - في (مصر).. هتف في توتر: - (مصر).... أهذه (مصر)؟!.. لم يشاهد ملامح الرجل، وهو يجيب في هدوء: - ولماذا لا تكون كذلك؟!... أجابه (جو)، في شيء من الحدة: - ألدينا أشياء مثل هذه في (مصر)؟!.. أومأ الرجل برأسه إيجاباً، دون أن يلتفت إليه، وأجاب: - أنها ليست تكنولوجيا متقدَّمة.... والمفترض أن مثلك يمكنه استيعاب هذا في سهولة. غمغم (جو): - حقاً!!... حملت غمغمته من الاستنكار، أكثر مما حملته من التساؤل، فتابع الرجل بنفس الهدوء: - الحجرة التي كنت بها، مصنوعة من معدن مصقول ومضغوط؛ لتفادي تلوث أساسها بالبكتريا، وهذا مجرَّد سير متحرك، و..... قاطعه (جو)، في شيء من العصبية: - والشاشة الكبيرة التي اختفت، دون أن تترك أي أثر؟!... أجابه في بساطة: - إنها شاشة هولوجرامية جديدة، أنتجتها شركة (سوني)، ولو تابعت موقع (يوتيوب) بضعة أيام في تركيز، ستجد ما هو أكثر غرابة. غمغم (جو) في تردّد: - إذن فتلك الشاشة... قاطعه الرجل، مجيباً: - لم تكن موجودة أبداً.... إنها مبتكرة؛ لإخفاء مدخل الممر فحسب. سأله (جو)، وتوتره يتزايد: - وإلى أين يقودنا هذا الممر؟!... أجابه في حزم: - إلى القاعة. سأله (جو) في سرعة: - أية قاعة؟!.. سكت الرجل طويلاً، قبل أن يجيب في صرامة: - ستعرف بعد قليل. كان جيش من العلماء يحاول فحص ذلك أو فهمه على الأقل عقد (جو) حاجبيه في شدة، ولم يرق له هذه الجواب الصارم أبداً، ولكنه كتم غضبه هذا في أعماقه، واكتفى بتأمل ذلك الممر الطويل، الذي تحمله الأرضية المتحركة مع الرجل عبره... كان ممراً مصنوعاً من ذلك المعدن المصقول ذاته، توَّزعت فيه مصابيح صغيرة على امتداده، بحيث تضيئه إضاءة متوسطة، لا هي بالهادئة، ولا هي بالشديدة، وباستثناء هذه المصابيح الصغيرة، لم تكن جدران الممر تحوي أي شيء آخر.... أي شيء على الإطلاق... ولقد كان الممر طويلاً بحق.... طويل، حتى أنه استغرق منهما اثنتي عشرة دقيقة كاملة، قبل أن تتوقَّف أرضيته فجأة، وهما يقفان أمام باب كبير، مصنوع من المعدن نفسه.... وفي هدوء، مال الرجل، وحدَّق في دائرة صغيرة، انطلق منها شعاع ليزر دقيق، فحص قزحية عينه، قبل أن ينفتح الباب في بطء.... كان (جو) ينوي سؤاله عن تلك التكنولوجيا أيضاً، ولكن ما رآه خلف هذا الباب الكبير، جعل عينيه تتسعان في شدة.... لقد كان على حق.... كان على حق تماماً.... وذلك المشهد أمامه، كان يثبت هذا.... فهناك، وفي منتصف القاعة تماماً، ووسط جمع كبير من العلماء، الذين يتحركون في نشاط واهتمام كبيرين، ولم ينتبهوا حتى لدخولهما، كان ذلك الشيء يستقر.... ذلك الطبق الطائر، الذي رآه بنفسه.... الطبق الذي أسقطته المقاتلات المصرية، على مقربة من مدينة (الرحاب).... وكان أثر إصابته واضحاً، في الجزء الأيسر الخلفي منه... المدهش أنه لم يكن، على الرغم من إصابته، يستقر على أرضية القاعة.... بل كان يسبح فوقها..... بوسيلة تكنولوجية ما، كان الطبق يسبح على نحو مضاد للجاذبية، على ارتفاع متر ونصف المتر من الأرضية..... وكان من الواضح أن ذلك الجيش من العلماء، كان يحاول فحص ذلك، أو فهمه على الأقل..... وبكل انفعاله، هتف (جو): - إذن، فقد كنت على حق.. أجابه الرجل في هدوء، لم يخل من الحزم: - أنت على حق منذ البداية.. التفت إليه (جو) في دهشة، هاتفاً: - لماذا إذن... لم يمنحه الرجل فرصة لإتمام تساؤله، وهو يقول: - كان لابد من منعك من نشر الخبر.. اتسعت عينا (جو)، وهو يقول: - ماذا تعني؟!... جلس الرجل في هدوء، على مقعد قريب، وقال: - اطمئن.... رؤيتك لتلك المركبة الفضائية العجيبة، ليست سبب إحضارنا لك هنا.. سأله (جو)، في تردَّد وتوتر: - لماذا إذن؟!... ظل الرجل يتطلَّع إليه لحظات في صمت، قبل أن يجيب في حزم: -لست أنا من سيخبرك بهذا. سأله في عصبية: - من إذن؟!... أجابه في صرامة: - انتظر. التقط (جو) نفساً عميقاً في عصبية، وأشاح بوجهه؛ ليراقب ذلك الطبق الطائر العجيب.... المفترض علمياً، ألا يطلق عليه ذلك الاسم البدائي، الذي بطل استخدامه منذ عقود من الزمن..... إنه ليس طبقاً طائراً، بل جسم مجهول الهوية.... جسم وصل إلى كوكبنا.... وطاردته مقاتلاتنا..... وأسقطته..... كان يشك في هذا في البداية، والآن هو واثق.... واثق تماماً مما رآه.... ومما يراه أمام عينيه الآن.... لكن حتى هذا لا يجيب تساؤله الأساسي... لماذا أحضروه إلى هنا؟!.... لماذا؟!... السيد (جو)..... أتى الصوت من خلفه حازماً، فالتفت إلى صاحبه في حركة حادة، وللوهلة الأولى بدا له الرجل مألوفاً بشدة، ثم تذكر أنه رآه أكثر من مرة، في برامج تليفزيونية علمية عديدة.... إنه مستشار رئيس الجمهورية..... المستشار العلمي للرئيس.... كان يتطلَّع إلى عينيه مباشرة، وهو يقول في هدوء رصين، وفي صوت قوي، أضفى عليه مهابة عميقة: - مرحباً بك خنا. سأله (جو) في توتر: - وما هو هنا هذا بالضبط؟!.. أشار الرجل بيده حوله، وهو يقول: - إنه مقر خاص للطوارئ، لم يخطر ببالنا قط، أن نستخدمه في أمر كهذا. سأله (جو) بفراغ صبر: - ولم أحضرتموني إليه بالضبط؟!.. أجابه الرجل في بساطة: - لأننا نحتاج إليك. سأله في سرعة متوترة: - فيم؟!.. ولم يجب المستشار العلمي؛ وإنما أشار بيده إلى ركن بعيد، فأدار (جو) بصره معه، إلى الركن نفسه..... واتسعت عيناه عن آخرهما في ذهول، أقرب إلى الصدمة..... فما رآه هناك، في ذلك الركن، كان أمراً مذهلاً..... وبكل المقاييس. يتبع أقرأ أيضاً: أكشن: القادم (1) دوي أكشن: القادم (2) الشائعة أكشن: القادم (3) مفقود أكشن: القادم (4) أرض غريبة أكشن: القادم (5) من؟! أكشن: القادم( 6) حصار أكشن: القادم (7) علامة استفهام