مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي تَلج الكلمات السابقة إلى قلبي دون استئذان فأستأنس بها، وتدغدغ مشاعري فأطرب لها، وأحلم بمصر التي في خاطري فأشتاق إلى أن تكون سوريا بدمائها المهدورة كمصر التي في خاطري، ولكم أشتاق أن أرى بلادنا كافة كما يدور بخاطري! دخلت سوريا التاريخ من أوسع أبوابه في العصر الحديث ثلاث مرات، أولاها: اتحادها مع مصر في تشكيل الوحدة العربية، وثانيها: حينما قام حافظ الأسد الأب بقصف حماة وقتل عشرات الألوف من معارضيه، وثالثهما حينما سار الابن على عواء أبيه. سوريا التي في خاطري.. هي تلك البلاد التي تمحو ظلام ماضيها وتخط سطورا بيض في كتاب لوثته أيادٍ غاشمة بسواد قلوبها إما لملك زائل أو مجد ضائع أو لآلئ خفت بريقها. الابن الذي رسم مستقبل بلاده بدماء شعبه ما زال يعوي بشبيحته، فيقتل النساء تارة أو يعتقلهن تارة أخرى.. يذبح الشيوخ العجزة يوما أو يكتفي بتعذيبهم حتى الموت يوما آخر.. يقتل آمال الأطفال في مهدها ويقضي على الأحلام. نسي الشبيح الأكبر والأسد الأحقر أن الأحلام لا تموت، بل تمضي وتحلق وتبني قصورا من جبال حتى ترى الحلم واقعا. سوريا التي في خاطري.. في ظل الانحياز الصارخ والحنين اللا متناهي من بعض فنانينا إلى ماضٍ مباركي، ونخبة فقدت ما بقي لها من صوابها لمجرد فوز فصيل كم أكدوا مرارا وتكرارا أنه سيفشل ونصبوا له العداء فقط ليثبتوا كم كانوا عباقرة وغيرهم حمقى. في ظل صراع بين الثورة والسياسة، بين المحافظين والثوريين، بين مرشح رئاسي ثوري وعالم حرك البلاد فأضحى أيقونة ثورية، كان الثوري أول من هاجم قرارات الثورة في حين انتقدها العالم بكل تقدير وإجلال وحكّم خلفيته العلمية المحافظة في حين تخلى الثوري عن ثوريته ليكون لدينا رئيس أنجبته الثورة تخلّى عنه الثوري. وبين هذا وذاك خرج المنشد السوري الحر يحيى حوّا ليناضل بين صفوف الجيش السوري الحر ضد عنفوان أسد يعوي قبل وفاته. سوريا التي في خاطري.. مصر وتونس وليبيا واليمن وحدة عربية ثورية تودّع الخلاف الذي شق الصف وسمح لماضٍ غير مرغوب فيه أن يتجمل ثم يعود من جديد ليتبوأ بكل صفاقة تلك المناصب التي تم خلعه منها. منهج الترويع الذي أثبت فشله بين بلاد الربيع العربي طبقه العاوي في سوريا بكل حذافيره وبشتى أدواته وبصمت دولي لا يقدم إلا الشجب ومحاسبة روسيا، وكأن هذا المجتمع الجاهل ركّب حروف الدولة خطأ "س . و . ر . ي . ا" يا عالم وليس "ر. و . س . ي . ا". لا أطالب بتدخل دولي، لكن عدم التدقيق اللغوي وإحالة الأسد إلى بوتين وسوريا إلى روسيا، يكفي هذا الحمق الصبياني البغيض.. بعض الإنصاف أرجوكم. سوريا التي في خاطري.. ليست يوتوبيا وليست محارق هتلر المزعومة، بل بلاد تتوقف دماؤها المهدورة، ويدرك السياف الغاشم أن من قتل بالسيف به يموت. وليدرك الساحر المجنون أن السحر دوما ينقلب على الساحر، وأن الدائرة تدور حول أعناق الفاسدين المفسدين، وأنت يا عاوي ما أطول عنقك! هكذا يقول التاريخ وتخط الأمثال سطورها ويتعلم اللبيب من ثنايا الماضي، وغدا سيحررها الأحر لتعود سوريا تلك التي في خاطري..