قبل أن تحدث الثورة كانت مشكلات البلد معروفة ويمكن عدّها على أصابع اليد، طبعا يمكن أن يقول أحدكم إن الفساد هو المشكلة الكبرى، وهي إجابة مقبولة، لكن يمكن تفصيلها في مشكلات الصرف الصحي، والقمامة، وتصحير الأراضي، وسرقة خيرات البلد، وظلم الشرطة الفاحش، وتدني مستوى التعليم والصحة، وانتشار البطالة، وفساد الذوق العام... إلخ. بعد حدوث الثورة حدثت مشكلات جديدة في فترات زمنية قصيرة جدا وكأنها متتالية فيبوناتشي الشهيرة، حيث كل رقم هو مجموع الرقمين السابقين له. مشكلات كثيرة جدا راحت تتراكم بشكل غير معقول، والآن بعد فوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية سيكون عليه واجب ثقيل جدا، هو محو هذه الأرقام المخيفة -حيث كل رقم مركب من عدة مشكلات- بأستيكة. في البداية نقف أمام حديث الرئيس محمد مرسي، وبالتحديد جملة "أطيعوني ما أطعت الله فيكم"، وهي جملة جميلة وتعبر عن حس الرجل الأخلاقي واتجاهه لإصلاح البلد، وهي ذات الجملة التي نطق بها الصدّيق الخليفة الراشد الأول لدولة المسلمين، مع ملاحظة عدة أشياء: الملاحظة الأولى: إن الصدّيق هو من هو، وفضله لا ينكره أحد، وتاريخه الطويل قبل تلك اللحظة التي يطلب فيها من المسلمين أن يُطاع ما أطاع الله، فإن عصاه فلا طاعة له عليهم. الملاحظة الثانية: إن ذلك العصر البعيد كان الخير والشر فيه واضحين وضوح الشمس في رائعة النهار.. أما عن اليوم فكل الألوان موجودة عدا الأبيض والأسود. الملاحظة الثالثة: إن الصدّيق ومن بعده الفاروق، كانا يمتلكان عقلية استنتاجية تتجاوز جمود النصوص؛ فأبو بكر قام بحرب الردة على أقوام شهدوا بالشهادة، واعتبرها عصيانا يجب قمعه وإلا ارتدت الجزيرة كلها عن الإسلام، والفاروق رأيناه يعارض نصوصا صريحة في القرآن ليس تعطيلا لها، ولكن لأن الأسباب نفسها اختلفت؛ فهل سيقوم الرئيس الجديد بذات الأمر، خاصة في مسائل عديدة متعلقة بطبيعة المجتمع المصري؟ الملاحظة الرابعة: إن أول خليفتين كانا يتمتعان بجمع من الصحابة كمجلس شورى -إن جاز التعبير- يقوونه برأيهم، وبذلك الثراء الفكري الموجود كان من الطبيعي أن تزدهر الأمة وسط أجواء صعبة وعاصفة. فهل هذا يوجد حاليا فيمن حول الرئيس الجديد؟ تابعتُ فرح محمد مرسي وحملته والإخوان وجزء كبير من الشعب المصري، وتابعتُ أيضا القرارات التي راح رئيسنا الجديد يأمر بها، وهي مبشرة وتدلل على أن حس الرجل يتجه نحو الإصلاح فعلا، لكن... هناك مثل عبقري يقول "الغربال الجديد له شدّة"، والأيام القادمة ستثبت لنا إن كان الغربال الجديد سيظل هكذا أم ستتغير الأمور فيما بعد. نضع أيدينا على قلوبنا ونحن ننظر إلى المستقبل، لكن دون أن نضع تصورات مسبقة تدفع إلى التفاؤل أو التشاؤم. لا أعرف كيف سيقوم الرئيس الجديد بمحو تلك المشكلات المعقدة ما قبل الثورة وما بعدها... المهمة صعبة جدا. فهل سينجح فيها؟ أتمنى..