عام مضى على مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في مكان اختبائه في أبوت أباد في باكستان. وعلى رغم أن قيادة القاعدة الحالية بزعامة أيمن الظواهري في مناطق الحدود الأفغانية-الباكستانية لا تبدو بوضع أفضل اليوم من وضع الحصار والنزف على مستوى القيادات الذي كان يعاني منه التنظيم في السنوات الأخيرة من عمْر بن لادن، فإن ذلك لا يعني أن القاعدة قد انتهت كلياً. فهي كما يبدو ما زالت قادرة على الاستعانة بمساعدة حلفائها الذين تحوّلوا إلى فروع لها في أنحاء العالم وآخرهم فرعها في شرق إفريقيا ممثلاً بحركة الشباب المجاهدين الصومالية. وعلى رغم أن انضمام الشباب إلى القاعدة قُدّم على أنه "إنجاز" لزعيم التنظيم الجديد الظواهري، فإن واقع الأمر أن ما تقوم به الحركة الصومالية المسلحة اليوم يدل على أنها تسير على نفس الخطى التي سارت عليها فروع أخرى للقاعدة وجماعات مسلحة أخرى، وانتهت بالقضاء عليها نتيجة غلوّها وتفسيرها المتشدد للتعاليم الإسلامية، بحيث أدت إلى تنفير الناس منها ودفعهم إلى الالتحاق بمناوئيها. حركة الشباب تسبح عكس التيار وعمليات القتل والتفجير التي تقوم بها حالياً حركة الشباب المجاهدين في الصومال تدل على أن هذه الجماعة تبدو كمن يصرّ على السير بعكس التيار، بحيث إن عملياتها بدلا من أن تصبّ في خانة إكسابها تأييداً شعبياً فإنها تؤدي إلى العكس من ذلك تماماً، كما يظهر من نوعية التفجيرات الأخيرة التي قامت بها في 4 إبريل في العاصمة مقديشو والتي راح ضحيتها أكثر من ستة مدنيين بينهم مسئولون رياضيون لا علاقة لهم بمجريات القتال الدائر بين الشباب وبين القوات الحكومية التي تساندها قوات سلام من الاتحاد الإفريقي. وعلى رغم أن حركة الشباب قامت بتفجيرات كثيرة في السابق راح ضحيتها مدنيون كثر، فإن هجومها الأخير في قلب العاصمة مقديشو يستحقّ التوقف عنده كونه جاء بعد أن صارت الحركة فرعاً رسمياً للقاعدة في فبراير هذا العام، وصارت عمليات حركة الشباب بالتالي تُنسب إلى هذا التنظيم. وقد تمّ تنفيذ الهجوم الأخير، بحسب ما أفادت تقارير إعلامية، على يد امرأة "انتحارية" فجّرت نفسها في المسرح الوطني في مقديشو، مما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص بينهم مسئولان رياضيان بارزان (هما رئيس اللجنة الأوليمبية الصومالية ورئيس فيدرالية كرة القدم)، ويبدو أن الحركة كانت تريد استهداف رئيس الحكومة عبد الوليّ محمد علي الذي كان يهمّ بإلقاء كلمة في المسرح الذي تمّ افتتاحه حديثاً وللمرة الأولى منذ 20 سنة، لكنه لم يُصَب بأذى. وإضافة إلى الخسائر البشرية التي سبّبها تفجير المسرح الوطني، فإن المؤلم في هذا الهجوم هو أنه قد جاء في وقت بدأت العاصمة الصومالية تُظهر مزيداً من مؤشرات عودة الحياة إلى طبيعتها بعد أكثر من 20 سنة من الحروب الأهلية التي بدأت بعد سقوط نظام سياد بري عام 1991. فمنذ طرد حركة الشباب من مقديشو في أغسطس الماضي، يُلاحظ أن ثقة الصوماليين بأنفسهم قد ازدادت، حيث تم افتتاح مدارس ومتاجر ومطاعم جديدة، وبدأت عملية إعادة إعمار واضحة في أنحاء العاصمة المدمّرة. كما تمّ افتتاح أول خط طيران دولي في مارس من خلال رحلتين أسبوعيتين تنظّمها الخطوط الجوية التركية. ولذلك فإن لجوء حركة الشباب إلى تفجير المسرح الوطني قد يؤدي إلى نتيجة مغايرة لتلك التي يريدها؛ إذ إنه يمكن أن يزيد غضب مواطني العاصمة الذين يتطلعون إلى بدء حياة جديدة. ولا شكّ في أنه في داخل الحركة الإسلامية الصومالية من يدرك أن مثل هذه العمليات لا تأتي بخير على من يصفون أنفسهم بالجهاديين. وقد عبّر عن هذا الرأي أخيراً الشيخ حسن ضاهر أويس الذي كان يرأس حزب الإسلام قبل أن ينضمّ إلى الشباب في عام 2010. وقال أويس في كلمة له في 30 مارس: "أحذّر الإخوة المجاهدين في حركة الشباب من استباحة دماء الشعب الصومالي المسلم، وقتل المدنيين الأبرياء باسم الإسلام". وتزامن انتقاد الزعيم السابق لحزب "الإسلام" مع شريط فيديو نُشر في مارس على شبكة الانترنت ل "أبو منصور الأمريكي" أو عمر همامي قال فيه إنه يخشى على نفسه من أن تقتله حركة الشباب التي كان قد التحق بها قبل سنوات من أجل "الجهاد"، وتحدّث الأمريكي في الشريط عن خلافات فقهية مع الشباب لم يخُضْ في تفاصيلها، ما ترك الأمر غامضاً في شأن ما إذا كان الأمر يتعلق بخلافات حول تبرير عمليات القتل واستباحة الدماء. وعلى رغم أن حركة الشباب ردت بالقول إنها لا تريد قتل الأمريكي، وإنها فتحت تحقيقاً لمعرفة من هم الذين يخشى على حياته منهم، فقد تمّ تداول تقارير إعلامية قبل أيام قليلة تحدّثت عن مقتله ربما بقطع الرأس على يد فصيل تابع للشباب. غير أن خبر مقتله لم يتأكد، كما ظهرت تقارير تقول إنه لا يزال على قيد الحياة وقيد الإقامة الجبرية، وللآن لم تعلق حركة الشباب على خبر مقتله. ودفعت حالة الغموض حول مصير الأمريكي والانقسامات والانشقاقات في صفوف الحركة، عددا من المحللين الصوماليين إلى الإعلان أن الحركة "دخلت مرحلة الاحتضار". كما في الصومال، كذلك في العراق واليمن وهكذا فإن مسار حركة الشباب في تبرير عمليات القتل والتفجير يشير إلى أنها تسير في نفس الطريق الذي سارت عليه سابقاً فروع أخرى للقاعدة، أدت عملياتها للمساهمة في القضاء عليها بعدما كانت سبباً أساسياً في تراجع التأييد الشعبي لنشاطها. ولعل المثال الأوضح على ذلك هو مسار تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي. إذ ساهمت عمليات الزرقاوي والتي تم فيها قتل مئات المواطنين بتفجيرات عشوائية أو بعمليات قتل مقززة، في دفع شرائح واسعة من العراقيين وبينهم فصائل ما يُعرف بالمقاومة المسلحة ضد القوات الأجنبية وقوات الحكومة العراقية الجديدة، إلى النأي بأنفسهم عن القاعدة بل الانضمام إلى جهود القضاء عليها. وتشير تقارير أخرى من اليمن هذه الأيام إلى غضب مماثل من شرائح من الشعب اليمني ترفض ممارسات فرع القاعدة في جزيرة العرب وجماعة أنصار الشريعة المتحالفة معه، والتي تقوم على تطبيق فهم متشدد للشريعة يتضمن تطبيق الحدود. كما أن هذا الرفض لا يأتي من الشعب اليمني وحسب، بل بدأ يظهر عند بعض عناصر أنصار الشريعة أنفسهم الذين يرفضون أسلوب القتل العشوائي الذي تتبعه القاعدة، ودليل على ذلك حادثة إعدام أنصار الشريعة لسبعة من عناصرها مؤخرا لرفضهم القيام بعمليات انتحارية تستهدف اللجان الشعبية في مدينة لودر بأبين. ولا بد أن رفض هذه العناصر القيام بعمليات انتحارية هو تطور إيجابي يدل على التفكك الداخلي الذي باتت تعاني منه الجماعة في اليمن، ومفاده أن بعض عناصر الجماعة بدؤوا يعودون إلى رشدهم، وربما اقتنعوا بعدم صواب القتال مع القاعدة. وكان الرفض الشعبي نفسه قد حصل في سنوات التسعينيات في الجزائر عندما أثارت عمليات قتل بشعة تبنتها الجماعة الإسلامية المسلّحة غضباً شعبياً واسعاً، ساعد الحكومة المركزية في إلحاق الهزيمة بالمتشددين؛ فقد ساعدت عمليات القتل التي تبنتها الجماعة المسلحة في قرى نائية في دفع أبناء هذه القرى إلى التطوّع في فرق للدفاع الذاتي تسلحها الدولة، الأمر الذي حرم الجماعة المسلحة من النشاط في الأرياف، وساعد قوات الأمن في ملاحقتها والقضاء عليها. وقد تراجع العنف المسلح في الجزائر كثيراً منذ القضاء على الجماعة المسلحة، على رغم أن فصيلا انشقّ عنها باسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ما زال مصرّاً على استخدام العنف حتى الآن بعدما تحالف مع القاعدة، وصار فرعاً لها في شمال إفريقيا باسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي منذ العام 2007. وفي ضوء ما تقدّم يبدو واضحاً أن القاعدة وفروعها بحاجة إلى إجراء مراجعة لجدوى الاستمرار في عمليات القتل والتفجير التي يسقط ضحيتها مدنيون أبرياء؛ فالقاعدة تعرف بلا شك أن خسارتها التأييد الشعبي يعني أنها صارت بمثابة سمك خارج الماء.. ينتظر الموت. حتى بن لادن قبل وفاته أدرك أن المنظمة يُنظر إليها نظرة سلبية، وخصوصا بعدما تناقضت أفعالها مع الوسائل السلمية لثورات الربيع العربي. لكن عمليات مقديشو واليمن الأخيرة تدل على أن هذا الدرس الأساسي حول عبثية العنف لم يتم فهمه بعد، لذلك فإن أي محاولات مستقبلية "لإعادة تسويق" تنظيم القاعدة عن طريق ربطه بالحركات المحلية سيأتي على الأرجح بنتائج عكسية. تحليل أعدّه راجح سعيد من لندن لموقع "الشرفة" بتاريخ: 27/ 4/ 2012