السنوسي محمد السنوسي دون مقدمات، اسمع هذين الخبرين المنشورين في صحف أمس (الثلاثاء): الخبر الأول: أوصت هيئة مفوضي المحكمة الدستورية أول أمس (الإثنين) ببطلان مجلسي الشعب والشورى؛ بسبب السماح للأحزاب بالترشح على مقاعد الفردي، بعد أن كانت مقصورة على المرشحين المستقلين الذين كان يجب أن يقتسموا عدد المقاعد مع الأحزاب التي اختصت بالترشح على القوائم. ثم نفى مصدر قضائي مسئول بالمحكمة الدستورية العليا ما نشرته بعض الصحف، من أن هيئة المفوضين بالمحكمة قد انتهت من إعداد التقرير الخاص بالرأي القانوني في الطعن على دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب. وأكد المصدر عدم صحة ما نُشر في هذا الصدد أيضا حول تحديد جلسة 6 مايو المقبل لنظر الطعن، قائلا: "إن هيئة المفوضين بالمحكمة ما زالت تقوم بدراسة الطعن ولم تنته بعد من إعداد التقرير في شأنه". الخبر الثاني: صدّق المشير حسن طنطاوي على "قانون العزل" الذي سيمنع الفريق شفيق من استكمال السباق الرئاسي، وفي حال طعن شفيق على القانون بعدم دستوريته، ستنظر المحكمة الدستورية في القانون، وربما يتأخر حكمها إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وفي حال حكمت بعدم دستوريته ستتم إعادة الانتخابات الرئاسية من جديد!! ماذا يعني هذان الخبران؟! بالنسبة للخبر الأول، والذي تم تكذيبه، وتم أيضًا تسريبه من عدة أيام على أحد المواقع الإلكترونية ثم سُحب، فإن طريقة بثه ثم تكذيبه أو سحبه تثير الريبة، خاصة أن المصدر القضائي لم ينفه تمامًا، وإنما نفى أن تكون هيئة المفوضين بالمحكمة قد انتهت من إعداد التقرير الخاص بالمسألة. وحسب الإعلان الدستوري كان يجب إجراء الانتخابات مناصفة بين مقاعد (القائمة) المخصصة للأحزاب وبين (الفردي) المخصصة للمستقلين.. لكن ألحت الأحزاب والقوى الخائفة من الإسلاميين على المجلس العسكري حتى قَبِل بأن تنافس الأحزاب على مقاعد الفردي، مما يخصم من مقاعد المستقلين، وتم هذا بالمشاورة مع أعضاء من المحكمة الدستورية، التي هي الآن تحكم بعدم دستورية الانتخابات. يا سلااااااام؟! هذا يعني ببساطة أن هناك من يصنع الأزمة زي مسمار جحا، ثم يرتب عليها أحكامًا ليظل الباب مفتوحا أمام إعادة "اللعب" من جديد عندما يخسر الجولة الأولى، بالضبط زي العيال الصغيرة اللي بيلعبوا، وكل ما واحد يقرب يخسر يقول: لا يا عم، تعال نلعب من جديد، ونهدّ الدور ده! وكأن البلد رهن مزاجهم ومصلحتهم الشخصية، وكأن مافيش انفلات أمني ولا فيه انتحار اقتصادي ولا فيه مصايب متلتلة تنتظر من يبحث عن حل ومخرج، وليس عمن يفتعل المشكلات والأزمات!! فالأحزاب التي غيّرت الإعلان الدستوري لصالحها، هي من تسعى لإبطال الانتخابات لما ظهرت نتائجها لغير صالحها!! أما الخبر الثاني، فهو أيضًا إحدى العجائب؛ لأن مفيش ثورة في الدنيا لا تحصل فيها قوانين تعاقب النظام المخلوع، وتحصّن الثورة من إمكانية الانقلاب عليها، حتى لو جاء الانقلاب عن طريق الديمقراطية.. وهي الخطوات التي تُعرف بالتطهير أو المحاكمات الثورية. ومع أن ثورتنا والحمد لله كانت نظيفة وغير دموية، إلا أنها ماتستغناش عن إجراءات التطهير السلمية والتي أهمها العزل السياسي، ثم تُترك المحاكمات الجنائية لمن تحوم حوله الشبهات بضلوعه في جرائم أموال أو قتل أو غير ذلك. فالعزل السياسي في أصله لا يرتبط بارتكاب الشخص جريمة محددة، يكفي أنه رضي أن يكون من رموز نظام فاسد خلعته الجماهير.. فكيف يكون له وش ليعود مرة أخرى مستخدمًا الديمقراطية؟! ولو أن قانون العزل السياسي صدر من أول الثورة، لما كنا الآن بصدد الجدل الفارغ حول دستوريته، وإمكانية بطلان انتخابات الرئاسة حتى بعد إجرائها!! طبعًا إخوانا القانونيين -الله يسامحهم- بيركّزوا كثيرًا على الإجراءات الدستورية والقانونية، وهذا حقهم، لكنهم ينسون أن الدستور والقانون تابعان للنظام السياسي وليس العكس، بمعنى: لو أن البلد نظامها السياسي اشتراكي، فإن ذلك سينعكس على كل الإجراءات الدستورية والقانونية التي تفصِّل هذا التوجه السياسي العام في صياغات دستورية وقانونية. ولذلك فحتى الدستور نفسه -وهو أعلى وثيقة قانونية كما هو معروف- لا قيمة له إذا رفضته الجماهير.. فهو يستمد قيمته من رضا الجماهير به، أي من النظام السياسي العام الذي يعطيه المشروعية والشرعية. فكيف نحتكم بعد الثورة إلى دستور وقانون مرتبطين بنظام سياسي خلعته الثورة؟؟!! لكن -مع الأسف- لم تُشنق رموزُه كما فعلت ثورات كثيرة!! طبعًا الثورة لا تعني الفوضى القانونية، واللي عايز حاجة يعملها تحت زعم الثورة، ولكنها تعني إعادة صياغة الدستور والقوانين بل والحياة السياسية وفق المطالب التي خرجت الجماهير تنادي بها، وخلعت النظام القديم؛ لأنه فشل في تحقيقها. لكن إذا قامت الثورة، دون أن تتم مراجعة الدستور والقوانين، بل ومع الإصرار على الاحتكام لقوانين صنعها النظام المخلوع.. فهنا تكون المفارقة التي تنشأ عنها مشكلات لا حصر لها، وتضيع بسببها حقوق الثورة ومطالبها الأساسية.. ولعل هذه دعوة للإسراع بوضع الدستور حتى لا تتفلت الثورة من بين أيدينا. في العلوم الاقتصادية مقولة مشهورة، وهي أن الاقتصاد أخطر من أن يُترك للاقتصاديين وحدهم، وبالمثل نقول: أمور الدولة أخطر من أن تترك للقانونيين وحدهم، فهم حكموا بالبطلان على كل خطوة أنجزها الشعب بدمه وبعرقه.. لكن فاتهم أن يقولوا إن الثورة كمان باطلة!! لأن الثورة أصلاً فعل غير دستوري ولا قانوني، طبعًا بحسب مفهومهم الضيق. وعليه، فالثورة باطلة، ونحتاج لثورة أخرى، لكنها هذه المرة لن تكون قانونية ولا سلمية!! وهذا ما لا يدركه القانونيون؛ لأنهم محتاجون لدروس في السياسة!!