كيف أصبحنا أمة الغطاء الشكلي والخواء الروحي؟؟ فقه البداوة سبب نكبة الأمة الإسلامية أعدها للنشر.. عمرو حسن - احمد صالح - محمد صلاح - دعاء رمزي - مروة سالم
د.أمنة نصير أستاذ الشريعة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر كانت ضيفا عزيزا على مائدة حوار "بص وطل"، حاورناها في قضايا التدين المظهري والخواء الذي يعيشه المسلمون، وحالة التغريب الديني والاجتماعي التي يعيشها شبابنا هذه الأيام، وغياب الدور الاجتماعي للمسجد.. حاورناها، وشاكسناها واستسقينا من علمها.. فأجابت بصدر رحب لكل قراء "بص وطل"، ولخصت مآسي المسلمين في كلمات بسيطة ولكنها تحمل من العمق الكثير.... لماذا أصبحنا مؤخرا نضيق بالاختلاف؟ فيما يتعلق بالاختلاف فيحضرني موقف عندما كنت في قطر في مؤتمر يحضره حاخامات وقساوسة وشيوخ، وأول ما بدأت كلامي أكدت على أنني لا أضيق مع من يختلف معي بتاتا؛ فالاختلاف إرادة إلهية؛ لأن الله لو أراد أن يخلقنا جميعا على دين واحد وعلى أمة واحدة وعلى لون واحد لفعل، ولكن الاختلاف إرادة إلهية وهو سر بقائنا وتعارفنا، فالله يقول: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} وليس: لتتقاتلوا. فجاءت اليهودية ثم المسيحية ولم تأتِ تلك الأخيرة كي تقاتل اليهودية، فكلهم أنبياء ورسل من عند الله لأقوامهم، ولم يجئ الإسلام لمسح اليهودية والمسيحية، ولكن جاء بما اشتمله من خصائص كختام للنبوة، صحيح كان هناك قتال في الإسلام، ولكن كان قتالا له دوافعه وما دفعنا عليها؛ لأننا لم نعرف كيف نتوافق جميعا، وأن نقول كما قال القرآن: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى}. فعندما يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأجمله وأحسنه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون ألا وضعت هذه اللبنة؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين". واقعة أخرى عندما ذهب الرسول للمدينة، وسألهم عن سبب الصيام، فأكدوا له أن هذا بمناسبة نجاة موسى عليه السلام، فقال الرسول: أنا أولى بأخي موسى في هذا اليوم.. لاحظ استخدام كلمة أخي موسى أو أخي عيسى... إلخ، إذن طالما الدين بهذا اليسر فما المشكلة؟!! كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ ضيقنا بالاختلاف له عدة أوجه؛ ففي الأربعين عاما الأخيرة اختلفنا بشكل كبير حتى على غير طبيعتنا المصرية البسيطة، فكنا جميعا في الستينيات منطلقين دون تعقيدات، ولكن بعد ذلك نُكبنا بأزمات اقتصادية كبيرة من حروب وغيرها ولم نعرف كيف نجد من ينمي بعد ما توقفت الحروب، وبالتالي زحفنا على دول البترول من مدرسين وعمال وشغالات وأساتذة وأطباء، وعدنا بعدة أمراض، أول مرض: هذا المال الذي لم نُحسن استغلاله وتنمية اقتصادنا ومجتمعاتنا كما يجب، فاشترينا العربيات والشقق كالجوعان الذي ما صدّق ملك فلوس! نلاحظ أيضا أن رب البيت سافر للخليج تاركا الزوجة والأولاد، فاجتمع أضلاع مثلث الخطر، وهي غياب رب البيت، والأم لا يمكنها أن تقوم بالقوامة مهما كان، وهذا ما ينقلني إلى نقطة تالية وهي قوامة الرجل. كيف تكون قوامة الرجل رحمة بالمرأة؟ نساء اليوم يغضبن من قوامة الرجل بشكل غريب، فالقوامة أن يكون الرجل متحملا مسئولية الأولاد والزوجة، ويكون خادما لهم في تحقيق طلباتهم، وتحقيق حياة كريمة لهم دون إجحاف أو إسراف أو منٍّ وأذى، فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض، لاحظ تبادلية التفضيل، فالمرأة مفضّلة وكذلك الرجل، وبالتالي يأتي التفضيل الأخير للرجل بعد تساويهما من خلال ما ينفق من تأمين بيت وأولاد وكساء ومدارس... إلخ، ولكن مآسي كثيرة تحدث الآن في البيوت بسبب مشاركة المرأة في الإنفاق واعتقادها أنها تساوت مع الرجل، فيجب عليها أن تعطي دون منٍّ أو أذى، بل يجب عليها أن تكون متفضلة، وعلى الرجل أيضا أن يصون كرامته، فلا يتحول لعدّاد فلوس يأخذ منها ما تأتي به كيوسف بطرس غالي الذي يريد محاسبتي على الشقة التي أعيش فيها، فالمرأة ليست ملزمة بل متفضلة دون منٍّ ولا أذى، وهذا هو السكن والمودة والرحمة الذي حدثنا عنه القرآن الكريم، فيتم التعايش بين الطرفين في أمور الماديات بالودّ حتى تستمر الحياة. ثالثا حتى اختلافي كذكر وأنثى فيه نماء البشرية؛ لأنه بذرة التناسل وبقاء النوع، فأولادنا الذين يتأخرون في الإنجاب لبعض الوقت يفقدون صوابهم ويقصدون الأطباء، حتى ينجبوا أطفالا يربونهم ويتعبون فيداوونهم؛ وهذه هي سنة الحياة، فالإنسان لا يستطيع العيش في استقرار أبدا، وإلا لكان سيدنا آدم قد رضي بالجنة، ولكن الشيطان وسوس له بأن هذه الشجرة هي شجرة الخلد، وبالطبع كل هذا ترتيب إلهي؛ فالله سبحانه وتعالى هيأ المسرح الكروي كي يكون ذلك، وأن يفتح لنا أبونا آدم بداية الشقاء، ويوسوس له إبليس وينزل للأرض حتى يشقى ويخلف وراءه ذرية شقية، وهذا هو سر الحياة لا فرار منه إنما السؤال الآن...
يمكننا مواجهة الاختلاف بأدب الاختلاف كيف نواجه الاختلاف؟ يمكننا مواجهة الاختلاف بأدب الاختلاف، والتأكيد دائما على أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، هل هناك أجمل من هذا؟!!، ولكن سفرنا لدول البترول أعاد لنا عدة أمراض أبعدتنا عن آداب الاختلاف أهمها: •عدنا بسيكولوجية الهزيمة حيث انبهرنا بالمال والفيلات والعربيات والأموال، وبدأنا في تقليدهم قدر الإمكان، ودخلنا في إنفاق غير مرشّد، وكثير منهم يسافر دون العودة مرة أخرى، حيث ينتابه نوع من الجشع، فلو أخذت جبلا من ذهب ستفكر في جبل آخر من فضة. •عدنا أيضا بلوثة التقليد بسبب انبهارنا بهم هناك، وبالتالي عدنا بسيكولوجية الانكسار، دائما يجعلني أنبهر بمن هو أغنى مني وهذا شيء غريب بالنظر إلى خلفياتنا التاريخية الإسلامية الحضارية، فعندما كنا في أوج حضارتنا الإسلامية قلدَنَا الأوروبيون، وهذا بشهادتهم، فيحضرني في هذا قول بابا روما "سيلفستر السادس عشر" قوله: أتمنى أن أتعلّم العربية حتى أتقن العِلم العربي، المعنى ذاته أكّد عليه قادة النهضة في أوروبا مثل روجر وفرانسيس بيكون قائلين: مَن لا يتعلّم العربية لا يتعلم العِلم ولا يعرفه، وريجان في خطابه في الأممالمتحدة بالخمسينيات قال: إن العرب هم من علّمونا الفلك والحساب ولولاها لم نكن لنصل لمثل علمهم، وكذلك المستشرق بجامعة هارفارد جورج سارتون قال: لولا حضارة العرب وعلوم العرب في شتى المجالات لتأخرت حضارة أوروبا عدة قرون. آثار انتشار فقه البداوة أعود من جديد لبداية كلامي فالانهماك في المال والانكسار أمام طاغوت البترول تسبب لنا في التقليد والانكسار النفسي، وكان من أخطر ما قلّدناه فقه البدو في قضايا الحلال والحرام والنقاب والحجاب والتمتمة في كل شيء، حتى انتشرت اللحية بشكل غريب، حتى أنني يوم أمس زارني عامل إصلاح البوتاجاز مطلقا لحيته دون تهذيب، ولا مانع من إطلاقها ولكن بمظهر جميل؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مهندما وجميلا. وعموما هناك فرض وهناك فريضة، وهناك فرق بين أمر مستحب وبين اختلاف الثقافات من العصور، ويحضرني كلمة قلتها في مجلس الجامعة: أنا لي أمنية في حياتي أودّ أن أراها قبل أن ألقى الله كيف أننا لا نُقتلع من جذورنا ولا نغترب عن مستجدات عصرنا ما بين هذا وذاك جسر طويل من هنا وحتى نيويورك، ليبقى السؤال: هل نحن قادرون على ألا نُقتلع من جذورنا -فمن يقتلع من جذوره يضيع في الدنيا وبفضل التمسك بالجذور استمر اليهود حتى الآن- وفي نفس الوقت لا أغترب عن العصر، ونعبر من هذا إلى ذاك بعلم وسلام لعقائدنا وبنضارة لفكرنا ومعرفة الثقافة وأننا ندرك أن العلماء ورثة الأنبياء؟ هل يمكن أن نكون ورثة فعلا لهم دون أن نتسول الرغيف والسلاح والملبس؟؟ هذه هي مأساتنا الحقيقية. تديننا المظهري جعل الآخرين يسخرون منّا على الرغم من وجود صوة دينية -شكلية- لدى الشباب، لكننا لا نعلم الطريق الصحيح حتى الآن رغم وجود المصلين وطوال اللحى والمتحجبات ولكن هناك خواء؟ دعيني أشرح عن مصدر هذا الخواء، فمن سافر للعراق عاد بميراث السنة والشيعة، ومن ذهب إلى الجزيرة العربية عاد بالحجاب والنقاب، وذاك الأخير تسبب لي في حوار لا ينتهي مع مناصري فرضية النقاب، وأكدْت لهم أنه لو كان فريضة لفعلته، وبالتالي عدنا بكل المظاهر الشكلية، وفقدنا المظهر المصري البسيط المتزن، ففي الماضي لم يكن لدينا عُقَد وكنا نمارس حياتنا بقمة البساطة، وأتذكر أنني في الستينيات كنت أذهب لكلية البنات من مترو الميرغني للكلية وكانت منطقة نائية للغاية لدرجة أنهم وفروا لنا أكشاكا عسكرية لتأميننا، ومع ذلك لم نكن نرى تحرشا أو بذاءة في اللسان كما نراها الآن، لم نكن نرى خشونة التعامل التي كنا نراها في وقتنا هذا في كل مكان، نادرا ما تجد موظفا دمث الخلق يؤدي الخدمة بشكل صحيح أو بكلمة حلوة وهو أمر لا أعرف له سببا رغم أننا أصبحنا على علم بكل النصوص، ولكن يبدو أنه حفظ للنصوص وليس معرفة بها. وأتذكر في هذا الموقف طالبة أخبرتني مسرورة أنها ختمت القرآن الكريم أربع مرّات فسألتها؟ ماذا فقهتِ؟ ماذا طبقتِ؟ ماذا تعلمتِ؟ ماذا أخذتِ؟ وبالتالي فالقراءة غير المتفقهة لا فائدة منها وليس هناك في هذا المعرض أفضل من أبي ذر الغفاري الذي استمر 10 سنوات يحفظ في سورة البقرة يحاول تطبيقها آية آية، وهكذا تحولنا جميعا لمجرد أعداد ومادة وأشكال ومظاهر وفقدنا الجوهر، وكما قلت قبل ذلك في نادي سموحة، لقد أصبحنا أمة الغطاء الشكلي والخواء الجوهري، شيء جميل أن أحتشم ولكن الأجمل أن يكون داخلي هو ما يحمي مظهري وليس العكس. .................................................... في الحلقة القادمة الدكتورة أمنة تكشف مفاجأة صادمة عن النقاب وأصوله ووصوله إلينا.... فانتظرونا،،،،