محمد عبد المنعم الصاوي بل نجحوا جميعاً في إقناعي بأهمية التحول السريع إلى الدولة البرلمانية، وحتى لا يُساء فهمي، أؤكد اقتناعي الكامل بضرورة اقتران ذلك بإعادة انتخاب مجلس الشعب.
أعتذر عن سرعة الدخول في الموضوع هذه المرة، لكني فعلت ذلك لإدراكي أنكم جميعاً -أعزائي القراء- تعيشون الموضوع لحظة بلحظة، وتُعانون منه كما أُعاني من كثافة التغطيات الإعلامية لمرشحي الرئاسة، التي تزيدنا اقتناعاً بأن أحداً على الساحة لا يرقى إلى مستوى طموحاتنا وتصوراتنا عن رئيس "جمهورية مصر الطبيعية" التي أحلم بها، وأتصور أن الكثيرين يشاركونني الحلم نفسه.
آلمني مؤخراً انزلاق بعضهم لتبادل الإهانات والإساءات الشخصية، وهي الظاهرة التي أتوقع أن تتعمق وتزداد في الأسبوعين المقبلين.
أزعجني جداً درجة الاندفاع لدى أغلبهم في إصدار الوعود التي تؤكّد عدم نضجهم أو -وهو الأخطر- عدم أمانتهم فيما يطلقون من وعود.
لم أستطع حبس ضحكاتي وأنا أسمع عن تحقيق الأمن في أربع وعشرين ساعة، والقضاء على جميع ملامح الفساد في ستة أشهر!!
أضحك أيضاً كلما سمعت من يتحدث عن مواجهة البطالة، ويعلن بمنتهى الثقة أن الحل الأمثل للقضاء على البطالة -انتظر عزيزي القارئ ولا تقع في الفخ بسرعة- فالحل الأمثل للقضاء على البطالة -من وجهة نظر أحد المرشحين للرئاسة- يكمن في توفير فرص العمل! "بس خلاص" لم يقل أكثر من ذلك ليُقاطَع بتصفيق حادّ من مؤيديه!
هذا يوفر فرص العمل، وذاك يوفّر لنا المياه، والثالث سينشئ عشر وزارات جديدة لحل المشكلات، في حين تتجه نظريات الإدارة الحديثة في الدول المتقدمة إلى تقليل عدد الوزارات ما أمكن!
يتحدّث كل منهم بلغة الديكتاتور؛ فالديكتاتور وحده هو القادر على استخدام لغة "سأفعل"؛ لأنه يملك إصدار التعليمات التي ينتظرها عبيده الذين لا يبدؤون جملة مفيدة أو ضارة إلا بعبارة "بناءً على توجيهات الرئيس"، ويحرصون في نهاية كل مناسبة على أن يُذكّرونا بإنجازاته المباركة.
لقد دعوتهم في مقال سابق للتخلي عن هذه الثقة الزائدة.. تمنّيتُ أن أسمع من يجيب ولو مرة واحدة ب"لا أدري".. "أحتاج إلى دراسة هذا الأمر".. "هذا اختصاص دقيق سألجأ فيه للخبراء قبل اتخاذ القرار".. "هذا قرار مصيري يجب أن يعرض على الشعب في استفتاء عام، أو يعرض على مجلس الشعب لدراسته وإقراره".
بعضهم يدعونا لانتخابه؛ لأن الآخرين لا يصلحون، وبعضهم يقولها بعبارات واضحة أو مستترة: "انتخبوني تجدوا ما يسركم"!!
نعم.. أقولها غير متردد: فليكن نظامنا القادم برلمانياً كإنجلترا وألمانيا والعديد من دول أوروبا التي استقرت فيها ديمقراطيات عريقة.. وأعود لتأكيد ضرورة ارتباط إقرار النظام البرلماني بحل البرلمان وإعادة انتخاب أعضائه.
في هذه الحالة سيتوجّه الناخب إلى صندوق الانتخاب وهو مدرك لأهمية ومسئولية اختيار نائب يمثّله، فهذا النائب سيتحول إلى صوت مؤثر في تكوين الأغلبية التي تُشكّل الحكومة، أو يصبح جزءاً من نسيج المعارضة التي تعمل على كشف عيوب الحكومة وأخطائها وتجاوزاتها.
أرجو ألا يعتبر أحدٌ مقالي هذا تقليلاً من شأن مرشحينا، الذين يساهمون جميعاً في وقف عجلة الإنتاج بدعوة المواطنين للسهر يومياً حتى الفجر، أملاً في اكتشاف الأصلح منهم!
هي بلا شك نعمة نحمد الله عليها.. أن تشهد مصر -بعد طول الصبر- تنافساً حقيقياً على منصب الرئيس، لكنها في الوقت ذاته فرصة لنكتشف ضرورة أن نخرج من عصر الفرد إلى عصر الإرادة الشعبية والعمل الجماعي.
منصب رئيس الجمهورية في النظام البرلماني منصب شرفي، أما العمل الحقيقي الذي تعارفنا على تسميته مؤخراً بإدارة شئون البلاد، فهو من شأن البرلمان والحكومة.
أعود إليه.. إلى الديكتاتور العادل الذي لن أتنازل عن المطالبة به، أرجوكم "ماتفهمونيش غلط"، الديكتاتور العادل الذي أعنيه وأنادي به هو "الدستور"، أملي فيه كبير ليُرسِي القواعد العامة والعلاقات والصلاحيات المختلفة، أما الحديث عن أن سيادته يجب أن يعيش مائة عام أو يزيد، فهو حديث يقوله البسطاء ببراءة، ويقوله الخبراء بما يبتعد كثيراً عن البراءة.
لا تنشغلوا بالرئيس عن رئيس الرئيس.. الدستور هو الحل.. ولا مانع أبداً من أن نصل فوراً إلى صيغة موجزة نبدأ بها عصرنا الجديد، ثم نشرع بعد إتمام الانتخابات الجديدة في تطويره وتفريعه كالشجرة الطيبة. نُشر بالمصري اليوم بتاريخ: 10/ 5/ 2012